الدعوة إلى الجهاد... تجارب وقصص

نشر في 20-10-2014 | 00:01
آخر تحديث 20-10-2014 | 00:01
لا تتردد الدولة الإسلامية  في العراق والشام (داعش) في قتل الأكراد في سورية. رغم ذلك، نجحت هذه المنظمة في جذب المؤيدين الأكراد في أوروبا. ففي هامبورغ، يتخبط عدد من العائلات ليتأقلم مع قرار أبنائهم تلبية الدعوة إلى الجهاد. ماكسيميليان بوب كتب ما يلي في {شبيغل}.

قبل بضعة أسابيع من انطلاق سادات أراس للمشاركة في الجهاد، أنزل هذا الشاب العلم الكردي المعلق على جدار غرفة نومه في منزل عائلته في هامبورغ في ألمانيا. يقول: {صرت من المجاهدين اليوم}.

لم تبالِ عائلة أراس آنذاك بتصرفه، حسبما تتذكر أخته الكبرى أليف. تخبر: {ظننت أن هذا تصرف آخر من تصرفات أخي الحمقاء المعتادة. يسير سادات على الدرب الإسلامي منذ مدة}. تروح أليف أراس تهزّ رأسها وعيناها جافتان فارغتان. وتضيف: {ما كنت أملك أدنى فكرة عن الضرر الذي سيؤدي إليه هذا الغباء}.

في شهر يوليو، سافر أخوها إلى سورية مع آخرين يشاطرونه معتقداته. وتعتقد المصادر الاستخباراتية المحلية الألمانية أن هذه المجموعة شملت نحو 12 جهادياً من هامبورغ. عائلة سادات كردية علوية. رغم ذلك، يقاتل ابنها اليوم إلى جانب {داعش}، مع أنها تهاجم مدينة كوباني الكردية التي تحولت إلى رمز للحرب ضد هذه المنظمة الإرهابية السنية. لذلك تعتبر أخته أن سادات يشن حرباً على شعبه الخاص.

بعد اختفاء أخيها، غادرت أليف أيضاً ألمانيا وسافرت إلى اسطنبول. تقول الشابة (33 سنة) إنها ما عادت تتحمل ثرثرات جيرانها في هامبورغ أو اتصالات الأصدقاء القلقين. تذكر: {ألوم نفسي لأنني لم أتنبه لتحول سادات في وقت أبكر ولم أمنعه من الرحيل}.

أصولية

جاءت رحلة سادات أراس الكردي-الألماني إلى سورية بعد مرحلة سريعة من التشدد. تجمع قصته بين أزمة الهوية التي يعانيها بعض الأولاد الذين يولدون في عائلات مهاجرة وبين قوة الجذب الكبيرة على ما يبدو التي تتمتع بها معتقدات تنظيم الدولة الإسلامية.

اضطر كثير من المهاجرين إلى العمل بكد بغية تأسيس أنفسهم وتأمين قوت عائلاتهم في ألمانيا. ولكن بدأ فجأة صراع يدور على بعد كيلومترات في سورية والعراق يقتحم حياتهم. راح السلفيون يجندون الشبان المسلمين في ألمانيا للانضمام إلى الجهاد. وهكذا بلغت الحرب في الشرق الأوسط المهاجرين في ألمانيا، محدثة شرخاً داخل العائلات هناك.

تسلط هذه التطورات الضوء على صراع الأجيال الذي لا نفهمه جيداً والذي نشب في عائلات تخسر اليوم أبناءها للجهاد. يؤثر الصراع في المهاجرين الأكراد والعرب، فضلاً عمن يتحدرون من إثنيات ألمانية واهتدوا إلى الإسلام. كذلك يُحدث هذا الصراع شرخاً داخل المجتمع الكردي في ألمانيا، مجتمع نزل أخيراً إلى الشوارع للاحتجاج على المأساة التي تحصل في كوباني. صحيح أن التظاهرات كانت مسالمة بمعظمها، إلا أننا شهدنا حالات عنف معزولة.

حركة شبابية أصولية؟

يحاول باحثون أمثال محمد خورشيد، باحث نمساوي متحدر من أصول فلسطينية متخصص في شؤون الإسلام في جامعة مونستر الألمانية، العثور على تفسير. يعتقد خورشيد أن كثيراً من داعمي {داعش} في ألمانيا يملكون اهتماماً محدوداً بالمسائل الإسلامية. بدلاً من ذلك، يوضح أنهم يعتبرون {السلفية} نوعاً من الثقافة المضادة. يقول خورشيد إن {السلفية من نتاج الحداثة}. ويصفها بأنها تشبه حركة الشباب الأصولية التي ظهرت في مجتمعات كثيرة أخرى. يوضح أن السلفيين يقسمون العالم إلى خير وشر وإلى أتقياء وكافرين. ويقدمون التوجيه والتماسك لشبان يصارعون للعثور على طريقهم في الحياة.

يبدو أن هذا النوع من الرسائل جذب سادات أراس. خلال سبعينيات القرن الماضي، هاجر والده من اسطنبول إلى هامبورغ ليعمل في مصنع. وأسس في وقت لاحق شركة بناء خاصة به. كان سادات يلعب كرة القدم، وأحب الاحتفال والاستمتاع في منطقة سانت بولي الصاخبة في المدينة. حصل الشاب على شهادة ثانوية مهنية، وكان يخطط لدراسة العلوم الغذائية. وهكذا قام على ما يبدو بالخيارات الصائبة كافة في الحياة.

تعتقد أخته أليف أن وفاة أمهما قبل نحو خمس سنوات زعزعت توازن سادات. كان يعشق والدته، لذلك أصيب بحالة من الكآبة بعد وفاتها جراء مرض سرطان الرئة. ثم بدأت علاقته بأبيه تسوء لأن الأخير صار يخسر بانتظام مبالغ كبيرة من المال على الرياضة وأدمن الكحول.

قناة الثورة

لجأ سادات إلى الدين. فأطال لحيته واستبدل ملابسه الفاخرة بأثواب بسيطة يفضلها الإسلاميون. وصار خلال تناول العشاء يتلو سوراً من القرآن. وبما أن والده لم يحاول تفهمه وصبّ عليه جام غضبه، ازداد سادات تطرفاً. تعتقد أليف أراس أن الإسلام الأصولي بات قناة يستخدمها أخوها للثورة ضد عائلته.

كان سادات يعيش مع والده، إلا أنه صار يمضي كثيراً من الليالي في منازل معارفه من مسجد التقوى في هامبورغ، الذي تعتبره أجهزة الاستخبارات الألمانية {نقطة اتصال مركزية} للمجاهدين السلفيين.

خلال صيف عام 2013، حاولت أليف إبعاد أخيها عن تأثير الإسلاميين. فحجزت رحلة لهما إلى اسطنبول. ظنت أن زيارة الأصدقاء في تركيا قد تدفعه إلى إعادة تقييم وضعه. نزلا عند أقارب لهما، استقلا المركب البخاري عبر البسفور، وشربا في حانات ميدان تقسيم. وبعد ثلاثة أسابيع في اسطنبول، ظنت أليف أن أخاها تخلى عن التطرف الإسلامي.

ولكن عندما عادا إلى هامبورغ، استأنف سادات اتصاله بأصدقائه في مسجد التقوى، حتى إنه طلب من أخته أن ترتدي الحجاب. كذلك انعزل في غرفة نومه، وأمضى الأيام والليالي يبحث على شبكة الإنترنت عن صور وأشرطة فيديو للمجاهدين في سورية والعراق.

قوة دعاية داعش

يحتفل {داعش} بالفظائع التي يرتكبها على شبكة الإنترنت. فيلتقط مقاتلوه الصور وهم واقفون أمام الجثث المشوهة. كذلك يصلبون خصومهم ويقطعون رؤوس أسراهم أمام عدسة الكاميرا. فيرى المعجبون في {داعش} خلافة عنيفة بقوتها وحركة قادرة على تحدي قوة عالمية مثل الولايات المتحدة.

تؤكد أليف أن دعاية {داعش} الرقمية هي ما دفع بأخيها نحو مزيد من التطرف. في المنزل، حاول أبوها دوماً التشديد على انتماء العائلة إلى الشعب الكردي. إلا أن سادات أبى أن يسمع كلاماً مماثلاً. فقد اعتبر نفسه مؤمناً حقيقياً وعابداً في عباد الله. وفي مرحلة ما من السنة الماضية، اقتنع على ما يبدو بأن الصلاة وحدها غير كافية في الحرب المقدسة ضد {الكافرين}.

في مسجد التقوى، تعرف سادات إلى شبان آخرين مستائين من حياتهم اليومية في ألمانيا، يتوقون إلى مغامرة، ويعبّرون عن إعجابهم بمقاتلي {داعش}. ويدعي أقارب المجاهدين في هامبورغ أن رجلاً له معارف في مسجد التقوى رتّب لهذه الرحلة إلى سورية. سافرت المجموعة بالحافلة إلى فيينا، حيث استقلت الطائرة إلى تركيا.

بالنسبة إلى كثير من مقاتلي {داعش} الأوروبيين، تشكل تركيا بوابة الدخول إلى سورية والعراق. فيصطحبهم المهربون من مطارات المدن التركية مثل غازي عنتاب أو هاتاي ومن ثم يسهلون عبورهم الحدود خلسة.

اضطراب داخلي

بعد ظهر أحد الأيام في أواخر الصيف، كانت أليف أراس جالسة في مقهى في اسطنبول. لم تعُد إلى هامبورغ منذ اختفاء أخيها. كانت تلبس نظارتين سوداوين كي تخفي الدائرتين الداكنتين حول عينيها، وتضع جهاز iPhone أمامها على الطاولة. تخبر أراس أنها لم تفقد الأمل بعد في أن يتصل بها سادات ذات يوم. وتضيف: {أفكر دوماً في أنه سيتصل ويقول: أليف، اقترفت خطأ كبيراً. أنا آسف. سأعود إلى المنزل}.

في هامبورغ، يتخبط حسن غول وسط صراع داخلي. يشعر من جهة بالقلق حيال أخيه مراد ويخشى أن يفقده. لكنه لا يعلم من جهة أخرى ما إذا كان يود حقاً أن يعود. فقد شاهد حسن أشرطة الفيديو العنيفة التي ينشرها {داعش} على شبكة الإنترنت، وبدأ يبكي. راح يتساءل عما إذا شارك أخوه في قتل الناس وعما إذا كان سيواصل القتل في حال رجع إلى هامبورغ.

يختنق صوت حسن وترتعش يداه. ثم يجهش بالبكاء ويسأل: {هل أخي وحش؟}.

 (*) عمدنا إلى تبديل أسماء المجاهدين وأقاربهم في هذا المقال بغية حماية هويتهم.

{أنا ذاهب إلى الجنة}

أخفى سادات أراس خطط سفره عن عائلته. فقد علمت أخته من بعض المعارف بانضمام أخيها إلى {داعش}. كانت الرسالة الأخيرة التي أرسلها سادات، على ما يبدو، رسالة نصية إلى صديق كتب فيها: {أنا ذاهب إلى الجنة، سأنضم إلى داعش}.

يشعر أعضاء العائلة الحائرون، أمثال أهل الشاب الكردي سادات، غالباً بأن شخصاً عزيزاً على قلبهم تخلى عنهم في وقت الشدة، أو أسوأ من ذلك، أن الناس يعتقدون أنهم يشاركون أقاربهم في معتقداتهم.

تقدم قانسو أوزديمير، سياسية في حزب اليسار في هامبورغ، الدعم والمواساة لأهل الشباب والشابات الذين يدخلون العالم السلفي. توضح: {تجاهلت هامبورغ هذه المشكلة وقتاً طويلاً}. كذلك تشير أوزديمير إلى أن جهود الحكومة الألمانية لفرض حظر سفر على الشبان المسلمين الألمان المشتبه بمحاولتهم مغادرة البلاد للانضمام إلى الجهاد لن تحقق الكثير لردعهم. وتعتقد أن الحل الحقيقي يكمن في تقديم دعم وقائي باكر للعائلات المعرضة لهذا الخطر.

لا شك في أن أوزديمير، وهي ابنة مهاجرين أكراد من تركيا، لاحظت بخوف نجاح السلفيين في تجنيد داعمي {داعش} بين الأكراد الألمان. فلا يمر أسبوع لا تتلقى فيه أوزديمير اتصالات من أهل مفجوعين لا يعلمون ما السبيل إلى الحؤول دون تبني أولادهم منحى أصولياً. لكن الجهود التي تُبذل لمساعدتهم قليلة. فتُعتبر بريمان حالياً المدينة الوحيدة في شمال ألمانيا التي أسست مركز استشارة لأعضاء عائلات المتطرفين دينياً.

back to top