جرّاحون يحولون إصبع القدم إلى إبهام يد!

نشر في 21-10-2014 | 00:02
آخر تحديث 21-10-2014 | 00:02
يبرع جراحو التجميل في إعادة ترتيب الأشكال. صحيح أنهم يشفطون دهون البطن وينفخون الصدر، لكن من المبسّط أن نختصر كل ما يفعلونه بهذه الأمور. هم يرممون شكل الجسم ووظيفته أيضاً، فيسحبون الجلد من منطقة معينة لإصلاح إصابة في منطقة أخرى. يغلقون الشفاه المشقوقة ويعيدون ترميم الوجوه المشوهة عبر استعمال أجزاء سليمة من الجسم. لكن ما من بديل سهل أحياناً لجزء مفقود وما من قسم جلدي متطابق.
لنأخذ إبهام اليد مثلاً. الأشخاص الذين يفقدون إبهامهم يخسرون طرفاً أساسياً كان يسمح لهم بفتح قبضات الباب والإمساك بالأقلام والتقاط المال. يشمل إبهام اليد حتى 50% من وظيفة اليد، لكن تتوقف هذه النسبة على الشخص أو الطبيب الذي نستشيره. إنه إصبع بالغ الأهمية وتحدد وظيفته مدى سهولة عيشنا. إنه أحد أهم الأصابع.

قال د. جوزيف روزن، جراح في مركز دارتموث هيتشكوك الطبي: {إبهام اليد جزء من الأمور التي تميز البشر لأنه يوفر لنا إحدى أبرز خصائصنا البشرية: المعارضة}.

ما من إبهام يد إضافي في جسم الإنسان، لذا اضطر الجراحون إلى البحث في مكان آخر وقد قادهم بحثهم إلى عملية {نقل إصبع القدم إلى موقع الإبهام}. قد تبدو فكرة أخذ إصبع القدم ووضعه على اليد خيالية، لكنه مثال على مبدأ جراحي شائع: استبدال المثل بالمثل.

خسر مصفف الشعر فيليب كوليلو من كونيتيكت إبهامه في سبتمبر 2013 أثناء قطع الخشب بالمنشار. فأمضى ستة أشهر من دون إبهام قبل الخضوع لجراحة {نقل إصبع القدم إلى موقع الإبهام} في مستشفى سانت فرانسيس في هارتفورد، كونيتيكت.

قال كوليلو عن الوقت الذي أمضاه من دون إبهام يده: {كان يجب أن أتعلم كيفية تدبر أمري من دونه. كان يصعب عليّ القيام بأبسط الأعمال في المنزل. بدل التمتع بيد كاملة لإمساك الأغراض، كنت مضطراً إلى التقاطها بذراعي. كنت أوقع الأغراض دوماً. باختصار، كان الوضع غريباً جداً}.

الجراحة التي خضع لها كوليلو ليست الأولى من نوعها، لكنها تختلف بشدة عن بديل إبهام اليد الذي كان يُستعمل قديماً. في عام 1897، أجرى الجراح النمساوي كارل نيكولادوني أول عملية {نقل إصبع القدم إلى موقع الإبهام} على البشر عبر ربط يد رجل بقدمه في قاعدة إصبع القدم الكبير. بعدما أمضى المريض أسابيع وهو منحني الظهر ويده معلّقة بإصبع قدمه، قطع نيكولادوني إصبع القدم الكبير وتركه معلّقاً بيد الرجل، فحصل بذلك على أول إصبع قدم في مكان الإبهام في العالم. لم يبق لمريض نيكولادوني أي أعصاب أساسية، لكن أثبت الطبيب أن الجراحة ممكنة.

اليوم، يجري الجراحون الجراحة نفسها ويحققون نجاحاً أكبر، لكن من دون إجبار المريض على تمضية أسابيع وهو منحني الظهر. أجرى روزن نحو 24 جراحة {نقل إصبع القدم إلى موقع الإبهام} منذ عام 1983. اليوم، أصبح روزن أستاذ جراحة وأستاذ هندسة في دارتموث هيتشكوك، وقد درس مع د. هاري بانكي المعروف لكثيرين بأنه أب الجراحة المجهرية، فهو من أجرى أول جراحة لنقل إصبع القدم إلى موقع الإبهام على القرود في عام 1966.

بدأت الجراحة تزداد شيوعاً لكن لا يتمتع كل مستشفى بالخبرة اللازمة لإجراء عملية الزرع. كانت جراحة كوليلو أول تجربة يقوم بها أي طبيب في مستشفى سانت فرانسيس لنقل إصبع القدم إلى موقع الإبهام. لم يعلم كوليلو ذلك إلى أن أحدث إصبعه ضجة واسعة بين المراسلين المحليين والموظفين في المستشفى.

أوضح كوليلو: {استخفيتُ بتلك الجراحة}. سمع عن جراحات نقل الأصابع واستنتج أن هذه الجراحة تقليدية. تردد في البداية لكنه كان يثق بجرّاحه سام بيونوكور وبفريق الجراحة في مستشفى سانت فرانسيس.

جراحة طويلة

رغم وجود أربعة جراحين على الأقل في غرفة الجراحات، تتطلب الجراحة نحو ثماني ساعات. تحتاج إلى فريقَين جراحيين: واحد لقطع إصبع القدم وآخر لتحضير اليد لعملية النقل. قد ينقل الجراحون أحياناً إصبع القدم الثاني، لكنهم يختارون استعمال الإصبع الكبير عموماً. بعد قطع إصبع القدم وتحضير اليد، يتطلب النقل استعمال مجاهر لإعادة وصل البشرة والأعصاب والأوعية الدموية والأوتار الحساسة والمتطابقة. يجب أن يربط الجراحون العضلات المستعملة لثني ومدّ إبهام اليد بتلك التي تثني وتمدّ إصبع القدم الكبير، على التوالي، قبل ربطها بعصبَين على الأقل كي يتصل الشعور بإصبع القدم بعصب الإبهام السابق.

قال مدير قسم زراعة الأطراف العلوية في مستشفى بريغهام للنساء، د. سايمون تالبوت، إن هذه الجراحة {قد تشكّل ذروة الجراحة المجهرية بالنسبة إلى الجراحين المختصين بهذه الجراحة}.

يقول د. ألكسندر سبايس، رئيس قسم جراحة اليد في مركز جراحة التجميل في جامعة بيتسبرغ: {تتعدد الأجزاء المتحركة عند إجراء جراحات دقيقة بقدر نقل إصبع القدم إلى موقع الإبهام. قد تؤثر التفاصيل الدقيقة، مثل احتساب زاوية قطع العظام، على وظيفة الإبهام كلها. قد يؤدي القطع على طول بضعة ميليمترات في اتجاه واحد مقابل اتجاه آخر إلى تغيير وظيفة الإصبع كلها، مع التشديد على أهمية موقع الإبهام نسبةً إلى يد المريض}.

يؤكد تالبوت على عدم وجود مقارنة سهلة لشرح مدى صعوبة الجراحة لكنه يقول: {الأمر يشبه خياطة ثوم معمّر مفروم بشعر الإنسان، لكن يجب ألا ينسى أحد أن الهدف هو الاحتفاظ بتجويف مركزي مفتوح مع ضمان أن يكون التقاطع مغلقاً بإحكام}.

وبما أن عدداً كبيراً من المرضى خسروا إبهامهم بسبب حادثة معينة، قد لا يسهل على الجراحين إعادة وصله كما يقول روزن. حين يتم قطع الإبهام بالكامل، تكون جميع الأوعية الدموية الضرورية في متناول الجراح. لكن قد تزداد الأمور تعقيداً إذا كانت اليد محروقة أو ممزقة أو مسحوقة.

قال روزن: {فقد صبي في فيتنام جميع أصابعه وسحق يده، لذا اضطررتُ إلى وصل إصبع قدمه. كان يجب أن أصل إلى معصمه لإيجاد وعاء دموي يمكن ربطه بالإصبع}. لربط تلك المناطق التي يصعب بلوغها، غالباً ما يستعمل الجراحون وريداً طويلاً من إصبع القدم كجسر عبور. قال روزن مبتسماً: {لكن ما دام المريض حياً، لا مفر من إيجاد وعاء دموي. يمكن أن أربطه بالقلب. لذا سنجد دوماً وعاءً دموياً، لكن تزداد الجراحة صعوبة}.

البديل ليس مثالياً. يختلف إصبع القدم الكبير عن شكل إبهام اليد، كما أنه يعمل بطرق مختلفة. ولا يجب أن تُشفى اليد حصراً بل القدم أيضاً.

قال كوليلو بعد ثمانية أشهر على الجراحة: {أسوأ جزء من الجراحة هو قطع إصبع القدم. أفقد توازني بسهولة أكبر. لا تزال قدمي في طور الشفاء ولا تزال تؤلمني على عكس يدي. حتى عند الخروج من الجراحة، كان الألم أكبر في قدمي}.

فعالية كاملة

لكن مع مرور الوقت والتدرب على استعمال الإصبع الجديد، قد يصبح الإبهام البديل فاعلاً بالكامل. قال كوليلو إن شعوره تحسن بنسبة كبيرة وبوتيرة أسرع مما توقع بيونوكور: {لا يزال الخدر موجوداً. لكن بدأتُ أستعيد الشعور بإصبعي لذا يبقى الوضع غريباً. حتى إنني أشعر بأنه أكبر من العادة. السلبية الوحيدة هي أن كل طرف من إبهامي (أو بديله) لا يتحرك مثل إبهامي الحقيقي الذي وُلدت معه}.

ذكر كوليلو أنه قد يخضع لجراحة أخرى تسمح له بثني إبهامه لكنه ليس مستعداً لها بعد. حتى الآن، هو سعيد بإبهامه البديل ويأمل أن يشعر به بالكامل. بالتالي، قد لا يكون الإصبع البديل لدى كوليلو مثالياً ولكنه أفضل من لا شيء.

لا تكون عملية {نقل إصبع القدم إلى موقع الإبهام} الخيار الأول دوماً بالنسبة إلى الأشخاص الذين يخسرون إبهامهم. عند الإمكان، يعيد الأطباء زرع إبهام المريض المبتور. يمكن أن يستعمل الجراح أيضاً إصبع السبابة لدى المريض لاستبدال الإبهام ضمن عملية شائعة بين الأطفال المصابين بتشوهات في الإبهام. في حال وجود إصابة جزئية في الإبهام، يمكن إعادة ترميمه عبر استعمال نسيج وغضروف من أعضاء أخرى في الجسم. حين تكون تلك الخيارات مستحيلة أو غــــيـــــــــــــــــــــــــــر فاعلة، يلجأ الجراحون إلى عملية {نقل إصبع القدم إلى موقع الإبهام}.

قطعت الجراحة أشواطاً طويلة منذ الجراحة الأولى التي جرت على قرد في عام 1966. في المرحلة اللاحقة، عمل الأطباء على تشذيب إصبع القدم الكبير قبل نقله. يعمل فو تشان واي، أستاذ في قسم جراحة التجميل والترميم في مستشفى تشانغ غونغ في تايبي، تايوان، على استعمال نسيج إصبع القدم بطريقة تقليدية. وفق هذه الطريقة، يشذب الجراحون الجزء الخارجي من النسيج وأحياناً العظم في إصبع القدم الكبير لجعله أقرب إلى شكل إبهام اليد ووظيفته. يسمح التشذيب بتحسين حركة طرف الإبهام البديل الذي كان كوليلو يشتكي منه. يعني ذلك أيضاً أن الجراحين يستطيعون أخذ كمية أقل من أنسجة القدم، فيبقى شكل إصبع القدم السابق أقل تشوهاً.

فكر واي بأن إصبع القدم الكبير فاعل لكنه لا يشبه إبهام اليد. قد يكون البديل البصليّ الشكل غير آمن حين يصافح المرضى أصدقاءهم أو زملاءهم. من خلال تشذيبه، يصبح الإبهام البديل أقل بروزاً. وعند تحسن شكله، لا يشعر الناس بأنهم مضطرون إلى إخفائه وكأنه مشوه.

قال واي: {المظهر هو جزء من الوظيفة. إذا كان المريض يشعر بالقلق بشأن مظهر الإصبع، فلن يستفيد من تلك الوظيفة إلى أقصى حد. ينطبق المبدأ نفسه على اليد كلها وجميع جراحات الاستبدال}.

حتى الآن، أجرى المستشفى الذي يعمل فيه واي أكثر من 2100 جراحة لنقل إصبع القدم إلى موقع الإبهام. منذ تطوير تقنية التشذيب في عام 1980، نقل أكثر من 200 إصبع قدم كبير وشذب جزءاً كبيراً منها.

قال كوليلو إن أحداً لا يلاحظ أنه يملك إبهاماً بديلاً ولم يحتج إصبع قدمه إلى التشذيب. كان حجمه متطابقاً. ثم أضاف ضاحكاً: {أنظر إلى أقدام الآخرين وأقول في نفسي: {أنا محظوظ حقاً. شكل إبهامي مقبول. أظن أن كثيرين لديهم أقدام قبيحة}.

في النهاية، يشعر كوليلو بالسرور لأنه خضع للجراحة. لا بد من معالجة بعض الاختلالات لكن يعمل الأطباء على ذلك وهم يفكرون بطريقة لتحسين الجراحة أو استبدالها.

قد لا تتطلب جراحات الزرع أي قطع لإصبع القدم مستقبلاً. يختبر الجراحون عمليات زرع على الجثث حيث يأخذون يداً أو ساعداً من مريض ميت ويزرعونها لدى مريض يحتاج إلى طرف. سبق وأجرى مستشفى تالبوت عملية لزرع يد وذراع مأخوذة من جثث. وأجرى مستشفى سبايس خمس جراحات. التحديات مطروحة كأن يرفض الجسم الإصبع الجديد ولكن يعمل القطاع على تجاوزها.

يظن سبايس أن استعمال أعضاء الجثث ليس مستبعداً: {تطور المجال بشدة في السنوات العشر الماضية وأتوقع أن تصبح الجراحة تقنية روتينية خلال السنوات العشر المقبلة}.

طباعة الإصبع

ثمة احتمالات مدهشة أخرى قيد التطوير تزامناً مع تحسين تقنية الأطراف الاصطناعية. يقترح تالبوت استعمال إبهام اصطناعي يجمع بين الفولاذ والبلاستيك والأعصاب البشرية والأوعية الدموية واللحم: {الأمر أشبه بالخيال العلمي، أليس كذلك؟ يمكن أن نتوقع أن تصبح الأطراف الاصطناعية مع مرور الوقت جزءاً من جسم الإنسان. يأمل الجميع ألا تبقى جهازاً خارجياً وقابلاً للارتداء بل أن تصبح جزءاً من الجسم}.

لكن يطرح روزن فكرة مختلفة: لنطبع إبهاماً بكل بساطة! قال عن جراحة نقل إصبع القدم إلى موقع الإبهام: {خلال 20 أو 40 أو 80 سنة، سنضحك حين نتحدث عن أصابع القدم}. يتصور أن نتمكن يوماً من أخذ الخلايا من الجسم (خلايا دهنية أو غيرها) وتحويلها إلى نسيج مهم واستعمال طابعة بيولوجية ثلاثية الأبعاد لطباعة إبهام وربطه بالجسم}.

في الوقت الراهن، بلغت جراحة {نقل إصبع القدم إلى موقع الإبهام} ذروتها في الجراحة المجهرية، لكن قد يكون الوقت مبكراً كي تصبح تقليدية بقدر عملية نيكولادوني في عام 1897. يبرع الجراحون في إجراء الجراحة الشائعة ثم يشككون بها. لذا يتطور مجال الجراحة بوتيرة مستمرة. لضمان ابتكار تقنيات جديدة، يمزجون الفن مع العلم.

أوضح تالبوت: {غالباً ما يظن الناس أن جراح التجميل يجب أن يكون فناناً وأن جراحاتنا تشبه الرسم أو النحت لأننا نعجن أجسام الناس. بالنسبة إلي، يندرج الجانب الفني ضمن الأفكار المبتكرة والتجريبية والمفاهيم الإبداعية}.

يبدو أن مستقبل جراحة التجميل، في ما يخص جراحات زرع إصبع القدم في موقع الإبهام على الأقل، يكمن في حقل التجارب وفي التفكير الجراحي المتقن.

back to top