«بالقرب من هنا} في بيروت... الحقيقة في صورة

نشر في 21-10-2014 | 00:01
آخر تحديث 21-10-2014 | 00:01
يستقبل مسرح المدينة في الحمرا في بيروت معرض التصوير الفوتوغرافي {بالقرب
من هنا}.
المعرض الذي دعا إلى حضوره معهد {غوته} تشارك فيه مجموعة من المصورين من شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ويستمر حتى 13 نوفمبر المقبل.
يضجّ مسرح {المدينة} في بيروت ببيئات كثيرة متنوعة، حيث ينقلنا المشاركون في معرض {بالقرب من هنا} إلى واقع شوارع بلادهم وبيوتها وناسها وأشيائها.

القيمون على المعرض اختاروا صوراً من مجموعة واسعة من لقطات لافتة وصادمة أحياناً، أبرزها صور تتناول مشكلة القمامة الحاضرة في كل مكان في تونس. وفي الإسكندرية تبدو غريبة صور ركَّب فيها المصور مشاهد لمواطنين من الطبقة المتوسطة وسط بيئة فقيرة وقاسية. أما في بيروت، فتظهر واضحة حركة البناء والتشييد المحمومة منذ نهاية الحرب الأهلية.

فيما يعتبر البعض من المشاركين في {بالقرب من هنا} أنهم فنانون، يقول البعض الآخر عن أنفسهم إنهم مراسلون. ولكن لقطات عدساتهم كافة تتمسّك بأدق التفاصيل: طفل على دراجته الهوائية ينظر إليك من بعيد، ساعة حائط وستارته، كيس بلاستيكي أزرق ضلّ طريقه فتمسك به غصن شجرة، عامل نظافة، بيروت ومبانيها، كومة من الخضروات... أعمال لافتة تشكل في معظمها {إبداعات أولية}.

تضم الأعمال المختارة لمعرض بيروت 18 عملاً، لكل مشارك صورة، من 10 ورش أقامها معهد {غوته} وشركاؤه، شارك فيها المصوريون خلال عامي 2013 و2014 في الدار البيضاء والجزائر وتونس والإسكندرية والقاهرة وبيروت ورام الله وعمان والخرطوم وإربيل ودبي، وكان إلى جانبهم مصورون خبراء من شمال أفريقيا والشرق الأوسط وألمانيا.

أطنان أسمنت

منسقة المعرض كونستانتسِه ڤيكِه. والمشرفون والمشرفات على ورش العمل هم: بيتر بيالوبرِتسِسكي (بريمِن)، نادين فراتشكوفسكي (فرانكفورت)، ينس ليبشن وأندريه لوتسِن وموريس ڤايس وأندرياس روست وآندي شپيرا (برلين)، رنا النمر (القاهرة)، سعد التازي (الدار البيضاء)، هاينريش فولكِل (ميونخ).

أما  المصورون والمصورات المشاركون في المعرض فهم: كريم أبو كليلة، الصادق محمد أحمد، مريم أحمد، مي الشاذلي، قيس عسّالي، فاطمة اليوسف، شادي بكر، عثمان بن جكال، مجدي البكري، طارق المرزوقي، گیلان حاجي عمر، أوال حواطي، علاء الدين جبر، حسام مناصرة، ناديا منير، منار مرسي، بوريس أوي، ومروان طحطح.   

يقول مروان طحطح من بيروت: {بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 بدأ في بيروت عصر إعادة البناء، الذي كان يهتم في المقام الأول بهدم المباني القديمة التي أقيمت عشوائياً على الأنقاض. كانت المدينة تسبح في أطنان من الإسمنت خلال فترة البناء الطويلة. واليوم تكاد تكون المساحات الخضراء قد انقرضت سواء في الأحياء الفقيرة أو الغنية حول بيروت. تهدف صُوَري إلى رصد وعرض تأثير عملية البناء تلك على أجزاء متفرقة من المدينة}.

بدوره يذكر شادي بكر من رام لله: {كل شيء هنا ينطق بالقِدَم والتحول معاً، الأشياء عبر النار تتحول، كأنها في بحث مستمر عن التشكل، هنا تجد المطرقة والملقط والمروحة وهواء العتمة جزءاً من القصة، قصة رمل ويد وقلق، رمل يعجن بيد ماهرة تعوَدَت هذا الفعل من مئات السنين، لكنها اليد التي تعتاد القلق كما اعتادت الحرفة. هذه هي قصة السر وقصة الحنين، حنين الأشياء إلى التشكل وحنين الشكل واللون للمادة التي تظهره. انبثقت فكرة تصوير هذه المشاهد ليس توثيقاً لصناعة قديمة فقط بل هي انحياز عين الكاميرا للجديد، جديد يظهر براعة الصناعة الفلسطينية التاريخية، براعة تجمع رؤية الحداثة وعمق الإرث الروحي}.

قيس عسّالي من مواليد نابلس في فلسطين عام 1987 ويعيش في القدس. يوضح: {على الرغم من حقيقة كون مكان سكني وعملي في إحدى ضواحي القدس، فإنني لم يتسن لي دخول قلب المدينة سوى مرة واحدة خلال الأعوام الأربعة عشر الأخيرة. هذا أمر غريب بالتأكيد، يرجع سببه إلى وجود جدار الفصل العنصري، الذي جزأ المدينة وفصلها عن ضواحيها العربية. هذه الصور تعبير شخصي ردا على وجود جدار الفصل الإسرائيلي}.

قطعة صلصال

أما الصادق محمد أحمد من مدينة أم درمان (الخرطوم) في السودان فيسأل: {هل أدركت معنى أن تأخذ قطعة من الصلصال وتشكلها كما يروق لك؟ تدفع العجلة الدوّارة وتدور المادة مثل المجنون في دائرة بينما تنحني فوقها قائلاً: سأصنع منك قدراً أو طبقاً أو حاملاً للشموع أو ما يحلو لي مهما كان. فالحرية هي ما تجعلك إنساناً.» ويرى كريم أبو كليلة من الإسكندرية أن {الصورة الشائعة في الحياة اليومية المصرية هي صورة بشر في المكان الخطأ، مثل وجود الفقراء والمشردين بالقرب من البنايات الفخمة أو السيارات الأنيقة. وقد أردت أن أقلب هذه الصورة}. ويحكي مجدي البكري من تونس عن عمال النظافة فيقول: {يمارس عمال النظافة عملهم في تونس تحت أقسى الظروف، فالقمامة ملقاة في الشارع وبالكاد توجد لديهم مكانس، فهم يستعينون في عملهم بقطع ورق مقوى لجمع القمامة ويضعونها في ناقلات صغيرة. هذه الوظيفة تعتبر فرصة النجاة بالنسبة إلى بعض هؤلاء الرجال، فكثير منهم مرضى أو لم يتمّوا تعليمهم وبعضهم المعيل الوحيد لأسرته. وقد اعتصم عمّال النظافة عام 2012 لأسابيع عدة مطالبين برفع أجورهم، التي ارتفعت في أعقاب ذلك بنسبة 11%. هذا ويبلغ الحد الأدنى للأجور في تونس 350 ديناراً تونسياً وهو ما يعادل 175 يورو، إلا أن عامل النظافة يحصل على 290 ديناراً تقريباً ويعمل مقابل ذلك عشر ساعات يومياً على الأقل}.

وبحزن يلتقط عثمان بن جكال في الدار البيضاء في المغرب صوراً لمكان تقطنه امراة فقيرة: {من نافذتي، رأيت امرأة تسأل المارة بعض المال، تبعتها لألتقط صورة لها، لكنها أخبرتني بوضوح أنها لا تريد، لأن الصور – على حدّ قولها – ليس في مقدورها أن توفر لها حياة أفضل، وأضافت أنه يمكنني بدلاً من ذلك أن ألتقط صوراً للمكان الذي تعيش فيه، لعل هذا يكفي لتصوير حياتها البائسة. أثار هذا الطلب دهشتي بشدة، ففعلت ما طلبته مني}.

back to top