القانون أم القضاء أم الأسرة... مَن المسؤول عن عنف الشباب؟

نشر في 21-10-2014 | 00:11
آخر تحديث 21-10-2014 | 00:11
قانونيون: تشديد القوانين والأحكام لن يحد جرائم العنف لديهم
• مطالبات بإصدار قانون يحاسب الأسرة على الإهمال وإلزام الدولة توعية أفراد المجتمع بخطورتها

بعد تصدُّر العديد من قضايا العنف بين الشباب أخيرا المشهد المحلي، وتعدد الاتهامات حول مسؤولية القوانين والأحكام القضائية عن هذا النوع من الجرائم وبيان دور الأسرة في ازديادها، مازال وقوع الجرائم المرتبطة بالعنف  مستمراً، وذلك رغم تشدد تلك الأحكام والقوانين بحق المتهمين، ووجود العديد من القوانين الجزائية التي تعاقب على أفعال العنف، وهو ما يفتح باب التساؤلات عن ماهية الخلل في نتيجة تكرار أفعال العنف المتكررة في المجتمع، وعمّا إذا كان سببها الأحكام القضائية أم القوانين أم ضعف التربية الأسرية.

وعلى الرغم من معاقبة قانون الجزاء وحتى الأحداث على الأفعال التي يرتكبها الأشخاص عاديين كانوا أم أحداثا - والتي تتسم بطابع العنف - بالحبس أو حتى بالإيداع أو بالاختبار القضائي، وبصدور أحكام قضائية مشددة وفق كل واقعة على حدة وفق التصنيف الجزائي لتلك القضايا جنحا كانت أو جنايات، فإن مظاهر العنف بارتكاب العديد من القضايا الجزائية لم تتوقف أو ينخفض عددها، وخصوصا وسط ارتفاع معدلات جرائم الضرب بإلحاق الأذى البليغ أوالسرقة المرتبطة بها، أو التعدي أو القتل أو الشروع فيه.

بداية، يقول رئيس جمعية المحامين الكويتية، المحامي وسمي الوسمي، إن تغطية المشرع الكويتي للأفعال الجزائية التي تتطلب المعاقبة عليها ليست كافية لتراجع معدلات الجريمة، وذلك لأن تراجعها والخشية من عدم ارتفاعها مرتبطان بقضايا أخرى كنوعية النصوص الجزائية المعاقبة على تلك الأفعال ومدى ملاءمتها وتطبيق المحاكم الجزائية عليها، فضلا عن توعية الرأي العام بمدى جسامة تلك العقوبات على حياة الشخص إذا ارتكب تلك الأفعال، وكذلك توعية الأسرة بخطورة تلك الأفعال والعقوبات الصادرة في هذا النوع من الجرائم على الابن وعلى المجتمع وعلى مستقبله.

العلاج الاجتماعي

ويضيف الوسمي: إن تشدد القوانين الجزائية في معاقبة الأشخاص من أجل التخفيف عن هذا النوع من القضايا ليس حلا هو الآخر، وخصوصا أن العقوبات تتصدى بالأساس لتلك الأفعال، لكن النظر في سبل العلاج الاجتماعي هو الأفضل، لافتا إلى أن الأحكام القضائية تتعامل، وبشكل يومي في المحاكم، مع كل حالة على حدة، ووفق ظروف كل قضية، وقد يكون فيها الشخص مرتكبا للفعل المجرّم، وقد لا يكون كذلك، ولا يمكن إيجاد آلية لوقف هذا العنف، لكونه شأنا خاصا بسلوك كل متهم على حدة، لكن الحد من ازدياد هذا العنف أمر متاح، وبالإمكان العمل على تحقيقه من المؤسسات الأمنية والاجتماعية معا.

ويبيّن أن هناك العديد من القوانين كالأحداث مثلا تحتاج إلى إعادة نظر في طريقة تعاملها مع الحدث، سواء كان متهما أو محكوما عليه وطرق معاقبته على الأفعال المرتكبة فيها، فضلا عن إيجاد دور مهم لولي الأمر في المحافظة على الحدث، والنظر في إمكان مساءلته عن الإهمال الذي يثبت وقوعه منه، وذلك لحثه على إيجاد أسلوب للرقابة الأسرية على سلوكيات الحدث، نظرا لما يراعيه القانون لسنّ وظروف الحدث، وهو ما يحظى بتخفيف لدى مساءلته أو حتى معاقبته عن الأفعال المرتكبة منه.

ويضيف: حتى المؤسسات الإصلاحية التي يقضي بها المحكوم عاديا كان أم حدثا هي اليوم أيضا بحاجة إلى تطوير في الأساليب التي تتبعها في طرق إصلاح المحكوم، وخصوصا إذا نظرنا إلى طرق الإصلاح المتبعة أو التي قد تكون معدومة في الوقت الحالي بالكويت، وبين تلك الطرق التي تتبع في العديد من الدول، والتي تساعد على إصلاح سلوك المحكوم وتقديمه مجددا كعنصر منتج في المجتمع.

لا تكفي

بدوره، يقول المحامي سليمان الصيفي إن القوانين وحدها لا يمكن أن تحد من ازدياد جرائم العنف، بل إن هناك مجموعة من العوامل بإمكانها أن تحقق الردع لدى كثير من المنحرفين أو سيئي السلوك، كصدور الأحكام القضائية الرادعة على المذنبين في قضايا الضرب والعنف والسرقة والقتل، والإعلان من الجهات الرسمية عن صدور تلك الأحكام لخلق رأي عام نحو خطورة هذا النوع من الجرائم وغيرها من الجرائم المؤثرة في المجتمع واستقراره.

 ويضيف: وذلك فضلا عن تخصيص الإعلام الرسمي وغير الرسمي، سواء المرئي أو المسموع العديد من البرامج التي تتحدث بأسلوب قانوني وعلمي واجتماعي باستمرار عن خطورة هذه الأفعال، من أجل خلق رأي عام لرفض هذا النوع من السلوكيات، والذي بدأ ينتقل من التجمعات العادية إلى التجمعات والمرافق العامة، أو مراكز التسوق التي أصبحت اليوم تمثّل تجمعا عاما لكل شرائح المجتمع المختلفة، وأخيرا سرعة تزويد تلك التجمعات بنقاط أمنية متدربة على كيفية التعامل مع الأحداث التي تقع من الجمهور، وتوفير أجهزة الكشف عن الآلات الحادة في تلك الأماكن للحد من إدخالها إلى تلك الأماكن، سواء كانت جهات رسمية أو مراكز للتسوق أو المطارات.

أما المحامي محمد دشتي، فيقول إن المشرع الكويتي مطالب بعد كل حقبة زمنية من تطبيق القوانين ومنها الجزائية بمراجعة نصوص تلك القوانين بهدف تطويرها، وكذلك التصدي لمثالب تلك النصوص إن وجدت في التعاطي مع القضايا الجزائية المختلفة كأحد أنواع مواكبة التشريع مع المستجدات الواقعية التي تطرأ على المجتمع.

ويوضح: إن تصدّر أخبار العنف في المشهد المحلي أخيرا ليس مبررا لتشديد النصوص الجزائية المعاقبة على أفعال العنف بأشكالها المختلفة، لكنه مبرر لدراسة ودوافع تلك الحالات، والتي قد لا يخلو منها الحديث عند دراسة الجانب القانوني والقضائي لهذا النوع من الأفعال، فضلا عن الجانب الاجتماعي، وتحديدا في إمكان محاسبة الأسرة عن هذا النوع من الجرائم، وخصوصا أن مرتكبيها هم الأحداث.

محاكمة عادلة

ويقول دشتي إن القضاء الكويتي يصدر يوميا العديد من الأحكام الجزائية المشددة أو المخففة، وذلك بعد النظر لظروف كل قضية على حدة، ولا يمكن مطالبته بإصدار نوع معيّن من الأحكام، لإخلال ذلك بحق المتهم في المحاكمة العادلة، كما أن المطالبة بتشديد نصوص القانون لمجرد تصدر العديد من أحداث العنف في المجمعات التجارية أو المطارات مثلا أمر غير مبرر.

وزاد: فضلا عن أن تشديد الجانب الأمني هو الآخر ليس مبررا أيضا، بل من الواجب إيجاد معالجات أمنية في الأماكن العامة بشكل عام، على اعتبار أن وقوع أحداث عنف قد يتحقق في أي مكان ما، كما يتعين تكليف الجهات الرسمية في الدولة، وتحديدا الإعلامية، بأن تقوم بتوعية أفراد المجتمع بخطورة هذه الأفعال، وكذلك جسامة العقوبات التي قد تصدر من المحاكم بهذا الشأن، مع الاستشهاد ببعض القضايا التي انتهى القضاء من نظرها، وقضى المحكوم فيها بعقوبات مشددة، نتيجة الإقدام على تلك الأفعال.

بينما يقول عضو مكتب أركان للاستشارات القانونية، المحامي عثمان المسعود، إن على المشرّع الكويتي الإسراع بتعديل قانون الأحداث الحالي، لأنه يفتقر إلى طرق العلاج أو الإصلاح التي يجب تحقيقها في تهذيب سلوك الأحداث حال ثبوت إدانتهم في القضايا الجزائية المختلفة.

مسؤولية قانونية

ويضيف أن تحميل المشرع الكويتي مسؤولية قانونية على الأسرة التي يثبت إهمالها أمر مهم، ويحقق فاعلية الرقابة الأسرية على سلوك الحدث، وخصوصا بعد تراجع الدور الأسري في الرقابة المباشرة وغير المباشرة على الحدث، والتي تسببت في ارتكابه العديد من الأفعال الجزائية المختلفة.

ويبين أن الحد من جرائم العنف في المجتمع وتراجعها لن يتحققا بقانون ولا بأحكام قضائية مشددة، بل برقابة أسرية فعالة، فضلا عن وجود التوعية لدى الرأي العام من خطورة تلك الأفعال على الحدث ومستقبله وعلى المجتمع بشكل عام، فضلا عن تحميل الأسر التي يثبت إهمالها المسؤولية، والتي قد يكون أحد الأسباب المؤدية إلى ارتكاب أفعال العنف بشكل عام باستمرار.

ويقول المسعود إن على الجهات الحكومية الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة بالتعامل مع هذا النوع من الأفعال بعد دراستها من مختصين، للحد منها وبما لا يتعارض مع المبادئ العامة للدستور.

back to top