جهاد الأندري: التطعيم العربي يُغني شرط أن يكون منطقياً

نشر في 30-09-2014 | 00:02
آخر تحديث 30-09-2014 | 00:02
No Image Caption
مخرج وممثل وكاتب لبناني، شارك في الدراما السورية والعربية على مدى 12 عاماً، فشكّلت غنى إضافياً الى مسيرته التمثيلية والإخراجية، فضلا عن أعمال مسرحية، كتابة أو إخراجاً ، آخرها مسرحيتا «شمس وقمر» و{تقلا».
الفنان جهاد الأندري الذي شارك في السنوات الاخيرة في أعمال عربية مشتركة من بينها «روبي» و{الشحرورة» أطلّ في الحلقات العشر الأولى من مسلسل «عشق النساء» (يُعرض عبر شاشة «أل بي سي» اللبنانية).
عن أعماله والدراما العربية واللبنانية تحدث إلى «الجريدة».
نال {عشق النساء} إعجاب الصحافة والجمهور، فما هي المقومات التي توافرت لنجاحه؟

تكامل العناصر بدءاً من نصّ منى طايع، الركيزة الأساس للمسلسل، مروراً بقدرة المخرج فيليب اسمر على قراءة النص بطريقة جميلة، وصولا الى الممثلين الذين عملوا بجهد لاتمام العمل، فضلا عن سخاء المنتج زياد الشويري (أون لاين برودكشان) لخدمة المشهد.

هل ازداد الوعي تجاه تكامل عناصر أي عمل وعدم الاستسهال بأي عنصر؟

طبعاً، لأن تفاعل حركة الإنتاج ووفرة الأعمال يؤديان الى مهنة ومهنية. يتحسّن الإنتاج الدرامي المحلّي تدريجاً وهو يتعلّم من ذاته لتصحيح أخطائه، وإذا أراد السير بسكّة الإنتاج العربية يجب أن تكون حركته سريعة وموازية لتلك العجلة، في ظل المنافسة في الساحة الدرامية المفتوحة محلياً وعربياً على بعضها البعض.

كيف تقرأ شخصية فريد في المسلسل؟

ما رآه الجمهور ترجمة لما قرأته في هذه الشخصية. لا أؤمن بأن الانسان طالح في المطلق، اذ لكل منّا أسباب وظروف أدت به إلى ما هو عليه. ثمة أسباب تخفيفية لشخصية فريد في مكان ما، لكنني أؤّيد العقاب الذي ناله على أفعاله.

هل الشخصية الشريرة تخلد في ذاكرة الجمهور؟

ليس شرطاً، إنما يقال إنها تبتكر حدثاً كونها نافرة. الشاطر هو الذي يقرأ ما وراء سطور هكذا شخصية، إذ لا تكمن العبرة في تجسيدها تصرخ وتشتم وتنفعل وإنما في تطريز داخلها وإظهار وجهها الآخر ولحظات ضعفها. شخصياً قبلت هذا الدور بسبب مشهد فلفشة أوراقه أمام شقيقته، إذ في تلك اللحظة ظهرت حقيقة {فريد}، وتبيّن أنه لا يمكن لأي إنسان الوصول الى هذه الفظاعة في التصرفات لولا اسباب ماضية.

ما ميزة نصّ منى طايع؟

إنه التعاون الأول معها، ما من شكّ في أنها تكتب شخصيات من لحم ودم وتنصّ أحداثاً منطقيّة.  شخصياً، أبقى مترقبّاً حتى الحلقة الأخيرة من المسلسل، خصوصاً عندما يكون طويلا وبالتالي معرّضاً لسقطة ما. يسير العمل بوتيرة جميلة حتى هذه الحلقات، وقد نال إعجاب الجمهور والنقّاد، لذا اتمنى ان يبقى عند هذا المستوى حتى نهايته.

هل ترى تكاملا بين صورة فيليب اسمر ونصّ منى طايع؟

رغم أن شهادتي مجروحة في هذا العمل وأي إبداء للرأي لن يكون موضوعياً، وجدت فيليب اسمر شاباً موهوباً ويصبّ المستقبل في صالحه.

يضمّ العمل وجوهاً عربية، باسل خيّاط وميس حمدان ورندا البحيري، هل مشاركة هؤلاء تدل على ثقة عربية في الإنتاج اللبناني؟

إذا أردت أن أكون قاسياً تجاه العمل المحلي، أقول ما من شك في ذلك، أمّا اذا كنت متعصبّاً تجاهه، فأقول إن  الممثل اللبناني في مشاركته في العمل العربي يعطيه ثقته، لأن الاعمال العربية ليست كلها عند المستوى اللائق المطلوب. بعد 12 عاماً من المشاركة في الدراما السورية، يمكنني التأكيد أن ثمة أعمالا متفاوتة في كل بلد عربي.

ما رأيك بأداء هؤلاء؟

أفضّل عدم ابداء الرأي بمستوى الاداء لأنني عملت معهم ولم أكن مشاهداً عادياً. إنما يمكنني القول إنهم محترفون في موقع التصوير ومجتهدون، وكانوا عفويّين يتمتعون بمصداقية مهنيّة.

هل يتفاوت أداء الممثلين العرب وفق هوية البلد الذي ينتمون إليه؟

من الطبيعي اختلاف الأداء بين بلد وآخر وفق بيئة الفنان، لأن الممثل ابن بيئته وابن المدرسة التي تخرّج منها. في السنتين الأخيرتين حصل نوع من الانبثاق من تحت الركام نحو الأفضل إن على صعيد الإنتاج  أو الكتابة أو الاخراج محلياً. اما على صعيد الممثلين، فلطالما كانت ثمة شريحتان، واحدة موهوبة ومجتهدة انطلقت إلى الخارج، وأخرى لم توّسع طموحها خارج لبنان.  

{فريد} يغيب عن المسلسل بعد تعرّضه لحادث مميت، هل يمكن لمشاركة مقتضبة ترك اثرٍ ما لدى الجمهور؟

أنا جاهز لأيّ عرض فنّي، سواء امتدّ إلى تسعين حلقة أو ارتكز على دور البطولة أو اقتصر على مشاركة مقتضبة. لا أعدّ الجمل ولا أرقّم الصفحات، بل أقرأ النصّ مركزّاً على ضرورة أن يحمل الدور معطيات فنيّة وجواباً عمّا أفتشّ عنه وعمّا يفتشّ عنه الجمهور  لبنانياً وعربياً. عندما قرأت شخصية فريد وجدتها محرّضة ومستفّزة لي، فقررت أن أؤديها، وفوجئت بردود فعل الناس تجاهها، رغم أنه ليس سهلا أن تترك شخصية ما أثراً لدى الجمهور في عشر حلقات.

في المرأة والدراما

عنّف {فريد} زوجته وأولاده، فما رأيك بواقع المرأة العربية؟

لا أرى شائبة في وضعها بل في طريقة تفكيرها، بعدما توارثت فكرة أنه مغلوب على أمرها، فأصبحت كل إمرأة تسعى إلى ابتكار اسطورة حول نفسها، وابتكار خطاب خاص بها للمطالبة بحقّها، وإدخال نفسها في معمعة تجارب نساء أخريات. برأيي عندما تطالب المرأة بحقها من الرجل تهين نفسها وتستأهل المكان الذي وضعت نفسها فيه، لأنها إنسانة قبل ان تكون إمرأة، يعني أنها كيان له حقوقه الإنسانية الكاملة. المرأة المعنّفة حال اجتماعية معيّنة نتيجة وجودها في جوّ عائلي إرهابي، وبالتالي ليست كل النساء معنفّات في المطلق، لذا لا يختصر وضع امرأة معيّنة أوضاع المرأة عموماً.

مخرج مسرحي وكاتب وممثل ومؤدٍ للشعر، هل تستند إلى هذه الصفات مجتمعة عند أي مشروع؟

لا أقرر هذا الامر، لأن هذه الصفات متوافرة في وجداني وعقلي الباطني، ربما هي متكاملة وتسيّر حسّي الداخلي الغرائزي نحو العمل الفنيّ الجيّد. لكنني لا أمثّل انطلاقاً من علمي إنما من غريزتي وشغفي بالتمثيل.

هل تجد صعوبة في الوثوق بمخرج آخر عندما تكون ممثلا؟

اجد صعوبة في اتخاذ قرار المشاركة أو عدمها في مرحلة قراءة النص، إنما مجرّد الموافقة على العمل ألتزم حتى النهاية ومن دون رجوع، لأنني اتخذ القرار عن قناعة وادراك، فأكون مطيعاً في موقع التصوير لتعليمات المخرج.

أعمالك الدرامية المحلية قليلة مقارنة مع الأعمال العربية، ما السبب؟

بسبب الكم الكبير من الأعمال العربية التي توافرت قبل اندلاع الأزمة العربية، في مقابل عدد قليل من الإنتاجات المحلية، فضلا عن أنني انتقائي، أساساً، لذا غبت فترات عن الشاشة.

 

كيف هي علاقتك بالمنتجين اللبنانيين؟

شيع سابقاً في لبنان بأنني صعب وهذا غير صحيح، لست صعباً في موقع التصوير بل مسالم وهادئ ومطيع للمخرج، إنما من حقّي أن أقلق على عملي واطمح لما هو لائق ومتقّدم، لأنني اجتهدت لتحقيق مسيرتي. شخصياً أحب التنويع على صعد الإنتاج والإخراج والنص والممثلين الزملاء، بهدف إغناء تجربتي التمثيلية والإخراجية. إنما لاحظنا، في السنوات الأخيرة، وجود فرق عمل درامية، ذلك أن، لكل منتج أو مخرج، فريق عمله الخاص من الممثلين، فيما لست مستزلماً لأحد وأرفض هذا المبدأ، لأنني أثق في أسلوب آخر قادر على إيصالي إلى حيث أريد من دون استزلام. لذا يعرض عليّ المخرج والكاتب الحرّان التعاون، كونهما يدركان انهما يتوجهان إليّ كفنان حرّ.

هل حققت إضافة معيّنة عبر الدراما السورية؟

طبعاً، يشكّل أي عمل فنّي، لبناني أو عربي، إضافة، بحد ذاتها، إلى مسيرة الممثل، لا أدعي أنني أضفت إلى الدراما السورية أو اللبنانية شيئاً، أو ساهمت في بناء مؤسسة معيّنة، لأن المؤسسة تبني ذاتها بذاتها، والوقت كفيل بالغربلة وبالحكم على الفنانين والأعمال. أمثّل لشغفي بالتمثيل، لذا عندما أدخل موقع التصوير أترك كل شيء في الخارج، وعندما أخرج من هناك أترك كل شيء حيث هو.

هل تتأثر الدراما العربية  بالواقع العربي المتأزم؟

نلاحظ بوادر تأثر الدراما العربية إيجاباً بهذا الواقع، لذا أنوّه بالدراما السورية التي تتحدث راهناً عن مأساة الحرب، خصوصاً أن النص الدرامي السوري ابن بيئته، والفارق بيننا وبينهم أننا لم نتحدث عن حربنا التي دامت 30 عاماً في الدراما التلفزيونية، بل في التجارب السينمائية المتواضعة.

برأيي الحرب مارد بشع يحفر ذاكرة الشعب ويجب التحدث درامياً عنه ليكون واقعياً. ثم من حقّ الفنان اختيار الموضوع الصادق والحقيقي والواقعي الذي يريد، ومن واجب المشاهد المتلقي احترام رأيه، بغض النظر عما إذا كان مؤيداً له أم لا، ومحاسبته على الأسلوب الفني وما إذا كان مقنعاً أم لا.

كيف تقيّم مستوى الأعمال الدرامية العربية واللبنانية؟

تتوافر أعمال جميلة في مقابل أعمال أقل مستوى، إنما يجب توافر الاثنين لسنوات طويلة لتتحقق النهضة، لذا ادعو المنتجين والكتّاب والمخرجين اللبنانيين إلى الاجتهاد والمحاولة مراراً وتكراراً ليكتشفوا هويتهم ويتخطوا الحدود.

أين خصوصية المجتمع في ظل التلاقح العربي؟

ثمة تنوّع، ولا نزال نشهد أعمالا محلية وأخرى مطعمّة عربياً. عندما تكون شركة الإنتاج لبنانية، ويضمّ العمل ممثلين سوريين يعني أنه يحمل هوية لبنانية، إنما تحوي تركيبة الشخصيات تنوّعاً معيناً لخدمة القصة، لذا يُعتبر مسلسل {عشق النساء} مثلا لبنانياً. يغني هذا التطعيم الأعمال طالما التركيبة الدرامية منطقية ومبررّة، أولا على صعيد الإنتاج كونه يؤدي إلى تلاقح انتاجي عربي يفيد طرفي الإنتاج، ما يفسح في المجال أمام انتشار الدراما اللبنانية عبر المحطات العربية، مثل هذا المسلسل الذي بيع الى مصر أيضاً.

بعد مسرحيتي {تقلا} و{شمس وقمر} هل من مشروع مسرحي جديد؟

المسرح ملعبي وعالمي الذي أحب وفيه جزء كبير من أحلامي، كوني في الأساس متخصصاً فيه. أنهيت نصّاً مسرحياً مقتبساً بتصرّف عن {عرس الدم} للكاتب الإسباني فيديريكو غارسيا لوركا، سأسميه {دانتيل}، راهناً اسعى الى تأمين إنتاج لائق له لأنه مكلف، لضمّه شخصيات كثيرة، سأتولى إخراجه أيضاً ولم أختر الكاست بعد، فضلا عن مسرحية مونودرامية أبحث عن جهة إنتاجية لها ايضاً.

نلاحظ أن ثمة اهتماماً جماهيرياً بالمسرح.

لاحظت في السنتين الاخيرتين اهتمام الجمهور بالمسرح، لذا يجب أن نولي، كفنانين ومسرحيين، أهمية لذلك، خصوصاً أن الشاشة لا تصنع ممثلا، بل خشبة المسرح هي الأساس في صقل الأداء. للاسف لا حيّز للأعمال المسرحية في لجان التكريم الفنيّة، لذا تمنيت على القيمين على الـ {موركس دور} الذي شاركت في لجنة تحكيمه هذا العام، استحداث فئة للمسرح السنة المقبلة كإلتفاتة اليه، لأن ذاكرة الوطن لا تقاس بالأعمال التلفزيونية التي تسطّح ذهن المشاهد بل بالأعمال المسرحية. 

back to top