فجر يوم جديد : {الجزيرة 2}... والإبهار

نشر في 20-10-2014
آخر تحديث 20-10-2014 | 00:01
 مجدي الطيب منذ 22 عاماً، قدَّم المخرج شريف عرفة فيلماً بعنوان «الإرهاب والكباب» تأليف وحيد حامد وبطولة النجم عادل إمام، أشار من خلاله إلى أن المواطن المحروم من أبسط حقوقه الإنسانية والحياتية، بسبب البيروقراطية الحكومية، وغياب العدالة الاجتماعية، هو أقرب إلى «القنبلة الموقوتة»، التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة، ووقتها سيتحول المواطن البسيط إلى «إرهابي». وفي العام 1995، قدَّم عرفة مع الثنائي نفسه فيلم «طيور الظلام»، الذي أكد فيه أن الفساد والإرهاب المتستر تحت عباءة الدين، وجهان لعملة واحدة، وأن ثمة تحالفاً بينهما!

كان عرفة حصيفاً ورصيناً وهو يرصد إرهاصات ظاهرة العنف الديني، لكن ما بين البارحة والليلة جرت في النهر مياه كثيرة، من حيث شكل الظاهرة ومضمونها، ومن ثم أدرك المخرج الموهوب، الذي ولد في العام 1960، وتخرج في المعهد العالي للسينما في العام 1982، أن التناول ينبغي أن يأخذ منحى مختلفاً، وهو ما فعله في فيلم «الجزيرة 2» تأليف الأخوة دياب (محمد، خالد وشيرين). فالفيلم الذي قُدم جزؤه الأول في العام 2007، واستلهم كاتبه محمد دياب واقعة سقوط أحد أباطرة المخدرات في جنوب مصر في قبضة الأجهزة الأمنية للدولة، بعدما كانت تربطه علاقة وطيدة بها، بحجة أنه يساعدها في حربها ضد الإرهابيين، تحول، في الجزء الثاني، إلى وثيقة مهمة ترصد ما آلت إليه الأمور في مصر، في فترة صعود التيار المتأسلم إلى السلطة، وهيمنته على مقاليد الحياة اليومية، وانتهاء بالانقلاب على المنتمين إلى هذا التيار، وطردهم، بعد دحرهم وتفريق شملهم.

تبدأ إثارة فيلم «الجزيرة 2» منذ اللحظة التي تتعرض فيها السجون للاقتحام بواسطة جماعات دينية متطرفة أواخر شهر يناير من العام 2011، حيث تصبح الفرصة مهيأة لهروب إمبراطور المخدرات «منصور الحنفي» (أحمد السقا)، الذي كان يستعد لتنفيذ الحكم الصادر بإعدامه، ويصدق المتلقي أن ثمة مبرراً بالفعل لإنتاج الجزء الثاني من الفيلم، خصوصاً أن المخرج ينجح في الاستحواذ على الجمهور، عبر توظيف عناصر التصوير والإضاءة (أيمن أبو المكارم) والديكور (فوزي العوامري) والموسيقى (عمر خيرت)، لإلقاء الضوء على ضبابية تلك الفترة، وتصوير حالة الفوضى والقلق والارتباك التي كانت سائدة آنذاك، وعبرت عنها الكاميرا التي انتقلت إلى الإسكندرية، حيث يعيش نجل «منصور الحنفي» مع عمه هرباً من الثأر، ثم أسيوط حيث عاد الثلاثة إلى «الجزيرة»، التي تحكمها «كريمة» (هند صبري). فالثلاثي «دياب» رصد، ببراعة فائقة، الأجواء «الجيوسياسية»، والصراع الذي احتدم بقوة، بين الاتجاهات والتيارات التي تصدرت المشهد، وعلى رأسها جماعة «الرحالة»، التي يتزعمها «الشيخ جعفر» (خالد صالح)، وتسعى إلى الاعتراف بشرعية وجودها على سطح الأرض، بعد فترة من النفي والإقصاء اللذين اضطراها إلى الاختباء في الدهاليز، والعمل بعيداً عن العيون. الصورة التي قدمها الفيلم لهؤلاء «الرحالة» تتطابق وصورة جماعة «الإخوان»؛ حيث البيعة، والسمع والطاعة، والشورى، فضلاً عن أقوالهم التي تتناقض وأفعالهم، وتشبيههم بـ «الجراد الذي يأكل الأخضر واليابس»، والملوك الذين «إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة»، بينما تبدو «كريمة» كالأحزاب التي لا حول لها ولا قوة، و«منصور الحفني» كالسلطة التي سقطت وتسعى إلى استرداد عرشها. أما اللواء «رشدي وهدان» (خالد الصاوي) فيمثل القوة التي انهارت والهيبة التي تبددت!

قرابة الثلاث ساعات ونصف الساعة هي مدة عرض فيلم «الجزيرة 2» على الشاشة، ومع هذا لم يتسلل الملل إلى نفس المتلقي، نتيجة نضج المخرج، وبراعته في توظيف أدواته بالشكل الذي يخدم قضيته، ولا ينقصه الإبهار الفني واللغة البصرية الجمالية، بالإضافة إلى المونتاج (داليا الناصر) الذي اتسم بالدقة والانضباط والإحكام.

هنا لا يفوتنا أن نشيد بالرؤية الواقعية لآل دياب، وإلمامهم الكافي بأحداث الفترة الزمنية، موضوع الفيلم، وجرأتهم الواضحة في اقتحام كثير من المحظورات، كتعرية التناقض الصارخ بين المدارس والنظريات الأمنية التي يستعين بها النظام، والتنديد بسياسة غض الطرف التي تتبعها الدولة حيال الجماعات المتطرفة، والغزل المتبادل في زمن تصالح المصالح!

زخم من الأفكار، والقضايا السياسية والفكرية والدينية، التي اقترب منها فيلم «الجزيرة 2»، لكنه لم يتجاهل عنصر الترفيه أو التسلية، فالمخرج الفاهم أدرك، بحدسه، أن قضية بهذا التعقيد لن تصل إلى الجمهور من دون الاستعانة ببعض «التوابل» العاطفية والإنسانية ومحاكاة الواقع، عبر الإسقاط والترميز، ولكل هذه الأسباب توافرت للفيلم عناصر المتعة كافة، ونجح في جذب قطاعات اجتماعية مختلفة، وشرائح ثقافية متباينة، بعدما خاطب الناس على قدر عقولها، في واحدة من المرات القليلة التي تقدم فيها السينما المصرية الواقع اليومي المعاصر ببساطة، ومن دون حذلقة فكرية، أو استعراض عضلات فنية، وإن بدا بوضوح أن النهاية المفتوحة توحي بأن ثمة جزءاً ثالثاً في الطريق!   

back to top