شبكات الضياع الاجتماعي

نشر في 01-10-2014
آخر تحديث 01-10-2014 | 00:01
 طالب الرفاعي بعد قرابة العقد من انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والانفجار النووي الذي أدى إلى تغلغلها في حياة الناس. وما نشأ عن ذلك من عيش البعض في عالم افتراضي، يأخذهم من بيئتهم ومحيطهم الاجتماعيين الأقرب والأصدق، ويؤثر بشكل كبير على مجريات حياتهم العملية، تجري حالياً في أميركا وبعض دول أوروبا مراجعة جادة، من قِبَل هيئات ومجاميع بشرية مع المديرين العاملين في التخطيط لعمل شبكات التواصل الاجتماعي، لإعادة النظر في الأسس التي يتمكّن بموجبها أي شخص الانتساب لشبكة تواصل اجتماعي. ويأتي على رأس هذه الأسس ضرورة ضمان تقديم الشخص لنفسه بصدق، بدءاً من اسمه الحقيقي وعمره وجنسه، ومكان تواجده، مروراً بصورته ووضعه الاجتماعي. فقد نشأت آلاف المشاكل من وراء علاقات شبكات التواصل، وكانت نتائج بعض هذه المشاكل كارثية.

الدراسات التي تناولت عوالم شبكات التواصل الاجتماعي، تشير في مجملها إلى أن المجتمعات المنغلقة والمتعصبة، والمتأخرة علمياً واقتصادياً، هي الأكثر في انتشار الكذب والتزوير، وقيام أشخاص بالتخفي خلف أسماء وصفات وصور وهمية، بل ان مروراً عابراً على مواقع التواصل يكشف الكثير من الشركات التي باتت تعمل في تجارة رابحة، تتمثل ببيع المتابعين الوهميين، فترى شخصاً تشير صفحته إلى أن عدد متابعيه يصل إلى ربع مليون، وحين النظر إلى ما يخطّه قلمه وفكره تصاب بالحيرة والعجب! بل ان الأمر لم يعد خافياً بقيام شخصيات وهيئات باستئجار أشخاص بعينهم للترويج لمشاريعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وصار البعض يقبض معاشاً شهرياً يفوق راتبه من عمله الأصلي، مقابل أن يبقى منشغلاً في تلميع صورة هذا وشتم ذاك!

شبكات التواصل الاجتماعي فرضت على البشر واقعاً اجتماعياً جديداً، وهذا الواقع أفرز أمراضه، ولأنها أمراض فتّاكة وجب التصدي لها، خشية التورط فيها. فمن المفترض ألا يقوم أحدنا بإضافة شخص لحسابه الخاص في "فيس بوك" أو "تويتر" أو "انستغرام"، بينما الآخر يتخفى وراء نعت غريب، وصورة لممثل أو ممثلة أو منظر طبيعي أو وردة!

لا أدري كيف يتورط أشخاص بالدخول في علاقات افتراضية مع أشباح! يفتحون لهم قلوبهم، ويمررون لهم أسرار حياتهم؟ كيف يثق إنسان بآخر، وهذا الآخر يقدم نفسه بشكل كاذب ومفضوح؟ كيف يمكن لفتاة أو امرأة أن تصادق رجلاً ينعت نفسه بـ"البحر الهائج، وديك الميدان، وعنفوان المعركة، ولون الحب، وطير الجبل"، وقائمة لا تنتهي من الصفات المضحكة؟! ولا أتصور قيام رجل عاقل بالدخول في علاقة عاطفية مع فتاة أو امرأة تضع صورة ممثلة أو وردة، بينما هي أبعد ما تكون عن ملامح تلك الممثلة وصفات الوردة!

شبكات التواصل الاجتماعي، جاءت في أساسها لتعوّض البعض شيئاً من فقر علاقاتهم الاجتماعية الحقيقية، ولتخلق نوعاً من السلوى والمتعة لبعض آخر، ولذا على من ينوي الدخول إلى عالم هذه الشبكات أن يكون مدركاً لحقيقة كونه بحاجة الى التواصل مع شخص يحمل صفات البشر، أكثر من تخفيه وراء صفات الأشباح. كما عليه ألا ينخدع بعدد المتابعين لأي اسم أو نعت، فالأمر مكشوف بقيام دكاكين كثيرة ببيع المتابعين، وهي لا تستحي من الإعلان عن عملها، ولا تشعر بخزي فعلتها!

مجتمعات الدول العربية، تمرّ منذ اندلاع ما عاد يُعرف بـ"ثورات الربيع العربي"، بظروف استثنائية، وبعضها يعيش لحظات مخاض وحشية ومخيفة ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، التنبّؤ بما ستحمل الأيام والسنون القادمة. وهذا يدفع بكثيرين الى الهرب من جحيم الواقع الحقيقي إلى جنة الواقع الافتراضي. لكن لأن أي هروب له ضريبة، فإن البعض يستجير من الرمضاء بالنار.

back to top