طه حسين عدو الجهل والجهلاء

نشر في 04-10-2014
آخر تحديث 04-10-2014 | 00:01
 عبداللطيف المناوي على مدى 84 عاماً من عمره (1889 - 1973) أمضى طه حسين حياته في مواجهة الجهل والجهلاء، مر على وفاته أربعون عاماً ونحن مازلنا نواجه ما عاناه طوال حياته من الجهل والجهلاء، فقد كان الجهل وراء علاج حلاق القرية لعينيه فأصابه بالعمى وهو طفل صغير، وكان الجهلاء وراء اتهام شاعره الأثير أبي العلاء المعري بالكفر والإلحاد لأفكاره وآرائه، ولذلك لم يكن غريباً أن يحصل طه حسين على أول دكتوراه عن شعر المعري، كما لو أنه أراد الدفاع عنه وإثبات براءته أمام التاريخ، وبهذا كان طه حسين أول باحث يحصل على أول دكتوراه تمنحها الجامعة المصرية 1914.

ولم يسلم طه حسين من هجوم الجهلاء عليه حتى بعد أن غادر الحياة، فقد بادر بعضهم بقطع رأس تمثال طه حسين في حديقة محافظة المنيا منذ أكثر من عام، وفي نفس العام تم إلغاء تدريس كتابه الشهير «الأيام» بالمدارس.

أستعيد صورة وتاريخ طه حسين في هذه الأيام التي بتنا نؤمن يقيناً بأننا لن نخرج منها إلا فوق أكتاف المتعلمين الذين على أكتافهم تُبنى الدول.

ولذلك نحن في حاجة إلى إعادة دراسة وتدريس طه حسين بالمدارس والجامعات، إذا كنا صادقين في مواجهة الجهل والجهلاء، لأن استمرارنا في الجهل بإنتاجه الفكري والأدبي، وهو الذي أسهم في تكوين العقل العربي المعاصر، وكان أبرز رواد حركة التنوير في الفكر العربي، لن ينتج لنا سوى نوعية من مستوى طلبة «الإخوان» في الأزهر بتطاولهم على شيخ الأزهر وسبهم لكبار الشيوخ من أمثال الشيخ علي جمعة وغيره، وهم يجهلون أنهم يتعلمون في أقدم جامعة بالعالم وفي نفس الجامعة التي تخرّج فيها عميد الفكر والأدب العربي.

بدأ طه حسين معركته التنويرية الحادة بكتابه «في الشعر الجاهلي»، الذي صدر عام 1926 عن دار الكتب المصرية، وهو عبارة عن مجموعة من المحاضرات التي سبق أن ألقاها على طلابه، والذي أثار حينها عاصفة من النقاش والجدال، وكان له دوي كبير في الأوساط الفكرية والثقافية المصرية والعربية، لما تضمنه من آراء جديدة صدمت جهات كثيرة خصوصاً الدينية المتزمتة، وحتى في أوساط بعض النقاد العقلانيين الذين اتهموه بالقفز فوق التاريخ، وكذلك اتهام الإسلاميين له بالكفر، وبخيانة التاريخ العربي والإسلامي، وقد تم منع هذا الكتاب تحت ضغوط بعض الفئات الإسلامية المتطرفة وغيرها، لكن هذه الهجمة جعلته يصرّ على موقفه، ومما قاله في هذا الأمر آنئذ: «جادلوني بدلاً من أن تتهموني، فإن ما أكتبه هو اقتراح للمناقشة، أقنعوني ولا تقمعوني»، وقد توقَّع طه حسين ما حدث من ضجة حول الكتاب، ومن انقسام حوله بين داعم ورافض له مما جعله يكتب في مقدمته: «هذا نحو من البحث عن تاريخ الشعر العربي جديد، لم يألفه الناس عندنا من قبل، وأكاد أثق بأن فريقاً منهم سيلقونه ساخطين عليه، وبأن فريقاً آخر سيزورّون عنه ازوراراً، ولكني على سخط أولئك وازورار هؤلاء أريد أن أذيع هذا البحث، أو بعبارة أصح أريد أن أقيده، فقد أذعته قبل اليوم حين تحدثت به إلى طلابي في الجامعة، وليس سرّاً ما يُتحدث به إلى أكثر من مائتين.

ولقد اقتنعت بنتائج هذا البحث اقتناعاً ما أعرف أني شعرت بمثله في تلك المواقف المختلفة التي وقفتها من تاريخ الأدب العربي، وهذا الاقتناع القوي هو الذي يحملني على تقييد هذا البحث ونشره في هذه الفصول، غير حافل بسخط الساخطين ولا مكترثٍ بازورار المزوَرّ. وأنا مطمئن إلى أن هذا البحث، وإن أسخط قوماً وشق على آخرين، فسيرضي هذه الطائفة القليلة من المستنيرين الذين هم في حقيقة الأمر عدة المستقبل، وقوام النهضة الحديثة، وذخر الأدب الجديد».

وبعد مرور عام من الاحتجاجات التي صاحبت ظهور هذا الكتاب، صدر الكتاب مرة أخرى عام 1927 بعنوان «في الأدب الجاهلي»، وذلك بعد أن تم حذف بعض الأفكار التي كانت سبباً في إثارة كل هذا السخط على طه حسين.

منذ إصداره كتاب «في الشعر الجاهلي» عام 1926 ومعاركه ضد الجهل والجهلاء لم تتوقف، فقد كان أول من رفض منح عدد من الدكتوراه الفخرية للعائلة المالكة والمحسوبين على القصر الملكي، فتم اتهامه بمحاربة السلفية والظلم الاجتماعي، وهو ما دفع خصومه إلى اتهامه بالشيوعية، ولم تتوقف معاركه حول الاستبداد السياسي والعدالة الاجتماعية والجمود الديني، وقد واجه خصومه بشجاعة.

أهمية طه حسين تكمن في أنه حمل الذهنية النقدية، ولم يكن مجرد متلقٍ للمعطيات، بل حاول تفكيكها إلى أجزائها وإلى بنياتها الأولى، والداخلية، والمجازية، ومن ثم إعادة بنائها، وهذا ما جعله يناقش القضايا الدينية بمداخل غير دينية، وهو الذي كان من الذين انخرطوا في الأزهر وفي التعليم الديني، وكان مراده أن يكون شيخاً في بداية الأمر، لكن مع هذا اتهمه بعض العقلانيين بأنه رغم كل هذه العقلانية بقي أسير بداياته وإرثه الديني.

لماذا طه حسين الآن وليس هذا موسم الحديث عنه، فلا هو ذكرى ميلاده ولا ذكرى وفاته؟ أظن أن الإجابة تكمن في أصل الداء الذي نعيشه وهو أزمة التعليم وانتشار الجهل والجهلاء، ولا مخرج لنا من تلك الحالة إلا بالبدء الجاد نحو حل قاطع لمشكلة التعليم، عندما نصل إلى هذه النقطة يقفز إلى الذهن أشهر عدو للجهل والجهلاء وأحد أكثر الذين يحضر اسمهم عند الحديث عن التعليم، نحن بحاجة إلى نموذج طه حسين.

back to top