مرافعة : المحاكمة العادلة!

نشر في 23-09-2014
آخر تحديث 23-09-2014 | 00:01
 حسين العبدالله في عام 2001 تمكنت من الدخول إلى السجن المركزي والسجن العمومي وسجن النساء لنقل الأحوال اليومية التي يعيشها السجناء المحكومون في قضايا الجنح والجنايات ولقاء بعضهم في العنابر التي يقبعون بها، وبعد مضي قرابة 13 عاماً على تلك الزيارة التي قمت بنقل أحداثها آنذاك على مدى أسبوع كامل لقراء صحيفة «القبس» أذكر منها لقائي عدداً من المحكومين الكويتيين المدانين، أحدهم شاب مسجون بحكم صادر من محكمة أمن الدولة بتهمة التعاون مع النظام العراقي البائد إبان غزوه الكويت بالحبس المؤبد، وحينها كان يبلغ من العمر 26 عاما، أي أنه اليوم يقترب من إكمال سن الأربعين وهو مازال في محبسه، وكل تهمته، بحسب ما أبلغني أنه، هدد تحت السلاح وهو بعمر 18 عاما على الإبلاغ عن عدد من العاملين معه في الجيش، وبحسب المعلومات فإن بعضهم استُشهِد على أيدي النظام العراقي الغادر من دون أن يكون له دور في ذلك.

أذكر أيضاً أن هذا الشاب الذي وضع صورة لإحدى سيارات السباق في زنزانته، قد قام بخياطة فمه مرات عدة احتجاجا على محاكمته أمام محكمة أمن الدولة والتي حكمت عليه بالسجن المؤبد في حكم نهائي لا يقبل الاستئناف أو التمييز وكان يطالبني بأن أنقل معاناته إلى المسؤولين حتى ينظر في أمره ويتم الاكتفاء بمدة حبسه المنقضية، فهو من سيقضي حياته كاملة محكوماً بين هذه الجدران وهو من دخله بعد الغزو العراقي الغاشم بسنة أو سنتين!

وبعد مغادرتي زنزانة ذلك الشاب، انتقلت بذات العنبر إلى زنزانة رئيس الحكومة المؤقتة علاء حسين المحبوس حينها على ذمة محاكمته، وهو يقول بعد حكمه بالاعدام من محكمة أول درجة لي «أنا ضحية لنظام صدام الذي قام بتهديدي وتهديد أسرتي، كما أنني عدت إلى بلدي طالبا العفو وأتمنى ألا يتم إعدامي من محكمة الاستئناف»، التي كانت تنظر قضيته حينها، وبعد عام انتهت محكمة التمييز إلى القضاء بسجنه بالمؤبد وألغت حكم إعدامه، ويقضي حتى الآن عقوبة الحبس المؤبد منذ عام 2000 بعد أن تمت محاكمته أمام ثلاث درجات تقاض!

ذكري هاتين الرواتين ليس بهدف التعاطف مع المحكومين في هذا النوع من الجرائم، فهم أخطأوا، وكل بحسب جسامة ما اقترفه من خطأ في نظر القانون، وها هم ينفذون العقوبات الجزائية، لكن سردي لتلك الأحداث هو لصعوبة تقبل مبدأ المحاكمة العادلة على درجة تقاض واحدة، لكونها برأيي قد تودي بحياة إنسان إلى الأبد، كما كان في قضايا أمن الدولة حينها، وقد تنصفه بالبراءة، بينما نظام التقاضي على ثلاث درجات يكفل للمتهم حق الدفاع وحق تصويب بعض الأحكام القضائية التي تصدر لكون من يصدرها بشراً مثلنا وأحكامه تحتمل الخطأ والصواب، ومن المنطقي أن ينظرها ويراقبها قضاء أعلى.

وحسنا فعل المشرع الكويتي عام 1995 بالغائه محكمة أمن الدولة التي صدرت في ظل ظروف عصيبة مرت بالبلاد بعد الغزو العراقي الغاشم على الكويت، لكن إلغاءها لم يسمح للمحكومين بالاستفادة من نظام التقاضي على ثلاث درجات الذي يكفل للمتقاضي تقديم دفاعه تحت رقابة المحاكم العليا.

back to top