وزنُك قبل الحمل يؤثر في الولادة

نشر في 25-10-2014 | 00:01
آخر تحديث 25-10-2014 | 00:01
في مطلع هذه السنة، نشرت مجلة الجمعية الطبية الأميركية (JAMA) دراسة في شأن تأثير وزن المرأة قبل الحمل في حملها. يشير هذا التقرير إلى أن الوزن الزائد خلال الحمل يرتبط بارتفاع كبير في حالات الإجهاض القسري وولادة الجنين ميتاً.
يدرك العلماء عموماً أن السمنة تزيد الكثير من مخاطر الحمل، بما فيها وفاة الجنين. لكن اللافت في التقرير إظهاره أن المخاطر تزداد في أوزان أدنى بكثير مما كان يُعتقد سابقاً. فقد استخلص الباحثون أن من الأفضل أن يكون وزنك أقل من الطبيعي عند بداية الحمل.

فاجأني الاكتشاف لأنني أمضيت وقتاً طويلاً في دراسة هذه المخاطر خلال عملي على كتابي Expecting Better. فبالاستناد إلى الأدلة التي راجعتها، لاحظت أن ثمة أسباباً وجيهة لمحاولة بلوغ مدى الوزن الطبيعي قبل الحمل. ولكن إن كنت تتمتعين بوزن طبيعي، فلا داعي لأن تخسري كيلوغرامين إلى أربعة كيلوغرامات إضافية.

قد يكون من الأسهل التفكير في هذه المسألة من منظار الوزن بدل مؤشر كتلة الجسم. لنتأمل في حالة امرأة طولها 1.70 متراً ووزنها 70 كيلوغراماً، ما يجعل مؤشر كتلة جسمها أدنى من 25. تشير هذه البيانات إلى أنها إن خسرت نحو 4 كيلوغرامات قبل الحمل، تخفض خطر ولادة طفلها ميتاً بنحو 2 في الـ10 آلاف. لا يُعتبر هذا المقياس خاطئاً، إلا أنه مهم إحصائياً، ما يعني أن من المستبعد أن يحدث صدفة. فإذا استطاعت هذه المرأة ذاتها إنزال وزنها إلى 45 كيلوغراماً تقريباً (ما يجعل مؤشر كتلة جسمها 16.1، أي أدنى من معدل الـ18.5 الموصى به)، يتراجع خطر ولادة طفلها ميتاً بأكثر من 10 في الـ10 آلاف. ويشكل هذا تراجعاً بنحو 20%. بكلمات أخرى، تشير هذه البيانات إلى أن خطر ولادة الطفل ميتاً يكون أدنى إذا كان وزنك أقل من الطبيعي.

يُعتبر تقرير مجلة الجمعية الطبية الأميركية هذا تحليلاً بعدياً، ما يعني أنه لا يعتمد على بيانات أصلية، بل يلخّص نتائج دراسات عدة قائمة، ويحاول الاستناد إليها للتوصل إلى خلاصات كما لو أنها دراسة كبيرة واحدة. تُعدّ هذه الطريقة عادةً قيمة جداً، وخصوصاً في الحالات التي تكون فيها الدراسات الفردية صغيرة. فبالدمج بين الدراسات، تحصل على صورة أكبر عن مدى دقة التأثيرات التي تقيسها.

منهج التحليل

لحل هذه المسألة، عدتُ إلى أسس منهج التحليل البعدي. اعتمد باحثو تحليل ولادة الأطفال موتى على 18 دراسة، يتبع معظمها بنية مماثلة: تنطلق هذه الدراسات من مجموعة كبيرة من النساء لا يُحدد وزنهن قبل الحمل. يتتبع الباحثون حالة النساء خلال الحمل ويسجلون ما إذا ولد الطفل ميتاً أو لا. ومن ثم يقارنون معدلات ولادة الطفل ميتاً بحالات نساء امتلكن أوزاناً مختلفة قبل الحمل.

تقسّم الدراسات عادةً النساء إلى مجموعات. على سبيل المثال، تقارِن هذه الدراسة معدلات ولادة الطفل ميتاً بين أربع مجموعات تُقسَّم بالاستناد إلى مؤشر كتلة جسمهن قبل الحمل: مؤشر كتلة جسم أقل من 18.5 (وزن أدنى من الطبيعي)، مؤشر كتلة جسم بين 18.5 و24.9 (وزن طبيعي)، مؤشر كتلة جسم بين 25 و29.9 (وزن زائد)، ومؤشر كتلة جسم أعلى من 40 (سمنة). ولاحظ الباحثون أن معدلات ولادة الطفل ميتاً ترتفع كثيراً في حالة النساء اللواتي يعانين الوزن الزائد أو السمنة، مقارنة بمن يتمتعن بوزن طبيعي.

بما أن كل الدراسات الأصلية تقسّم النساء إلى مجموعات مماثلة، فمن البديهي أن نسأل: كيف استطاع باحثو التحليل البعدي إعداد رسم بياني متكامل، كما يظهر في الصورة؟ الجواب هو أنهم استخدموا معلومات عن المجموعات كنقاط بيانات، ومرروا الخط عبر هذه النقاط. وهكذا سهل على الباحثين الجمع بين كل الدراسات بطريقة مفيدة. على سبيل المثال، إذا اختلفت الحدود الفاصلة بين المجموعات باختلاف الدراسات، يصعب على الباحثين اعتبارها مجموعات منفصلة.

ولكن لا بد من التنبه إلى نقطة مهمة في شأن هذه الطريقة: بالبحث عن الخط الأفضل الذي يجمع بين البيانات كافة، تفترض أن من الممكن وصف هذه البيانات من خلال خط متكامل. ولكن إذا كان هذا الافتراض خاطئاً، تصبح الخلاصات عندئذٍ مضلِّلة.

لتوضيح المسألة، تأمل المثال التالي. أعددتُ مجموعتين من البيانات الخيالية عن مؤشر كتلة الجسم ومعدلات ولادة الطفل ميتاً: النقاط الزرقاء والمربعات الحمراء. تخيل أن هذه نتائج مجموعتين مختلفتين من البيانات. في إحدى الحالتين (المربعات الحمراء)، يرتفع معدل ولادة الطفل ميتاً عبر المدى بأكمله من النساء اللواتي يعانين وزناً أقل من الطبيعي إلى مَن يعانين السمنة. أما في الحالة الأخرى (النقاط الزرقاء)، فلا يرتفع معدل ولادة الطفل ميتاً إلا مع الانتقال من الوزن الطبيعي إلى الزيادة في الوزن أو السمنة.

الخط الأفضل

إذا حللنا المجموعتين من البيانات، نتوصل إلى خلاصات مختلفة في شأن أهمية خسارة الوزن، إن كان وزنك ضمن المدى الطبيعي. فتشير المجموعة الحمراء إلى أن الانتقال من وزن طبيعي إلى وزن أقل يخفض خطر ولادة الطفل ميتاً، في حين أن المجموعة الزرقاء تُظهر أن هذا غير صحيح.

ولكن إذا قدرنا الخط الأفضل الذي يجمع بين هاتين المجموعتين، تكون الخلاصات ذاتها تقريباً. إليك الرسم البياني المعدل الذي يضم الخطين الأفضلين.

يطابق الخط الأفضل في المجموعة الحمراء النقاط تماماً: إذا استمددت الخلاصات بشأن نقاط ما من هذا الخط، فستكون دقيقة. لكن الخط الأفضل في المجموعة الزرقاء يشير أيضاً إلى ارتفاع خطر ولادة الطفل ميتاً بالنسبة إلى النساء اللواتي يتمتعن بوزن طبيعي، مع أن البيانات التي يستند إليها لا تُظهر هذا البتة. ويحدث ذلك لأن معدلات ولادة الطفل ميتاً العالية بين مَن يعانين الوزن الزائد والسمنة تؤثر في هذا الخط. ويعود السبب الرئيس إلى إخفاق فكرة الخط الأفضل في حالة البيانات الزرقاء، إلا أن من الخطأ الافتراض أن من الممكن وصف العلاقة بمنحنى متكامل.

إذاً،  لمعرفة ما إذا كان الوزن الأقل من الطبيعي يخفض حقاً معدلات ولادة الطفل ميتاً، مقارنة بالوزن الطبيعي، علينا العودة إلى الدراسات الأصلية والتحقق من المقارنات بين المجموعات.

لا تضم أربع من الدراسات الثماني عشرة، التي يستند إليها التحليل البعدي، بيانات عن معدلات ولادة الطفل ميتاً في حالة مَن يعانين نقصاً في الوزن، مقارنة بمن يتمتعن بوزن طبيعي (تكتفي بمقارنة مَن يعانين الوزن الزائد والسمنة بمن يتمتعن بوزن طبيعي). ومن بين الدراسات الأربع عشرة المتبقية سبع تُظهر أن معدلات ولادة الطفل ميتاً تتراجع في حالة مَن يعانين نقصاً في الوزن، في حين تُظهر ست أخرى أن هذه المعدلات ترتفع في حالة مَن يعانين نقصاً في الوزن. أما الدراسة الأخيرة، فلا تُظهر أي اختلاف. واللافت أن كل هذه الدراسات لا تكشف اختلافات مهمة إحصائياً عبر المجموعات.

ترسم هذه النتائج المتباينة وغياب أهميتها صورة متناسقة، إلا أنها قد لا تكون متطابقة بالضرورة مع ما حدده معدو التحليل البعدي. لا شك في أن هذا التقرير يقدّم أدلة دامغة على أن الوزن الزائد والسمنة يزيدان الكثير من مخاطر مضاعفات الحمل، بما فيها ولادة الطفل ميتاً. لكنه لا يشير بالتأكيد إلى أن المرأة التي تتمتع بمؤشر كتلة جسم يبلغ 24 يجب تجتهد لتصل إلى مؤشر 20 قبل الحمل.

back to top