تغير المناخ عند نقطة الانطلاق

نشر في 02-10-2014 | 00:01
آخر تحديث 02-10-2014 | 00:01
 عيسى مارتن بيكينجا تقع بوركينا فاسو في قلب منطقة الساحل، وهذا يعني أنها واحدة من أكثر دول العالم عُرضة للخطر عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، وربما لا يعرف مزارعوها إلا القليل عن الأسباب المادية وراء ظاهرة الانحباس الحراري العالمي، ولكنهم يعرفون عن التأثيرات المترتبة على هذه الظاهرة، وخاصة التباين الهائل في أنماط هطول الأمطار، من الجفاف إلى الفيضانات، وهو ما يؤدي إلى مواسم الحصاد المفقودة وتآكل المراعي والأزمات الغذائية.

ونتيجة لهذا ظل مفهوم الزراعة المستدامة يكتسب المزيد من الأرض لسنوات عديدة، سواء على المستوى الدولي أو في بوركينا فاسو، ويحتل هذا المصطلح الآن مكانة بارزة في الخطاب السياسي، كما أصبح نهجاً أساسياً في التعامل مع قضية التنمية الزراعية العالمية، والواقع أن الاستدامة أصبحت الآن قوة دافعة في الزراعة، ولا تقل أهميتها عن أهمية الإنتاجية في العقود الماضية.

يرتبط مفهوم الزراعة المستدامة ارتباطاً وثيقاً بمفهوم التنمية المستدامة، الذي تم تعريفه لأول مرة في عام 1987 باعتباره نموذجاً للنمو الاقتصادي "الذي يلبي احتياجات الحاضر من دون الإخلال بقدرة أجيال المستقبل على تلبية احتياجاتها الخاصة.

وتعرف الزراعة المستدامة بوصفها نمطاً من الزراعة يضمن استخدام الموارد الداخلية والخارجية والحفاظ عليها بأكبر قدر ممكن من الكفاءة؛ وهي سليمة من الناحية البيئية (فهي تحسن البيئة الطبيعية بدلاً من إلحاق الضرر بها)؛ وهي مجدية اقتصاديا، الأمر الذي يجعلها قادرة على تقديم عائدات معقولة على الاستثمارات الزراعية.

ويقودنا الفحص الدقيق للتعريفين إلى استنتاج مفاده أن التنمية المستدامة تصبح مستحيلة في غياب الزراعة المستدامة، والواقع أن الزراعة المستدامة تحتل في بوركينا فاسو مكانة بارزة- كما ينبغي لها- في سياسات واستراتيجيات التنمية في البلاد.

ففي عام 2012 تبنت بوركينا فاسو سياسة التنمية المستدامة الوطنية، والتي أصبحت أداة أساسية لتحقيق الرؤية الموضحة في استراتيجية النمو المتسارع والتنمية المستدامة، وتصف هذه الرؤية "اقتصاداً منتجاً يفضي إلى تسارع النمو، وتعزيز مستويات المعيشة، وحماية البيئة الحياتية والظروف المعيشية والحفاظ عليها من خلال الإدارة الرشيدة التي تتسم بالكفاءة".

ويشترك كل أصحاب المصلحة في الزراعة في بوركينا فاسو في التزام واسع النطاق بالزراعة المستدامة، وقد تبنى المؤتمر الوطني للجمعية العامة للزراعة والأمن الغذائي الذي انعقد في نوفمبر من عام 2011 الأهداف التالية: "بحلول عام 2025 سوف تصبح الزراعة في بوركينا فاسو حديثة، وقادرة على المنافسة، ومستدامة، ودافعة لعجلة النمو، وسوف تتأسس على المزارع المملوكة للأسر والشركات الزراعية التي تتسم بالكفاءة، وسوف تضمن قدرة كل المواطنين على الوصول إلى الغذاء الذي يحتاجون إليه من أجل حياة موفورة الصحة والنشاط"، وعلى نحو مماثل يتلخص هدف البرنامج الوطني للمناطق الريفية في بوركينا فاسو في "المساهمة بطريقة مستدامة في تعزيز الأمن الغذائي والتغذية السليمة، والنمو الاقتصادي القوي، والحد من الفقر".

وهناك ممارسة زراعية أخرى مجربة ومختبرة في بوركينا فاسو تتمثل بالإدارة المتكاملة للإنتاج، وتهدف هذه الممارسة إلى تحسين إنتاجية أصحاب الحيازات الصغيرة بطريقة مستدامة، وتجهيزهم بالقدر اللازم من المعرفة والفهم حتى يتسنى لهم أن يعملوا بكفاءة مع مراعاة صحة الإنسان والبيئة، وقد استحثت هذه السياسة تغيرات سلوكية تتعلق بإدارة الموارد الطبيعية واستخدام المدخلات الزراعية مثل المبيدات الحشرية.

لقد غيرت الزراعة المستدامة الممارسات الزراعية في بوركينا فاسو إلى الأفضل، وهنا وفي أي مكان آخر تمثل الزراعة المفتاح إلى تمكيننا من مواجهة تغير المناخ وبناء القدرة على الصمود في مواجهة انعدام الأمن الغذائي والتغذية السليمة، لأنها تحترم الأرض، وهي أكثر فعالية في الأمد البعيد من الزراعة الصناعية. وعلاوة على ذلك تؤكد الممارسات المستدامة قيمة الحيازات الصغيرة التي تديرها الأسر، والتي تنتج في بلدان مثل بوركينا فاسو كل الإمدادات الغذائية المحلية تقريبا.

ولكن البلدان لا يمكنها معالجة تغير المناخ بمفردها مثل بوركينا فاسو، ولا ينبغي لها أن تفعل ذلك: فالفيضانات وموجات الجفاف تحدث هنا وفي أماكن أخرى من العالم بسبب اختلال التوازن المناخي الناجم عن الأنشطة الصناعية التي تنتج الغازات المسببة للانحباس الحراري، ونحن ضحايا ظاهرة أحدثتها في الأساس الدول المتقدمة، وهي الظاهرة التي تعوق قدرتنا على التنمية، وإذا كان لنا أن نتعامل بجدية مع تعريف التنمية المستدامة، فيتعين على أولئك المسؤولين عن هذه النتيجة أن يساعدوا هم أيضاً، وخاصة من خلال المساهمة في تغطية تكاليف التكيف التي تواجهها بلدان مثل بوركينا فاسو الآن.

* خبير اقتصادي زراعي، ووزير الزراعة الأسبق

 في بوركينا فاسو.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top