كيف تتعلّم مثل الأبطال في الذاكرة؟

نشر في 22-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 22-09-2014 | 00:01
بدأت الشركات تبتكر وسائل تعليمية ترتكز على علم الذكريات، بحسب قول ديفيد روبنسون. هل يمكن أن تنجح في صفوف المدارس؟
في معظم فترات العشرينات من عمره، كان إيد كوك يحتل إحدى المراتب العشر الأولى في بطولات الذاكرة العالمية. شملت إنجازاته حفظ 2265 رقماً مزدوجاً خلال 30 دقيقة وتسلسل 16 مجموعة من ورق اللعب خلال ساعة واحدة فحسب. لكن في عمر السادسة والعشرين، بدأ يشعر بالتوتر وأراد مساعدة الآخرين على التعلم مثله. يقول كوك: {تتطلب تقنيات الذاكرة انضباطاً معيناً. أردتُ ابتكار أداة تسمح بكل بساطة باستعادة الاسترخاء للتعلم}.

سرعان ما ابتكر تطبيق {ميمريز} (Memrise). انطلق الموقع والتطبيق في عام 2010 وهو يساعد أكثر من 1.4 مليون مستخدم الآن على تعلم اللغات الأجنبية والتاريخ والعلوم، بفضل السهولة التي يستعمل بها كوك قوة ذاكرته. ثم ظهرت تطبيقات مماثلة تُعنى بتسهيل عملية التعلم، على مستوى الأفراد والمدارس، كما يحصد بعض الأساتذة منافع حتى كوك لم يتوقعها.

يقول دومينيك تراينور الذي يعلّم اللغة الإسبانية في مدرسة سانت كوثبرت وسانت ماتياس الابتدائية في لندن: {إنها أداة قوية جداً وهي تغطي مختلف جوانب التعلم. يمكن القول إننا غطينا عمل سنة كاملة خلال الأشهر الستة الأولى».

مبادئ أساسية

حين بدأ كوك يطور فكرته، لجأ إلى زميله السابق في جامعة أكسفورد، وهو عالم الأعصاب غريغ ديتري من جامعة برينستون، لمساعدته على تحديث تقنياته التي جرّبها واختبرها استناداً إلى أحدث طريقة لفهم الذاكرة. فابتكرا معاً بعض المبادئ الأساسية التي يمكن أن تمهد لتطوير تطبيق «ميمريز» خلال السنوات اللاحقة.

يتعلق المبدأ الأول بفكرة التعلم «المسهب» حيث نحاول تقديم معنى إضافي إلى حقيقة معينة لمحاولة ترسيخها في العقل. هذه الذكريات تكون فاعلة على نحو خاص إذا كانت تدغدغ العظم الطريف فضلاً عن نقاط الاشتباك العصبي: مقابل كل معلومة نريد تعلّمها، سنتشجع على إيجاد صورة أو عبارة ممتعة تساعدنا على ترسيخ الذكرى في عقلنا. في إحدى حصص اللغة الألمانية، تم تصوير كلمة abend التي تعني {المساء} بصورة أبراهام لينكولن الذي يستمع إلى مسجّلة، مع عبارة {آيب ينهي العمل في المساء}. إنها طريقة سخيفة لكن هذا هو المغزى: الصورة السخيفة يسهل تذكّرها.

لترسيخ تلك الذكريات، يخضعك التطبيق لاختبارات في أوقات يتم تحديدها بحذر، على مر الأيام والأسابيع والأشهر اللاحقة. أثبتت تجارب عدة على مر السنوات الماضية أن أفضل طريقة لإنشاء مسارات عصبية جديدة تقضي بمحاولة التذكّر من جديد، وذلك من خلال مساعدة الأفراد على تذكّر الحدث أكثر من مرتين، على المدى الطويل، بدل الاكتفاء بقراءة المواد من دون إعطاء أي ردة فعل. تبين أيضاً أن الاختبار الذاتي أكثر فاعلية من التقنيات المبتكرة مثل رسم خرائط العقل والرسوم البيانية.

يمكن إيجاد تطبيقات أخرى مصمَّمة للتعلم وترسيخ الذكريات بهذه الطريقة، لكن يستعمل تطبيق «ميمريز» حيلة أخرى. اكتشف ديتري أن الوقت الأكثر فاعلية لإعادة تنشيط ذكرى معينة هو عند تذكّر نصف التفاصيل ونسيان نصفها الآخر، أي حين تشعر بأن الكلمة «على رأس لسانك» لكنك لا تستطيع تذكر الحدث بكامله. لذا صمّم فريق «ميمريز» نظاماً حسابياً يتوقع اقتراب تلك الحالة المزعجة ثم يخضعك للاختبار. بما أن التطبيق يتعقب مسار تطورك باستمرار، سرعان ما يصبح أكثر دقة في توقع منحنى التعلم لديك مع مرور الوقت، ما يساعدك على تصفح موجات ذاكرتك تمهيداً لتحسين فاعلية التعلّم.

التعلّم الممتع

هذه المعطيات كلها قد تسهم في تسهيل عملية التعلّم. لكن تعلّق التحدي الأكبر بجعل المهمة ممتعة أيضاً. يقول بن واتلي، الرئيس التنفيذي للعمليات في تطبيق «ميمريز»: «نضطر دوماً إلى محاولة جذب انتباهك حين تنظر إلى شاشة هاتفك. يجب أن تكون التجربة ممتعة بقدر موقع «بينتيريست»». لكن بذل الفريق قصارى جهده لإنشاء مجموعة من المتعلّمين للتشجيع على المنافسة الودية. بالتالي، يمكن أن يحمّل المستخدمون دروسهم لتقاسمها مع أشخاص آخرين يبحثون عن تعلّم الموضوع نفسه، ويمكن أن يقارنوا مرتبتهم مع أفضل المنافسين على لوح العلامات. يقول واتلي: «أردنا أن يشعر الناس بالراحة لتقاسم المعلومات على مواقع مثل «فيسبوك»، ما يسمح بتطور هذه الظاهرة وشيوعها على نطاق واسع».

لم يكن مفاجئاً أن يكون عنصر المنافسة الودية هو الذي جذب انتباه طلاب المدرسة الابتدائية الذين يتعلمون اللغة الإسبانية في صف تراينور. يوضح هذا الأخير: {فور دخولهم إلى الصف، يريدون رؤية مرتبتهم على لوح العلامات}. وثمة منافع أخرى. في كل صف، يميل تراينور إلى تقسيم الصف إلى مجموعتين: فيما يقوم النصف الأول بالأعمال التمهيدية لتعلم مفردات اللغة على أجهزة {آي باد} الخاصة بالمدرسة، يستطيع تعليم الآخرين قبل أن يتبادل الفريقان الأدوار. من خلال العمل مع هذه المجموعات الأصغر حجماً، يمنح انتباهاً فردياً أكبر إلى كل طالب يحاول فهم قواعد اللغة.

الأهم من ذلك أن تراينور بدأ حديثاً تشجيع طلابه على تسجيل وتحميل طريقة لفظ الكلمات على التطبيق، ومشاركة الأمر مع زملائهم في الصف، عبر استعمال الدرس. يبدو أن صوت زملائهم في الصف أجّج حماسهم بحسب قول تراينور: {هم يحاولون باستمرار تحديد الصوت الذي يسمعونه. لذا باتوا يولون اهتماماً أكبر للأصوات المختلفة. أظن أن هذه المقاربة حسنت طريقة كلامهم وإصغائهم بطريقة جذرية}.

تطبيق

صحيح أن معظم الدروس في تطبيق {ميمريز} يتمحور حول اللغات الأجنبية، لكن بدأ أساتذة المواد الأخرى يجلبون هذه التكنولوجيا إلى صفهم. يستعمل سايمون بيرش من مدرسة بروكسبورن في هيرتفوردشاير، مثلاً، هذا التطبيق لتعليم المصطلحات المتقدمة اللازمة لإجراء امتحانات تكنولوجيا الأغذية، بينما يستعملها قسم اللغة الإنكليزية في مدرسته لتحسين التهجئة. يقول بيرش: {لا يمكن المبالغة في تقدير المنافع في ما يخص القدرة على القراءة والكتابة}.

يأمل فريق {ميمريز} الآن تطوير خصائص إضافية يمكن أن تساعد الأساتذة مثل بيرش وتراينور، من خلال منحهم بيانات حول تقدّم الطلاب ليتمكنوا من تحديد أجزاء الدرس التي لا يستوعبها الطلاب. غداة نجاح {ميمريز}، يبدو أن شركات أخرى تفكر باحتمال استعمال فن وعلم الذاكرة في تطبيقات التعلم.

على سبيل المثال، يحدد تطبيق {سيريغو} الذي ظهر في سبتمبر 2013 توقيت التعلم والاختبار لتعزيز القدرة على التذكر، وقد أطلق فريقه حتى الآن دروساً حول تشريح الدماغ ونظرية الموسيقى وتاريخ الفن. تشير اختبارات الفريق الأولية التي شملت طلاب المدرسة إلى أن الصفوف تقدم أداء أفضل بنسبة تتراوح بين 20 و50% عبر استعمال ذلك التطبيق، وهم يعملون بكل نشاط مع الأساتذة والمؤسسات التعليمية لتطوير الدروس معاً.

هل نقترب إذاً من عصر التعلّم المريح والسهل الذي كان يتصوره كوك منذ البداية؟ هذا ما يظنه تراينور. أصبح كثيرون في صفه متعلقين بهذه المقاربة لدرجة أنهم يتدربون على اللغة الإسبانية طوعاً على أجهزة {آي باد} في منازلهم. هذا ما دفعه الآن إلى التخطيط لأربعة أو خمسة دروس مسبقاً: {هذه هي نقطة قوة التطبيق. التعلم لا يتوقف}.

back to top