لمَ الهواتف خطيرة على الطائرة؟

نشر في 21-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 21-09-2014 | 00:01
قد تحدث الهواتف الخلوية والأجهزة الأخرى خللاً في أنظمة إلكترونية حساسة، حسبما تشير بعض النظريات. ولكن لمَ لا يزال من الصعب إثبات الحقيقة وراء ادعاءات مماثلة؟
علي الإقرار بسر يشعرني بالذنب. كانت طائرتي تستعد للإقلاع من مطار هيثرو في لندن في شهر مارس عندما طلبت مضيفة الطيران كالمعتاد من الركاب إطفاء الأجهزة الإلكترونية كلّها. وبدل أن أنصاع لطلبها، دفعت بهاتفي الذكي عميقاً في جيبي. فكنت أرغب في التحقق من رسائل مهمة تتعلق بالعمل. ولا شك في أن جهازي الصغير هذا ما كان ليُسبب بسقوط الطائرة من الجو، أليس كذلك؟

يبدو أنني لست الوحيدة في تفكيري هذا. فقد أظهرت دراسة حديثة أن أربعة من كل عشرة ركاب على متن الطائرات الأميركية يقرون بأنهم لا يطفئون دوماً أجهزتهم خلال الرحلات الجوية. ومن أبرز الأمثل على ذلك رد فعل الممثل آليك بولدوين الغاضب على موقع تويتر بعد أن أُنزل من على متن طائرة كانت متوجهة من لوس أنجليس إلى نيويورك قبل أن تُقلع لأنه رفض التوقف عن اللعب بلعبة Words With Friends على شبكة الإنترنت بواسطة هاتفه.

تُصرّ قوانين الملاحة الموحدة حول العالم، على عدم السماح باستخدام الأجهزة الإلكترونية المحمولة على علو أقل من 3 آلاف متر، وإن ضُبطت على {نمط الطيران} الذي يوقف إرسال الإشارات. من الممكن فوق هذا الارتفاع استعمال الكمبيوترات المحمولة وأجهزة تشغيل الموسيقى. ولكن من الضروري إبقاء الهواتف مطفأة. تُعتبر هذه القواعد بالغة الأهمية، حسبما يُقال لنا، بغية تفادي أي تداخل خطير بين إرسال هذه الأجهزة والأجهزة الإلكترونية الحساسة على متن الطائرة. ولكن هل تستند هذه المخاوف إلى أي أسس علمية أم أن الوقت قد حان لتعديل هذه القواعد؟

ينبع الخوف من التداخل الخطير من واقع أن هذه الأجهزة ترتبط بشبكة الإنترنت أو شبكات الهاتف المحمول بواسطة موجات راديوية. لتوضيح هذه المخاطر النظرية، يشبه بيتر لادكين، بروفسور متخصص في شبكات الكمبيوتر والأنظمة المشوَّشة في جامعة بيالفلد في ألمانيا، هذه المسألة بحمل مشعل نار قرب أنابيب التدفئة في منزلك. يجري نظام التدفئة المركزي في المنزل عادةً التعديلات بناء على بيانات يتلقاها من موازين حرارة داخل الأنابيب. لكن المشعل يسخن الماء ويبدل البيانات بشأن درجة الحرارة، ما يدفع النظام إلى إجراء تعديلات.

من الممكن للأجهزة الشخصية المحمولة أن تعمل بالطريقة عينها على متن الطائرة. تعتمد هذه الأخيرة على مئات الأنظمة الإلكترونية على متنها (التي تُعرف بإلكترونيات الطيران)، فتستخدمها للطيران، التواصل مع الأرض، وتتبع كل العوامل التي تبقيها في الجو. ويشمل بعض هذه الأنظمة أجهزة استشعار تنقل المعلومات إلى معدات في قمرة القيادة. ولا تقتصر هذه المشكلة على الهواتف المحمولة، بل تشمل أيضاً أجهزة Kindle، iPod، الكمبيوترات المحمولة، واللعب الإلكترونية الصغيرة. فتُصدر كل هذه الأجهزة موجات راديوية. وإذا كانت هذه بترددات قريبة من إلكترونيات الطيران، فقد تحدث خللاً في الإشارات والبيانات. وقد يؤثر هذا في أنظمة مثل الرادار، التواصل، وتقنيات تفادي الاصطدام. وتزداد هذه المشكلة خطورة إذا تعرضت هذه الأجهوة لضرر ما وبدأت بإرسال موجات راديوية أقوى مما يجب، أو إذا اتحدت الإشارات من عدد من الأجهزة.

كفانا نظريات. هل تتوافر أدلة تؤكد أن هذه مشكلة؟ لا تشمل السجلات أي حادثة موثقة عن تحطُّمٍ حدث بشكل مؤكد بسبب تشويشٍ مماثل. لكن أسباب التحطم المؤسفة هذه تبقى أحياناً مجهولة. فلا تستطيع الصندوق الأسود في الطائرة تحديد إخفاق نظام الملاحة بسبب تشويشات كهربائية-مغناطيسية منبعثة من أجهزة الركاب.

خلل في النظام

صحيح أن الباحثين لا يملكون دليلاً قاطعاً، ولكن يتوافر كثير من الأدلة غير الحاسمة التي تؤكد ضرورة أخذ هذه المخاطر على محمل الجد. ففي شهر يناير من هذه السنة، نُشر تقرير يلخص خمسين حالة ترتبط بالسلامة يُعتقد أنها تعود إلى أجهزة إلكترونية شخصية. جُمعت هذه المعلومات من نظام تقارير سلامة الطيران الأميركي، وهو قاعدة بيانات تعدها وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) ويستطيع أفراد الطاقم إدراج تقارير عن مشاكل السلامة فيها من دون تحديد هويتهم. جاء في إحدى الحالات التي تناولها التقرير: {أولاً، أبلغ الطيار عن حدوث خللٍ في نظام البوصلة خلال الإقلاع. وعندما طُلب من الركاب التأكد من أن كلّ أجهزتهم الإلكترونية مطفأة، عاد نظام البوصلة إلى طبيعته}.

حدّد تحليلٌ تناول قاعدة البيانات هذه عام 2006 نحو 125 تقريراً عن تشويش سببُه أجهزة إلكترونية، علماً أن العلاقة بين التشويش الحاصل والأجهزة الإلكترونية اعتُبرت في 77 منها {قوية جداً}. ففي أحد الحوادث، صُحح خطأ بمقدار 30 درجة في معدات الطيران في الحال، عندما أطفأ أحد الركاب جهاز DVD محمولاً كان يستخدمه. لكن هذه المشكلة عاودت الظهور حين أعاد تشغيل الجهاز. يقدم الطيارون تقارير عن حالات مشابهة كثيرة يلاحظون خلالها أنّ البيانات في أنظمة الملاحة تتبدل عندما تتفاعل، على ما يبدو، مع الطلب من الركاب إطفاء بعض الأجهزة. ففي تقرير آخر، حددت الجمعية الدولية للنقل الجوي 75 حالة منفصلة عن تشوشات إلكترونية محتملة يعتقد الطيارون أنها ترتبط بهواتف خلوية وأجهزة إلكترونية أخرى بين عامَي 2003 و2009.

في عالم الطيران التنافسي، بدأت بعض الخطوط الجوية، مثل Virgin Atlantic

وDelta Airlines، الترويج لاستخدام أنواع من التكنولوجيا تسمح باستعمال أوسع للأجهزة المحمولة خلال الرحلات الجوية. تعتمد أنظمة الهواتف الخلوية خلال الطيران، مثل OnAir أو AeroMobile، محطات صغيرة على متن الطائرة تُدعى picocells تسمح للأجهزة ببث إرسالها وفق مستويات أدنى. فتُعالج الإشارات، وتُنقل إلى قمر اصطناعي، ومن ثم إلى شبكة أرضية عادية. يوضح مدير AeroMobile التنفيذي كيفن روجرز أن هذا الامر يسمح باستخدام الهواتف الخلوية {كخدمة تجوال (Roaming)، تماماً كما يحدث عندما تنتقل إلى بلد أجنبي، مع أنك لا تحتاج في البلد الأجنبي إلى استخدام الأقمار الاصطناعية}. وقد بدأت بعض الخطوط الجوية بتزويد طائراتها بمعدات AeroMobile خلال عملية التصنيع.

تسمح لك هذه الأنظمة باستخدام هاتفك خلال الطيران فحسب، لا خلال الإقلاع والهبوط. إلا أن روجرز يعتقد أن هذه الحال قد تتبدل ذات يوم. ولكن في الوقت الراهن، ما زال من الصعب {التأكيد بشكلٍ قاطعٍ أن ما من تشويش. لذلك تميل خطوط الطيران إلى اتحاذ الحيطة والحذر والتحفظ بشأن هذه المسألة}.

لكن روجرز يضيف: {يُترك الكثير من الهواتف مضاءً في مطلق الأحوال. ولو كان خطر تشويش جهاز خلوي أو جهاز iPad على أنظمة الطائرة حقيقياً، لما سُمح للناس بإدخالها إلى الطائرة في المقام الأول}.

رغم ذلك، لا تزال بعض الشكوك تراود السلطات القيمة على الطيران. على سبيل المثال، لا يمكن استخدام خدمات خلوية في الجو في المجال الجوي الأميركي. لكن إدارة الطيران الفدرالية الأميركية تعرضت أخيراً لضغط كبير كي تُعدّل قواعدها هذه. لذلك شكلت السنة الماضية مجموعة من الخبراء لدراسة هذه المسألة. ومن المتوقع أن تصدر قرارها في نهاية هذه السنة.

يعتقد ريتشارد تايلور، متحدث باسم سلطة الطيران المدني في المملكة المتحدة، أن استخدام الأجهزة المحمولة في الطائرات سيزداد بمرور الوقت، إلا أن ذلك سيبقى محظوراً خلال عمليتي الإقلاع والهبوط في المستقبل القريب.

يتابع تايلور موضحاً: {عندما يقتنع المنظمون مثلنا بأنه من الممكن ركوب الطائرة بأمان حتى لو كانت أجهزة إلكترونية محمولة تُستخدم على متنها، وأنه من الممكن امتصاص الإشارة المنبعثة من هذه الأجهزة بأمان من دون أن تؤثر في أنظمة الطائرة، فسنُخفّف بالتأكيد من إجراءاتنا المتشدّدة. ولكن على المصنعين وشركات الطيران أن يبرهنوا أولاً أنهم يشغّلون الطائرة بأمان ولا يعرضوّن سلامة الركاب للخطر}.

قد يحل ذلك اليوم قريباً. ولكن بعدما أدركت شخصياً أن تأكيد عدم تأثر الطائرات بالتشويش مهمةٌ صعبة، فإنني سأحرص على إطفاء هاتفي في المرة المقبلة. فعندما أكون متوجهة لقضاء عطلتي في الشمس، لا أريد أن يكون هاتفي المسؤول عن خداع الطيار ودفعه إلى الهبوط في مكان ماطرٍ أو عن أحداثٍ أسوأ بعد.

back to top