خلايا الدم المصنّعة تطارد السرطان

نشر في 24-10-2014 | 00:02
آخر تحديث 24-10-2014 | 00:02
أعاد أطبّاء برمجة خلايا الدم لمرضى السرطان، وأعيدَ ضخّها في أوردة المرضى، فأدّى ذلك إلى هجوع المرض بشكلٍ كامل في 27 شخصاً من أصل 30. يعتبر هذا الأمر مشوّقاً لأنّ العلاجات التقليدية كافة لم تفلح مع هؤلاء المرضى.
يشكّل تقرير صدر في مجلة إنكلترا الجديدة للطبّ، توسيعاً للبيانات التي عُرضت السنة الماضية في الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية لأمراض الدم. لم تستمرّ حالات تراجع مرض السرطان كافةً على حدّ ما أظهر التقرير. ظلّ المرض في هجوعٍ بعد شهرين إلى 24 شهراً لدى 19 مريضاً خضعوا للدراسة، ولم يحتج 15 منهم إلى أيّ علاجٍ إضافي، فيما انتكس سبعة مرضى بعد ستة إلى تسعة أشهر من ضخّ خلايا الدم. وقد انتشر السرطان خارج خلايا الدم التي يستهدفها العلاج الجديد لدى ثلاثةٍ من المرضى السبعة، فيما خرج خمس مرضى من الدراسة للخضوع لعلاجٍ بديل.

تعتبر هذه الأرقام جديرة بالاهتمام إذ إنّ هؤلاء المرضى عانوا عودة السرطان أربع مرات قبل أن ينضمّوا إلى الدراسة، بمن فيهم البعض الذي عانى عودة السرطان بعد زرع الخلايا الجذعية، حسبما أفاد كارل جون، قائد فريق البحوث واختصاصي المناعة في جامعة بنسلفانيا. بعبارةٍ أخرى، كان هؤلاء الأكثر مرضاً.

يعترف جون: {في البداية، اعتقدنا أنها ربما مسألة حظّ وحسب مع المرضى الأوائل}. عولجت إيميلي وايتهاد، المريضة الأولى في المجموعة والبالغة من العمر تسعة أعوامٍ، عندما كانت في السادسة من عمرها. ظلّت بعيدة من السرطان من دون أيّ تدخّلٍ إضافي لأكثر من عامين وشاركت مع جون في عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة في حملة لركوب الدراجات لجمع التبرعات، وقد أسفرت الحملة عن 1،9 مليون دولار لمتابعة البحوث. ويضيف جون: {أمست أشبه بأسطورة}.

ويؤكّد جون أنّ أفضل مقارنة لنتائج المجموعة هي تلك التي حقّقها دواء غليفيك الصادر عن شركة نوفارتيس، إذ ساعد 90 إلى 98% من المرضى في التجارب المبكرة. وقد نال الدواء الموافقة في ما يتعلّق بعشرة أنواعٍ من السرطان. لكن بخلاف هذه الطريقة، يضطرّ المرضى إلى تناول حبة من دواء غليفيك يومياً. أمّا النظام العلاجي الذي وضعه جون، فلا يتطلّب إلّا جرعةً واحدةً.

نقل الدم

لتطبيق العلاج، يجمع الباحثون خلايا T من المريض باستخدام عملية شبيهة بنقل الدم. ثمّ يُجري المختبر في مرفق إنتاج اللقاح والخلية السريرية في جامعة بنسلفانيا تحويل الجينات، حتى يلقّن الخلايا T أن تستهدف البروتينات التي تجدها على سطح الخلايا B، وهي نوعٌ آخر من خلايا الدم التي يطاولها السرطان. تُزرع الخلايا T مجدّداً بعدئذٍ في المريض، حيث تلاحق أيّ خلية يتعلّق بها البروتين وتقتلها.

الخلايا B كافة، لا السرطانية وحسب، تُقتل. وقد أظهرت الفحوص التي خضع لها المرضى المعالجون كافة أنّ الخلايا B الطبيعية لديهم تمّ قتلها مع الأورام. وبما أنّ الخلايا بي مسؤولة عن إنتاج الأجسام المضادة التي تلاحق أيّ فيروسٍ أو بكتيريا في مجرى الدم، فالحلّ إذاً ليس بالمثالي، ويحصل المرضى عادةً على بديلٍ من الغلوبولين المناعي للمساعدة في تعزيز جهاز المناعة لديهم ليصل إلى مستويات صحية.

ليست الحياة بغياب الخلايا B بالمُثلى، لكنّها تبقى أفضل من الموت بفعل السرطان، على حدّ تعبير ميشال سادلان، اختصاصي المناعيات في مركز Memorial Sloan-Kettering الذي لم يكن جزءاً من الدراسة الراهنة. غير أنّه يجري أيضاً بحوثاً عن الخلايا T المصمّمة، إنّما باستخدام تقنية أخرى لبرمجة الخلايا المعدَّلة وتنميتها. وقد وصل معدّل الاستجابة إلى 88% في مجموعته التي تضمّ عدداً من الراشدين المصابين بنوعٍ مختلف من سرطان الدم يُدعى بسرطان الدم الليمفاوي المزمن. تراوحت أعمار معظم المرضى في الدراسة الراهنة بين خمسة و22 عاماً، وعانوا جميعاً سرطان الدم الليمفاوي الحاد.

ويلاحظ سادلان: {من المدهش كمّ التشابه بين معدّل الاستجابة لديهم ولدينا. هذه الأرقام هي تقريباً نفسها، لكنّها تصدر عن خبراء مختلفين، من مراكز مختلفة، وتطاول فئات مريضة متنوعة. يدلّ هذا الأمر ربما على قوّة المقاربة{.

وبما أنّ الأرقام متشابهةٌ للغاية بين المركزين، فهذا يعني أنّ التركيز على الاختلافات في التصنيع أقلّ أهمية، حسبما ينبّه سادلان. فالأهمّ هو الآثار الجانبية التي نعاينها في مجموعات المرضى الذين عولجوا بهذه الطريقة، إذ عانى 22 مريضاً من أصل 30 متلازمة إفراز السيتوكين، وصل فيها جهاز المناعة لديهم إلى استياق مفرط أثناء ملاحقة السرطان. وتؤدّي متلازمة إفراز السيتوكين إلى أعراض شبيهة بالإنفلونزا، كالحمى، والغثيان وآلامٍ في العضلات. وقد عانى أيضاً ثمانية مرضى من صعوبات في التنفّس. ويمكن أن تكون هذه الاستجابات حادّةً، إذ أوشكت وايتهاد على الموت، إلّا أنّ المتلازمة تخمد بنفسها مع مرور الوقت. ويقول سادلان إنّ اكتشاف كيفية إدارة هذه الاستجابة يشكّل الآن التحدّي الكبير المقبل. ويوضح جون: {بخلاف معظم علاجات السرطان، يكفي أن يعطى المريض الخلايا المعدّلة جينياً مرّةً واحدةً}. يأمل ألّا يعالج في نهاية المطاف المرضى في حالات يرثى لها وحسب، فبالنسبة إلى المرضى العاديين، يمكن أن تصبح الخلايا T علاجاً للمرضى خارج المستشفيات، إذ يبدو أنّ متلازمة إفراز السيتوكين متعلّقة بعدد الأورام التي يعانيها الأشخاص الخاضعون للعلاج.

خلايا معدلة

أخذت التجربة الراهنة في الاعتبار جميع المرضى الذين خضعوا للعلاج. وقد لجأ المعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة إلى الخلايا T المعدّلة أيضاً، مستخدماً ما يُسمّى بالدراسة {العازمة على العلاج}، وهي نوعٌ من التحليل يتضمّن كلّ مريضٍ تسجّل منذ البداية، وإن انسحب في ما بعد أو لم يأخذ الجرعة المناسبة من الدواء. وتوصّلت بحوث المعهد إلى أنّ بعض المرضى لم يتمكّن من تنمية جرعاتٍ كاملة من الخلايا T. وتشير كريستال ماكال، رئيسة قسم علم الأورام للأطفال في المعهد الوطني للسرطان، إلى أنّ حسبان المرضى، الذين أراد الباحثون معالجتهم لكن لم يتمكّنوا من الوصول إليهم في الوقت المناسب أو تنمية خلايا لأجلهم، قد يخفّض ربما من معدّل الاستجابة بنحو الثلث.

وقد أظهرت بيانات المعهد التي نشرت في مجلة The Lancet أنّ 19 مريضاً من أصل 21 تلقّوا الجرعة المعيّنة، فيما كان لدى المريضَين الآخرَين خلايا دم لم تنمُ إلى مستوى كثافة الجرعة المخصّصة. وبخلاف التجربة الراهنة، انتقل جميع المرضى الذين ظلّوا على قيد الحياة إلى زراعة النخاع العظمي لكونها جزءاً من تصميم الدراسة.

الجزء الأكثر تشويقاً بحسب جون في هذه الطريقة، التي تستخدم ما يسمّيه العلماء الخلايا T المستقبلة المستضد الخيمري، فهو إمكان استخدامه لاستهداف أيّ سكّر أو بروتين يظهر على سطح خلية سرطانية. يسعى فريقه إلى البدء بتجارب في حالات الورم الأرومي الدبقي وسرطان البنكرياس والمبيض. ومن المزمع أيضاً أن يطلق فريق سادلان دراساتٍ تتعلّق بمرضى سرطان الثدي والرئة في العام المقبل. فقد شهد هذا المضمار ازدهاراً مع ازدياد عدد شركات الأدوية والباحثين المهتمّين فيه.

وبالإضافة إلى مركز Memorial Sloan-Kettering للسرطان، وجامعة بنسلفانيا والمعهد الوطني للسرطان، يجري مرفقان أكاديميان مهمان آخران بحوثاً مشابهة، وهما كلية بايلور للطبّ وتحالف رعاية مرضى السرطان في سياتل. في غضون ذلك، تدخل شركة نوفارتيس في شراكة مع الباحثين في جامعة بنسلفانيا، ووقّعت شركة فايزر اتفاقاً مع شركة سيليكتس لتطوير تقنيّتهم الجديدة، وتعمل شركة غلاكسو سميث كلاين مع شركة Juno Therapeutics لتطوير العلاجات أيضاً، ناهيك عن شركتي Clegene وBluebird، اللتين تملكان حقوق البحوث التي تجريها كلية بايلور للطبّ. أمّا شركة كايت فارما، وهي شركة أخرى تطوّر تقنيةً مشابهة، فقد وضعت اكتتاباً عاماً وصلت قيمته إلى 128 مليون دولار في شهر يونيو.

نمو مهول

وأعربت ماكال عن سرورها بقولها: {نحن مسرورون لرؤيتنا أنّ هذا القطاع آخذ في التطوّر. فلو سألتني قبل خمس أو عشر سنين إذا ما كانت التكنولوجيا الحيوية وشركات الأدوية الكبرى ستحقّق قفزةً كبيرةً، لأجبتك بالنفي القاطع. لكنّ الأمر يحدث بالفعل.

يعتبر هذا التطوّر نموّاً مهولاً منذ تقرير الحالة الأولى الذي صدر عن مختبر جون في العام 2011، عندما هجع المرض لدى مريضين من أصل ثلاثة كانوا مصابين بسرطان الدم الليمفاوي المزمن، وفقاً للتقارير التي صدرت عن مجلة إنكلترا الجديدة للطبّ ومجلة العلم لطبّ الترجمة. ويؤكّد جون أنّ المرض لا يزال إلى هجوع لدى هؤلاء المرضى.

يُشار إلى أنّ إدارة الأغذية والأدوية الأميركية منحت في يوليو مجموعة جون تعيين تقدّمٍ في العلاج، وذلك لمعالجتها سرطان الدم الليمفاوي الحاد لدى الراشدين والأطفال. ويهدف التعيين الذي صدر في العام 2012 إلى تسريع إنتاج الأدوية الجديدة التي تعالج الأمراض المميتة. وكانت الخلايا T  المصمّمة خامس علاجٍ ينال التعيين.

يختم جون: {لا تشبه هذه العملية تقريباً أيّ علاجٍ بالخلايا أو بالجينات، وهي في رأس لائحة العلاجات التي وضعناها لأنفسنا عندما بدأنا بمعالجة المرضى. نضغط على أنفسنا لأنّنا لم نكن نعلم حتى وقتٍ قريب إذا ما حالفنا الحظّ أو إذا ما سوف يدوم العلاج. لا يزال المرض إلى هجوعٍ في مرضانا الأوليين، لذا نعلم أنّه مستدام وقابلٌ للتكرار، وهذا ما يزيدنا حماسة يومياً}.

back to top