تضييع فرص الإصلاح الاقتصادي أصبح سمة حكومية معتادة!

نشر في 23-10-2014 | 00:10
آخر تحديث 23-10-2014 | 00:10
No Image Caption
• لا جدية في ترشيد الدعم ولا رغبة في تنويع الاقتصاد

• ضرورة اختلاف أسعار الكهرباء بين السكني والاستثماري والصناعي والتجاري

يبدو أن تضييع فرص الإصلاح الاقتصادي بات أشبه بالسلوك الطبيعي للإدارة التنفيذية، التي طوت إلى أجل غير معلوم، أهم ما في ملف إعادة تسعير الخدمات وترشيد الدعم المقدم للمواطنين والشركات في الميزانية.

فاجتماع مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية الأسبوع الماضي، الذي أقر رفع الدعم عن الديزل والكيروسين ووقود الطائرات تجاهل الملف الأهم، وهو ملف الاستهلاك الكهربائي الذي تكمن أهمية معالجته في كونه من جهة يكلف الدولة ما بين 2.5 و3 مليارات دينار، بما يوازي 10 الى 13 في المئة من إجمالي الميزانية، فضلا عن ان معظم كلفة الاستهلاك الكهربائي موجه الى غير المستحقين كالشركات والمصانع.

والدراسة، التي قدمتها لجنة "إعادة دراسة مختلف الدعوم"، التابعة لوزارة الكهرباء والماء، كانت الاولى من نوعها التي تفرق بصورة عادلة ما بين شرائح الاستهلاك، فهي تعطي هامشا لذوي الاستهلاك المعتدل في السكن الخاص عند السعر الحالي فلسين للكيلووات، تتصاعد بحسب تصاعد الاستهلاك، وترفع بالمقابل سعر الاستهلاك للعقار من فلسين للكيلووات للعقار والمجمعات التجارية، ومن فلس للكليووات في المصانع الى 8 فلوس للاستخدام المعتدل و12 فلسا للاستخدام العالي.

شرائح عادلة

الشرائح السابقة كانت فرصة جيدة لاعادة هيكلة الدعم، فهي من ناحية ستزيد الايرادات المالية للخزينة العامة، وستخفض الاستهلاك غير المبرر من جهة ثانية، كما انها تغير منطقاً خاطئاً يساوي بين استخدامات السكن الخاص مع استخدامات الاستثماري والتجاري والصناعي، في بلد لا يدفع القطاع الخاص فيه ضريبة ولا يساهم بشكل فاعل بتشغيل العمالة الوطنية.

ولا حاجة لتكرار القول ان ملف تقليص الدعم - خصوصا على غير المستحقين - يعد واحداً من اهم ملفات الاصلاح المالي في الكويت، في وقت يعاني سوق النفط العالمي انخفاضات بلغ معها سعر البرميل هذا الاسبوع ادنى مستوى منذ 4 سنوات، وتشهد اسواق النفط خصوصا الآسيوية حرب اسعار بين المنتجين.

وحتى من دون هبوط اسعار النفط الحالية، تتزايد الحاجة لمواجهة المخاطر المستقبلية لاقتصاد ايراداته ترتكز على النفط بنسبة تصل الى 93 في المئة، فضلا عن تصاعد الطلب على سوق العمل بواقع 20 الف فرصة عمل سنويا في الوقت الحالي، تتصاعد خلال 10 سنوات قادمة الى 70 الف فرصة عمل، فإذا كانت الرواتب وما في حكمها تستهلك اليوم 10.5 مليارات دينار من الميزانية بما يوازي 45.2 في المئة، فكم سنحتاج خلال السنوات القادمة لتغطية النفقات المطلوبة.

تنويع الاقتصاد

لذلك، لا تقل اهمية تنويع الاقتصاد وفتح قنوات استثمار عن اهمية ترشيد الدعم، لذا يجب الحديث مجددا عن الضريبة على الشركات والجهود الخاصة المفروض بذلها لجذب استثمارات اجنبية في الكويت لتعزيز ايرادات الضرائب، مع الاخذ بعين الاعتبار اصلاح سوق العمل الذي يمثل التحدي الاكبر خلال السنوات القادمة، فضلاً عن اصدار قوانين تسهل اطلاق فرص عمل جديدة في القطاع الخاص، الى جانب تسريع إصدار اللائحة التنفيذية للمشروعات الصغيرة ووجود فرص استثمارية كتشغيل ميناء مبارك ومدينة الحرير لتوفير فرص عمل في القطاعات الخدمية واللوجستية والتطوير العقاري والاستثمار الصناعي والمالي والسياحي وغيرها، وفقا لقواعد تنافسية تكون الدولة فيها منظمة ومشرفة على السوق، وجابية للضرائب من الشركات التي تستفيد من هذا السوق.

مطلوب نماذج حكومية

المهم اليوم ان يكون القرار الحكومي بترشيد الدعم قرارا في اتجاه التنفيذ، بمعنى انه يجب الا يتأثر بالضغوط المتوقعة من نواب او تجار او ملاك عقارات او ان يخضع لضغوط شعبية ترفض اي زيادة على الاسعار او تهدف إلى ترشيد الاستهلاك، والأهم ان تقدم الحكومة أيضاً نموذجها في تخفيض وترشيد مصروفاتها، فضلاً عن ضبط حجم الفساد، فلا معنى لاموال ترصدها الدولة من المستهلكين لتتبخر أموال أكثر منها في مشاريع ومناقصات فاسدة او حتى في هدر مالي لا ينتهي بالمكافآت والمخصصات الخاصة بالقياديين والوزراء... فالنموذج الجيد، إن قدمته الحكومة، سيساعدها على العديد من الاصلاحات الاقتصادية المكدسة منذ سنوات في ادراجها.

ويشير التاريخ القريب إلى أنه لطالما تعهدت الحكومة بالمضي في مشروع ووافقت على عكسه تماماً، وليس اقرب مثلا من طرحها لمخاطر العجز المالي للتصوت بعد يومين على زيادة الدعم الاسكاني بسلع تصل قيمتها الى 30 الف دينار، في مخالفة غريبة لتوجهها وقناعاتها المعلنة على الاقل.

أملاك الدولة واستغلالها

ومن جهة أخرى، تجب إعادة النظر في اسعار الايجارات على املاك الدولة والشاليهات لتحصيل عوائد عادلة من مؤجريها، خصوصا ان كثيرا من هذه الاراضي يعاد تأجيرها مجددا بأسعار باهظة فتحقق لهم ارباحا عالية جدا، وهنا تجب اعادة النظر بشكل جذري في اسعار هذه الاراضي او اعادة تأجيرها مباشرة لمن يمارس فيها عملاً استثمارياً خاصاً ضمن نطاق المشروعات الصغيرة مثلا.

ملفات كالمشروعات الصغيرة، وقبلها الخصخصة وغيرهما، من الافكار الخاصة بسوق العمل يجب ان تقام على قواعد سليمة، ولا تكون قبلة للتنفيع، بل مشروعا لتطوير الخدمات وتخفيف عبء على الدولة، والاهم توافر البيئة التنافسية التي تضمن توفير فرص عمل للعمالة الوطنية، فضلا عن ايرادات ضريبية لمصلحة الميزانية.

50% غير نفطية

يفترض بدولة مثل الكويت، لديها هذه الوفرة النفطية، أن تعمل منذ زمن بشكل مريح في مسألة رفع نسبة الايرادات غير النفطية الى 50 في المئة من الاجمالي، بدلا من الحالية البالغة 7 في المئة من خلال نظم ضريبية وشرائح استهلاكية على الكهرباء والديزل والعديد من المنتجات الاخرى، مثل ضريبة تصاعدية على السلع الفارهة كالسيارات واليخوت والمجوهرات، مما ينعكس على ايرادات الدولة او يقنن النمط الاستهلاكي.

back to top