«داعش»... حين يُكتب التاريخ

نشر في 19-10-2014 | 00:01
آخر تحديث 19-10-2014 | 00:01
 ياسر عبد العزيز يسود انطباع قوي بين مراكز رأي مؤثرة عدة أن تاريخاً فارقاً يُكتب لمنطقة الشرق الأوسط في هذه الأثناء، ويرى الكثير من الخبراء أن التاريخ الذي سيكتب غداً لن يكون سوى تجميع للأخبار التي نقرؤها ونسمعها اليوم، بعدما تتركز في مسارات محددة، ويتم ربطها بالسياق، فإذا كانت المقولة التي تربط بين ما تنشره الصحف من أخبار اليوم، وما سيكتب عن المنطقة من تاريخ غداً، مطروحة، فكيف نختبر صحتها؟

تقول الأخبار المنشورة في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية العربية أمس الأول الجمعة ما يلي:

"رجال ملتحون يتدربون على الجهاد في منتزه بمدينة ستراسبورغ الفرنسية، وحينما داهمتهم الشرطة هتفوا (الكفار أتوا)، وأكد أحدهم أنهم يتدربون للانتقام لمقتل أشقائهم المسلمين".

وتقول الأخبار أيضاً إن "30 متطرفاً بريطانياً قتلوا في العمليات في سورية وإن فكر (داعش) وسياسته لا يزالان يجتذبان العديد من المسلمين البريطانيين".

وفي الأخبار كذلك أن "45 شاباً من عرب إسرائيل انضموا لـ(داعش)"، وأن السلطات الماليزية "اعتقلت 14 ماليزياً بينهم مسؤول حكومي للاشتباه في اعتزامهم الانضمام لـ(داعش)"، وأن "السلطات القضائية الفرنسية فتحت تحقيقاً في اختفاء فتاة فرنسية تبلغ من العمر 15 عاماً كانت تنوي المشاركة في الجهاد في سورية".

وثمة خبر آخر في السياق ذاته يقول إن "سلفيين أردنيين جهاديين هما سعد الحنيطي وعمر مهدي بايعا البغدادي خليفة"، وفي الأردن أيضاً تم نشر خبر يشير إلى "وقف أربعة من أئمة المساجد المناصرين لـ(داعش)"، إضافة إلى خبر آخر يقول إن "(القاعدة) تحض المسلمين على دعم (داعش)".

ثمة طائفة أخرى من الأخبار التي تصب في مسار آخر؛ ومنها هذا الخبر الذي يتحدث عن أن "تجارة نفط (داعش) مزدهرة رغم الضربات"، وهذا التقرير الذي يتحدث عن معلومات عن "تجارة نشطة بين (داعش) والأتراك والنظام السوري والبيشمركة"، وأن "تركيا تريد إقامة منطقة عازلة في سورية"، و"أن اتفاقاً ضمنياً جرى بين التحالف الدولي والأسد في مواجهة (داعش)"، وأن "إيران تقايض الغرب بالنووي لمحاربة (داعش)"، وأن "إيران تتهم السعودية بصناعة (داعش)"، وأن "مصر بدأت باستلام طائرات (الأباتشي) التي كانت واشنطن تمنع تسليمها لها، على خلفية اشتراكها في جهود محاربة (داعش)"، وأن "ظهور (داعش) ساعد (حزب الله) وإيران على عرقلة الرئاسة في لبنان".

أما الطائفة الثالثة من الأخبار، فتتحدث عن أن "أمير الأيزيديين يشكو من وجود 300 رهينة بيد (داعش)"، وفي خبر آخر، تتحدث سيدة أيزيدية عن "الجحيم الذي عاشته في يد مقاتلي (داعش)"، وتصفهم بأبشع الأوصاف، كما يشير خبر آخر إلى أن "(داعش) أعدم شاباً وصلبه بتهمة تصوير مقرات التنظيم"، وأن الكاتب الكندي الشهير جيفري سمبسون كتب مقالاً بعنوان: "هل يقتل الإسلام نفسه؟"، وهو المقال الذي يشير فيه إلى أن "الإسلاميين كانوا يقتلون البوذيين في ماليزيا، أو المسيحيين في إفريقيا، أما اليوم فباتوا يقتلون بعضهم بعضاً"، وأخيراً أن "(داعش) يحلق بطائرات حربية في سماء سورية".

 إن تصنيف تلك الأخبار في مسارات محددة هو الخطوة الأولى نحو تطويرها إلى إشارات يمكن الاستناد إليها في كتابة التاريخ مستقبلاً، كما أن تحليل تلك الأخبار هو الخطوة الثانية في هذا الإطار.

على أي حال فإن نتيجة التصنيف والتحليل ربما تؤدي إلى الاستخلاصات التالية:

أولاً: تنظيم "داعش" لم يتم إضعافه أو تسييج خطره حتى اللحظة الراهنة، وهو ما زال قادراً على كسب أرض جديدة كل يوم.

ثانياً: إن هناك ارتباكاً كبيراً يسود المتحالفين ضد تنظيم "داعش"، وهذا الارتباك يظهر عند صناعة القرارات الداخلية لكل دولة من دول التحالف كما يظهر في سلوكها الجمعي.

ثالثاً: إن عدد المتعاطفين مع التنظيم يزداد يوماً بعد يوم، ولم يتوقف انضمام المتطوعين إليه بغرض "الجهاد"، وأن هذا التعاطف يظهر في دول العالم المختلفة، وليس في منطقة بعينها.

رابعاً: إن "داعش" يجيد استخدام وسائط التواصل الاجتماعي في تجنيد الأتباع، وإن عمليات التشويه التي يتعرض لها في وسائل الإعلام التقليدية لم تحد من قدرته على كسب مناصرين جدد.

خامساً: إن عدداً من التنظيمات الإسلاموية "الجهادية" سيضطر يوماً بعد يوم إلى مناصرة "داعش" أو إلى الدعوة إلى مناصرته، وهذه التنظيمات لن تشمل فقط "القاعدة" أو غيرها من التنظيمات التي تصنف راديكالية وشديدة التطرف، لكنه قد يشمل أيضاً تنظيمات أقل تطرفاً ممن توصف بـ"الاعتدال".

سادساً: إن التحالف الدولي لم ينتظم بغرض إسقاط "داعش" والقضاء عليه، لكنه انتظم بغرض "تحقيق كل دولة من دوله أكبر فائدة ممكنة من وجودها به، بصرف النظر عن موقفها من "داعش" أو رغبتها في دحره واحتواء خطره.

سابعاً: الجميع يتهم الجميع بتمويل "داعش" ورعايته، والجميع يتهم الجميع بالاستفادة من وجود "داعش"، والجميع يتهم الجميع بالتواطؤ مع "داعش"، والجميع يتهم الجميع بالمتاجرة مع "داعش".

ثامناً: يواصل "داعش"، بلا هوادة، إعطاء صورة بربرية همجية عن الإسلام والمسلمين، ويرتكب كل يوم فظائع جديدة، وهو أمر يجد من يتلقفه ويقدمه للعالم باعتباره دليلاً على "همجية الإسلام والمسلمين".

تاسعاً: إن التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة لمقاتلة "داعش" بلا بيان مهمة غير واضحة، وبلا عقيدة متماسكة، ولذلك فإن عوامل تفككه وخيبته أكبر من عوامل نجاحه وتماسكه.

عاشراً: إن "داعش" يتحول إلى فكرة أكثر جرأة من فكرة "القاعدة"، وأكثر تجسيداً على الأرض، وأكثر قدرة على جذب الأتباع، وأكثر مهارة في التعامل مع الأطراف الدولية، وأكثر أثراً في التاريخ.

الحادي عشر: إن الإسلام هو المتضرر الأكبر، والمسلمين كذلك. واستناداً إلى ما سيفعله "داعش" في الدول الغربية ومواطنيها، وبناء على الاختراقات التي سيحققها في المجتمعات الغربية، فإن تلك المجتمعات ستتخذ إجراءات حادة وقائية واحترازية ودفاعية، ومعظم تلك الإجراءات سيضر بحالة الحريات في تلك البلدان، وسيمس مستقبل المسلمين فيها تحديداً.

* كاتب مصري

back to top