الصراع بين المشاريع والهويات!

نشر في 01-10-2014
آخر تحديث 01-10-2014 | 00:01
 تركي الدخيل يدرك اللبنانيون أن بلدهم ليس ميداناً ذا بعدٍ واحد، بل تحكمه الصراعات والأبعاد الدولية والداخلية، ولهذا نجد أول ما تبرز ظاهرةً من الظواهر تنبجس وتتشكل وتبدو بإشاراتها في لبنان، منذ "القاعدة" في نهر البارد، وحتى "داعش" في عرسال، كلها امتداد للشرر الذي يبدو أول ما يبدو في لبنان.

 ويذكر الراحل الفيلسوف عبدالرحمن بدوي أنه إبّان إقامته في لبنان كان يجلس مع رموز الطوائف أحياناً، وكل منهم يهجو الآخر اتكاءً على المرجع الدولي الذي يرجع إليه، لا على المشروع المحدد أو البرنامج الانتخابي المطروح، أو الجدول التنموي، كل الصراعات تدور في فلك اختلاف المشاريع والصراع بين بعضها البعض، ما يؤخر ويعثر كل خطوةٍ يهم بها لبنان، والإشارة تأتي من الخارج في كثيرٍ من الأحيان.

بيد أن الصراع على المشاريع ليس جديداً ولن ينتهي، ذلك أنه بات جزءاً من وضع لبنان وواقعه، ومع أن الشباب والفتيات ما لبثوا يقومون بالمظاهرات المستمرة والمسيرات المدنية، مطالبين بالعلمانية وإنهاء النظام الطائفي، غير أن النفوذ دائماً يكون لمصلحة الزعامات.

ولا يلام الفيلسوف الفرنسي إدغار موران حين تحدث عن مجتمعاتٍ تنتخب من هم جزء من أزماتها، ويضرب مثلاً بلبنان، ذلك أن مثل هذه المجتمعات تنتخب رموز الحروب الأهلية وأربابها، ولا يجد سياسي حصيف ذكي مثل وليد جنبلاط غضاضة في أن ينتقد نفسه أو زملاءه السياسيين، متحدثاً عن ضرورة أن يجد المجتمع اللبناني نموذجه ضمن طموحات الشباب وخارج المتورطين بالحروب الأهلية من ديناصورات السياسة.

 وللأمانة، فإن جنبلاط من أكثر الساسة وعياً بضرورة العلمانية وإلغاء النظام الطائفي، لكنه في الوقت نفسه يعلم أن هذا يعني تغيير الديموغرافية اللبنانية، وبالتالي الدخول في صراعات المحاصصة من جديد، الأمر الذي يمكن من خلاله أن تنشب حرب أهلية جديدة!

العلمانية أساسها إلغاء الفوارق بين بني البشر، ذلك أن التميز يكون فقط في مكان العبادة أو البيت، ولهذا ألغت فرنسا العلامات الدينية والإشارات الإثنية، ومن يُرد أن يتباهى بالإشارات فليذهب إلى مكان عبادته، ذلك لئلا يكون هناك "الصراع الرمزي" في الشارع بين أصحاب الوطن الواحد، ليكون الانتماء الطائفي والمذهبي والديني ليس مجالاً للتحاسد والتباغض، وليكون معيار التفوق هو الالتزام الأخلاقي والقانوني، والإنجاز القومي على أرض الواقع بعيداً عن التمييز والإشارات والعلامات، وهذا في ظنّي أنه لو طبّق بلبنان في الستينيات لتجاوز أخطار الحرب الأهلية، ويبدو أن العلمانية "فات أوانها" في لبنان، ذلك أن الطائفية هي "سيستم" الحالة اللبنانية من رأسها إلى أساسها.

الأكيد أن الصراع على الهوية أخطر من الصراع بين المشاريع، إذ إن الهويات القاتلة - كما يعبّر أمين معلوف - تضرب العصب الاجتماعي، وهي أخطر من صراعات المشاريع الوهمية بين ساسةٍ مراجعهم في الخارج و"الشيفرات" التي يتلقونها هي التي تحكمهم، فالكثير من المدنية والهوية الجامعة والقليل من الانتماء الطائفي والمذهبي والهوياتي القاتل.

back to top