لماذا ترضخ الولايات المتحدة لإيران الآن؟

نشر في 01-10-2014
آخر تحديث 01-10-2014 | 00:01
لماذا يشعر حكام إيران الذين "فقدوا الأمل" في تجاوز الأزمة عبر تقديم تنازلات مناسبة للولايات المتحدة بالقلق على طموحاتهم النووية؟ يكمن الجواب عن هذا السؤال في علم النفس وليس في الاستراتيجية: تريد إدارة أوباما أن تتهرب من المواجهة مع حكام إيران، وهي تبحث عن مخرج لحفظ ماء الوجه.
 ذي أتلانتك إذا أردنا إيجاد موضوع دائم يشغل السياسة الخارجية في عهد إدارة أوباما، فهو التوق إلى عقد اتفاق معين مع النظام الإيراني الحاكم.

قيل إن الرئيس أوباما وجّه سلسلة من الرسائل إلى القائد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، في الأشهر الأولى من عام 2009، وامتنع الرئيس الأميركي عن الكلام خلال أول 10 أيام من الاحتجاجات التي تم قمعها بعنف ضد الانتخابات الإيرانية الرئاسية المزورة لعام 2009، ورفض أوباما عقوبات "كيرك- منديز" الصارمة ضد البنك المركزي الإيراني إلى أن صادق مجلس الشيوخ عليها بنسبة 100 صوت مقابل لا شيء، وحين فشلت المفاوضات النووية مع حكام إيران في تحقيق أي نتائج بحلول المهلة النهائية المعلنة، مددت الإدارة تلك المهلة فضلاً عن قرار تخفيف العقوبات الذي استفادت منه إيران تزامناً مع استمرار المفاوضات.

لم يتحقق الكثير من هذه المحاولات كلها لسبب بسيط، وهو أن حكام إيران لا يهتمون كثيراً بها، أو بعبارة أوضح، يهتم حكام إيران بأولويات أخرى أكثر مما يهتمون بالمنافع التي يمكن حصدها من تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.

يسود جدل بين أنواع السياسة الخارجية التي تعتبر إيران مشكلة من نوع "افتح يا سمسم": يكفي التلفظ بالعبارة الشفهية المناسبة كي تزول جميع العوائق. يدعي مناصروها أن حكام إيران والولايات المتحدة كان يمكن أن يتقربوا من بعضهم بعد اعتداءات 11 سبتمبر لو أنّ إدارة بوش لم تصنف النظام الإيراني الحاكم كجزء من "محور الشر" في خطاب حالة الاتحاد في عام 2002. هذا التصور مبني على الافتراض القائل إن حكام إيران لم يحددوا نواياهم أو ليس لديهم عملاء، وهو يفترض أن الولايات المتحدة تفرض شروط العلاقة وأن إيران تكتفي بالرد.

لكن لم يكن الوضع كذلك حينها، إذ كانت الحكومة الأميركية تظن أن إيران قدمت المساعدة العسكرية لطالبان ضد قوات التحالف منذ نوفمبر 2001، وفي يناير 2002 أعاقت إسرائيل سفينة "كارين آي" التي كانت محمّلة بأسلحة إيرانية متطورة كي تُستعمل ضد إسرائيل ضمن حملة إرهابية قاتلة كانت توشك على دخول أسوأ مرحلة دموية، ويمكن أن تطول لائحة التجاوزات المماثلة، لكن ربما يتعلق التجاوز الأخطر في تلك الفترة بالمعلومة التي كُشفت بين عامي 2000 و2001 عن تورط "حزب الله" في عمليات تهريب في الغرب، لا سيما على الحدود بين البرازيل والباراغواي والأرجنتين. كان "حزب الله" يُعتبر كياناً أكثر تطوراً من "القاعدة"، ففي عام 2001، كانت الذكريات لا تزال حية عن حملة الإرهاب التي قادها "حزب الله" بدعمٍ من إيران بين عامي 1992 و1996، فقد قُتل حينها مئات الأشخاص من برلين إلى بوينس آيرس، بما في ذلك 17 موظفاً أميركياً تم تفجيرهم في أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية.

يبدو أن التجارب الصعبة تعلّم الدروس: تصرّف حكام إيران انطلاقاً من دوافعهم ولتحقيق أهدافهم الخاصة. لقد اعتبروا مصالحهم وقيمهم متعارضة جداً مع مصالح وقيم الولايات المتحدة، لدرجة أنهم تمكنوا من التخلي عن أي مبدأ أيديولوجي سابق أو أولوية استراتيجية للحفاظ على الموقف العدائي تجاه الولايات المتحدة، وكان يمكن أن نفترض أن حكام إيران سيرحبون بالتدخل الأميركي ضد طالبان في عام 2001، بناءً على مبدأ "عدو عدوي صديقي" بما أن إيران وطالبان تصادمتا في عام 1998، لكنّهم اعتبروا الولايات المتحدة عدواً أسوأ من طالبان؛ لذا قادهم مبدأ "عدو عدوي صديقي" إلى التصالح مع طالبان ضد الولايات المتحدة، بدل التحالف مع الولايات المتحدة ضد طالبان، وينطبق الأمر نفسه على علاقتهم مع النظام اللينيني الملحد في كوريا الشمالية وعلى علاقتهم مع السُّنة في "حماس"، ففي أولى سنوات عهد بوش كانت أنواع السياسة الخارجية تشرح بشكل متكرر استحالة أن تقوم إيران بأمور معينة استناداً إلى فرضيتها بشأن طريقة تفكير حكام إيران، وكانوا يتابعون شرح استحالة الأمر إلى أن ثبت أن إيران تقوم بالأمور التي كانوا يعتبرونها مستحيلة.

هذا ما يوصلنا إلى الوضع الراهن؛ تُبذَل جهود كبرى لإقناع الكونغرس بقبول اتفاق نووي مع إيران مع أنه لا يتماشى مع هدف إدارة أوباما المعلن بإنهاء برنامج تسلح النظام الإيراني، حيث نشر فريد زكريا، كاتب مطّلع على منطق تفكير البيت الأبيض، مقالة في 25 سبتمبر لحث الإدارة على التعاون مع إيران من أجل ردع "داعش"، فكتب: "إذا كان الرئيس أوباما يريد فعلاً إضعاف وتدمير "الدولة الإسلامية"، فيجب أن يجد طريقة للتعاون مع إيران"، ومن بين الأمور الضرورية لإيجاد تلك الطريقة يجب "تجاوز" المسألة النووية بطريقة ما كما يقول زكريا، ونظراً إلى سجل إيران الطويل في الخداع والتعنت في الملف النووي واستعدادها لقبول العقوبات الاقتصادية القاسية حفاظاً على ذلك البرنامج النووي، كيف يمكن "تجاوز" ذلك العائق الضخم؟ الجواب بسيط: حين تقبل الولايات المتحدة ضمناً بمكانة إيران.

وقد أكد المسؤولون الأميركيون أنهم عرضوا على حكام إيران صفقة تسمح لهم بقطع عمل أجهزة الطرد المركزي بدل تفكيكها، فلماذا ترضخ الولايات المتحدة؟ صرح شخص اعتُبر "مشاركاً في المفاوضات" لصحيفة "نيويورك تايمز": "يسود شعور عام بالخيبة بشأن ابتكار طرق لاختراق الأزمة المتعلقة بالمحادثات النووية وتوسيع العلاقات".

ألا يبدو هذا الوضع معقداً جداً؟ الدول العميلة لإيران (العراق وسورية) هي التي تواجه تهديدات حركة التمرد الإسلامية "داعش"، وقد نظن أن "داعش" تطرح مشكلة أكبر بالنسبة إلى إيران وليس الولايات المتحدة، فكان الاقتصاد الإيراني ينهار تحت ضغط العقوبات الاقتصادية، أقله قبل أن تخففها إدارة أوباما في السنة الماضية. لماذا يشعر حكام إيران الذين "فقدوا الأمل" في تجاوز الأزمة عبر تقديم تنازلات مناسبة للولايات المتحدة بالقلق إذاً على طموحاتهم النووية؟ يكمن الجواب عن هذا السؤال في علم النفس وليس في الاستراتيجية: تريد إدارة أوباما أن تتهرب من المواجهة مع حكام إيران، وهي تبحث عن مخرج لحفظ ماء الوجه.

* ديفيد فرم

back to top