أول رابط كيماوي بين عنصر بالغ الثقل وذرة كربون

نشر في 02-10-2014 | 00:02
آخر تحديث 02-10-2014 | 00:02
حقق تعاون دولي تقوده مجموعات أبحاث من ماينز ودارمستادت ولادة فئة جديدة من مركبات العناصر البالغة الثقل الكيماوية في مركزRIKEN Nishina للأبحاث المرتكزة على مسرّع في اليابان. فهذه المرة الأولى التي يوَّلد فيها رابط كيماوي بين عنصر بالغ الثقل، سيبورجيوم (العنصر 106) في الدراسة الحالية، وذرة كربون.
حُوّلت 18 ذرة من السيبورجيوم إلى مركبات سيبورجيوم هيكزاكاربونيل المعقدة، التي تضم ستة جزيئات من أحادي الكربون ترتبط بالسيبورجيوم. وقد دُرست خصائص هذا المركب الغازية وامتصاصه في سطح من ثاني أكسيد السليكون، وقورنت بمركبات مماثلة لعناصر مجاورة للسيبورجيوم في المجموعة عينها من الجدول الدوري. وفتحت الدراسة، التي نُشرت أخيراً في مجلة Science، المجال أمام تحقيقات أكثر تفصيلاً تتناول السلوك الكيماوي لعناصر تقع في نهاية الجدول الدوري، حيث يُعتبر انعكاس تأثيرات النسبية على الخصائص الكيماوية الأكثر وضوحاً.

تجارب كيماوية

تُعتبر التجارب الكيماوية التي تشمل عناصر بالغة الثقل (لها رقم ذري يتخطى المئة والأربعة) الأكثر صعوبة: أولاً، يجب أن يُصنع العنصر، موضوع الدراسة، اصطناعياً باستخدام مسرّع جسيمات. وتبلغ معدلات الإنتاج بضع ذرات في اليوم في أقصاها، وتكون أقل بعد للعناصر الأكثر ثقلاً. ثانياً، تتفكك الذرات بسرعة من خلال عمليات مشعة (في غضون 10 ثوانٍ في الدراسة الحالة، ما يزيد التجربة تعقيداً). يعود الدافع الأكبر وراء دراسات مماثلة إلى أن البروتونات الكثيرة المشحونة إيجاباً داخل نوى الذرات تسرّع الإلكترونات في قواقع الذرة لتصل إلى سرعات عالية جداً، أعلى بنحو 80 مرة من سرعة الضوء.

تشير نظرية النسبية التي وضعها أينشتاين إلى أن الإلكترونات تصبح أثقل مما هي عليه في حالتها الساكنة. نتيجة لذلك، تختلف مداراتها عن مدارات الإلكترونات في العناصر الأقل ثقلاً، حيث تكون الإلكترونات أبطأ. ومن المتوقع رؤية هذه التأثيرات بوضوح بمقارنة خصائص ما يُدعى عناصر متشاكلة، أي تلك التي تتمتع ببنية متشابهة في قوقعتها الإلكترونية وتنتمي إلى المجموعة ذاتها في الجدول الدوري. وهكذا نستطيع سبر غور الأسس الرئيسة لجدول العناصر الدوري، أي جدول ترتيب العناصر الأساسية الذي يعتمد عليه علماء الكيمياء حول العالم.

تركز الدراسات الكيماوية، التي تتناول عناصر بالغة الثقل، غالباً، على مركبات تكون غازية أساساً على درجات حرارة متدنية نسبياً. ويتيح ذلك تحولها السريع في مرحلة الغاز، ما يسمح للباحثين باعتماد عملية سريعة نظراً إلى قصر حياة الذرات. حتى اليوم، استخدم العلماء مركبات تضم الأوكسجين والهالوجينات.

على سبيل المثال، دُرس السيبورجيوم سابقاً كمركب يضم ذرتي كلور وذرتي أكسجين، علماً أن هذا مركب مستقر جداً يتمتع بقدرة تقلّب عالية. ولكن في مركبات مماثلة، تنشغل الإلكترونات الأبعد على الأطراف بروابط كيماوية تساهمية، ما قد يخفي التأثيرات النسبية. نتيجة لذلك استمرّ طوال سنوات البحث عن أنظمة أكثر تطوراً، تشمل مركبات تتمتع بخصائص ارتباط مختلفة تعكس تأثيرات النسبية بوضوح أكبر.

خلال التحضير للدراسة، عملت مجموعات كيمياء العناصر البالغة الثقل في معهد الكيمياء النووية في جامعة جوهانز غوتنبرغ بماينز، معهد هيلمهولتز بماينز، ومركز هيلمهولتز GSI لأبحاث الحديد الثقيل في جامعة جوهانز غوتنبرغ في دارمستادت، بالتعاون مع زملاء سويسريين من معهد بول شيرر بفيليجون وجامعة بيرن، على تطوير مقاربة جديدة قد تتيح إجراء دراسات كيماوية تتناول ذرات منفردة حياتها قصيرة، فضلاً عن مركبات أقل استقراراً. أُجريت الاختبارات الأولى في مفاعل TRIGA Mainz للأبحاث، وتبين أنها تبلي بلاء حسناً مع ذرات الموليبديوم القصيرة الأجل.

طُوّرت هذه الطريقة في جامعة بيرن وفي تجارب أجريت على مسرّعات في مختبر GSI. يوضح الدكتور ألكسندر ياكوشيف من فريق GSI: {كان التحدي الأكبر في تجارب مماثلة وفي شعاع التسريع العالي الحدية الذي يدمّر حتى المركبات الكيماوية المستقر نسبياً. لتخطي هذه المشكلة، أرسلنا بادئ الأمر التنغستان، وهو عنصر مجاور للموليبديوم أكثر ثقلاً، عبر جهاز فصل مغناطيسي حيث تُعتبر الأحوال مثالية لدراسة فئات المركبات الجديدة أيضاً}. كان التركيز على تشكيل مركبات هيكزاكاربونيل معقدة. توقعت الدراسات النظرية منذ تسعينيات القرن الماضي أن تكون هذه المركبات مستقرة نسبياً. يرتبط السيبورجيوم بستة جزيئات من أحادي الكربون عبر روابط معدنية-كربونية بطريقة تمتاز بها المركبات العضوية-المعدنية، التي يتمتع كثير منها بروابط إلكترونية مطلوبة كان علماء كيمياء المركبات البالغة الثقل يحلمون بها منذ زمن.

عززت مجموعة العناصر البالغة الثقل في مركز RIKEN Nishina للأبحاث المرتكزة على مسرّع في واكو باليابان إنتاج السيبورجيوم في عملية دمج بين شعاع نيون (العنصر العاشر) وهدف من السيريوم (العنصر السادس والتسعون)، وعزلته في فاصل إيونات يعمل بالارتداد مليء بالغاز.

يوضح الدكتور هيروميتسو هابا، قائد الفريق في RIKEN: {في التقنية التقليدية لإنتاج عناصر بالغة الثقل، تعيق الكميات الكبيرة من المنتجات الثانوية عملية رصد ذرات العناصر البالغة الثقل المنفردة مثل السيبورجيوم. وباستخدام جهاز فاصل الإيونات، تمكنا، على الأقل من التقاط إشارات السيبورجيوم وتقييم معدلات إنتاجه وخصائص تفككه. ومع هذا الجهاز، صار السيبورجيوم جاهزاً للجيل التالي من الدراسات الكيماوية}.

في 2013، تعاون الفريقان مع زملاء من سويسرا، اليابان، الولايات المتحدة، والصين بهدف دراسة ما إذا كانوا يستطيعون إنتاج عنصر مركب بالغ الثقل مثل السيبورجيوم هيكزاكاربونيل اصطناعي. وبعد أسبوعين من التجارب في تجهيزات كيماوية ألمانية معززة بجهاز الفاصل الياباني، نجحوا في رصد 18 ذرة سيبورجيوم. فدرسوا خصائصها الغازية، فضلاً عن امتصاصها في سطح من ثاني أكسيد السليكون. فتبين أنها مشابهة لهيكزاكاربونيلات مركبات الموليبديوم والتنغستان المتشاكلة (مركبات تمتاز بخاصيات فريدة في عناصر المجموعة 6 من الجدول الدوري)، ما يعزز هوية السيبورجيوم هكزاكاربونيل. واتضح أيضاً أن الخصائص المدروسة تتوافق مع حسابات نظرية تشمل تأثيرات النسبية.

تجربة فريدة

يقول الدكتور هيديتو إينيو، مدير مركز RIKEN Nishina للأبحاث المرتكزة على مسرّع: {ما كانت هذه التجربة الفريدة لتنجح من دون تعاون قوي ووثيق بين 14 معهداً حول العالم}. ويشير فرانك ماس، مدير معهد هيلمهولتز بماينز: «تمثل هذه التجربة إنجازاً كبيراً في مجال دراسات العناصر البالغة الثقل الكيماوية، ما يُظهر أن مركبات متطورة كثيرة أصبحت في متناول التجارب العلمية. ولا شك في أن الآفاق التي يفتحها لاكتساب معرفة أعمق عن طبيعة الروابط الكيماوية عموماً، لا تلك المرتبطة بالعناصر البالغة الثقل فحسب، مذهلة».

لمتابعة هذه الخطوة الأولى الناجحة على الدرب نحو دراسات أكثر تفصيلاً للعناصر البالغة الثقل، يخطط الفريق لإجراء دراسات إضافية تتناول مركبات أخرى وعناصر أكثر ثقلاً من السيبورجيوم. وسيُضطر أينشتاين قريباً إلى الكشف عن الحيل التي اعتمدها ليتلاعب بالخصائص الكيماوية للعناصر في نهاية الجدول الدوري.

back to top