التعليم أسلوب حياة

نشر في 20-10-2014
آخر تحديث 20-10-2014 | 00:01
 فوزية شويش السالم حينما يُصبح التعليم أسلوبا وأساسا لحياة الناس اليومية، سوف ينمو وعيهم وإدراكهم، وتتغير طباعهم وعاداتهم وتزداد معارفهم، فالتعليم لا ينتهي بانتهاء المراحل الدراسية المقررة على الفرد حتى حصوله على شهادات الهدف منها تأهيله للعمل، ثم يرتاح من التعلم لآخر حياته، لأن التعليم هنا كان القصد منه تأهيل الشخص للعمل في قطاعات الدولة المختلفة، وطريقة التعليم هذه قسرية ومملة لا يصدق الطالب متى ينتهي منها على خير.

التعليم الذي أقصده هو الذي تقوم به الجهات والمؤسسات الثقافية المستقلة أو تلك التابعة للدولة، فهذه لها دور عظيم في إعادة تشكيل وتخطيط وبناء الوعي الثقافي لدى الناس في أي مجتمع، مما يزيد مع مرور الوقت من معرفتهم التي تنعكس على عاداتهم وطباعهم وتصرفاتهم بشكل عام، وهو الأمر الذي تعمل عليه الدول المتحضرة، التي تقوم بدور المعلم طوال الوقت بشكل غير مباشر، فهناك دور تعليمي محبب وغير إلزامي مرسومة أهدافه القريبة والبعيدة المدى بدقة وبشكل لطيف مشوق بدون أن يكشف عن وجه المعلم الآمر بإرادة فوقية تخضع الطالب للتعلم القسري مما يكرهه ويبعده عنها.

من هذه المؤسسات التابعة للدولة محطات وقنوات بي بي سي الإنكليزية التي تقوم بتأسيس وتربية الوعي الوجداني والكيان المعرفي والثقافي للشعب من دون إشعارهم بالأستذة والتعليم، فهي تقوم بدور مرسوم وموجه لهم، عن طريق إعداد برامج تتسلل إلى وعيهم بطريقة محببة وغير مباشرة تقودهم إلى الدور والهدف المطلوب لتشكيل ثقافة نوعية تنعكس على طباعهم وعاداتهم وتصرفاتهم، حتى باتت اهتماماتهم الثقافية متشابهة وبنفس الوعي بها، مثل علاقتهم بالبيئة وبالطبيعة والتراث والتاريخ، وكل ما له علاقة بحياتهم وحياة الكون من حولهم.

هناك مئات البرامج التي تختص في المحافظة على البيئة بكل ما فيها من نبات وحيوان وحشرات وتربة وهواء، حتى بات لدى الإنكليز هوس بها، فكل حياتهم تدور حولها فهي اهتمامهم الأول والأخير، ومثال على ذلك اعتناؤهم بالحدائق ليس له مثيل عند الشعوب الأخرى، فكل فلس يدخل جيب المواطن يذهب بالدرجة الأولى لحديقته، نتيجة لسنوات طويلة من بث برامج يومية تعود على العناية بالطبيعة والحدائق حتى تشربها وعي المواطنين، وانعكست على تصرفاتهم وباتت من عاداتهم الحياتية.

اهتمامهم بالطبيعة بات غير عادي ومحطات بي بي سي تنقلها بشكل يومي، فمثلا أصبحت الحدائق العامة والخاصة تحافظ على وجود وتسكين الحيوانات والحشرات وتوطينها فيها، حتى انني شاهدت أكثر من حديقة منزلية ساعد ملاكها على توطين الحشرات والحيوانات الموجودة في البيئة فيها، فصاحبة إحدى الحدائق عملت حديقتها فندقا للنحل بأن زرعت زهورا مختلفة لكل نوع منها، ومعروف أن في إنكلترا 276 نوعا من النحل، واحد فقط منها يعمل العسل، والباقي مجرد فصائل لا تنتج العسل، كما أنها عملت مساكن خشب لجميع أنواعها.

هذا عدا توفيرهم الأجواء التي تناسب القنافذ والسناجب والضفادع وجميع أنواع الطيور والديدان، ما يوفر لها البيئة المناسبة تماما لها، وبينما نحن نخاف من وجود الحشرات والديدان في حدائقنا نجد الإنكليز بسبب نشر التوعية التلفزيونية التي تهدف إلى حماية البيئة الأصلية دفعتهم إلى حبها ورعايتها والترحيب بوجودها، فالديدان تعني تنفيسا للتربة وتنظيفها، وهي أيضا غذاء للطيور ومعنى كامل للحياة، فحديقة تضج وتنبض فيها جميع أنواع المخلوقات هي حديقة تمور فيها الحياة، وهذا عكس ما يحدث عندنا فلو صحا مواطن في الكويت واكتشف بعض أوراق نباتات حديقته مأكولة من الدود لاستنجد في الحال بهيئة الزراعة التي ستأتيه بفريق عمل يرش ديدانه ويبيدها في الحال.

أتذكر حينما عملت في حديقتي حفرة لتجميع مخلفات الحديقة من أجل أن أعمل تربة "كوبوست"، وعندما شاهدني مهندس البلدية مصادفة وأنا أعمل بها حذرني من خطورتها وأرسل فريق عمل للقضاء عليها، وهنا في إنكلترا لا توجد حديقة بدون أن يكون فيها حفرة لتخمير وعمل تربة الكومبوست المنزلية، بسبب تخطيط الدولة لزيادة نشر الوعي الزراعي لدى المواطنين، وتحبيبهم في الزراعة، وتشجيعهم عن طريق هذه البرامج التوعوية المحببة والمدروسة التي تبثها قنوات بي بي سي.

back to top