«الدولة الإسلامية»... ألمانيا تحاكم المقاتلين العائدين إليها

نشر في 21-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 21-09-2014 | 00:01
توجه مئات الإسلاميين المتطرفين من ألمانيا إلى سورية والعراق للمحاربة مع {الدولة الإسلامية}. عاد كثيرون إلى وطنهم منذ ذلك الحين. بدأ نظام المحاكم في ألمانيا الآن يستعد للمعارك القانونية المقبلة ولكنه يواجه تحديات لا تُعدّ ولا تُحصى. {شبيغل} ألقت الضوء عليها.

يتذكر اللاعبون في فريق {توس ماكابيت فرانكفورت} أن كريشنك ب. كان مدافعاً جديراً بالثقة. بما أنه كان عضواً في فريق الشباب اليهودي لكرة القدم، كان يحرص على إبعاد اللاعبين الخصوم عن مرماه. حتى إنه كان يسدد بعض الرميات بنفسه. كان كريشنك ب. المسلم يرتدي كنزة الفريق الزرقاء بكل سرور مع أنها كانت مزينة بحروف عبرانية وبنجمة داود. يتذكره قائد الفريق ألون ماير قائلاً: {كان فخوراً بدخول الملعب وهو يضع تلك النجمة}.

بعد ثلاث سنوات من اللعب مع الفريق، استبدل كريشنك ملعب كرة القدم بساحة المعركة. في سبيل الله، قيل إنه انضم إلى {الدولة الإسلامية} في معركتها لإنشاء دولة الخلافة الإسلامية في الشرق الأوسط. كتب لشقيقته من الشرق الأوسط وطلب منها أن تصلي له كي يصبح شهيداً: {الجهاد في هذه الأيام واجب فردي. أرتعب وأحارب وأقوم بواجبي في سبيل الله. أحمل سلاح الكلاشنكوف وأنطلق باسم الله}.

أصبحت الأشهر الخمسة التي أمضاها كريشنك ب. (عمره الآن 20 عاماً) في سورية وهو يقاتل مع «الدولة الإسلامية» سبباً لرفع دعوى ضده في فرانكفورت. هو متهم بالانتماء إلى منظمة إرهابية و»التحضير لعملية خطيرة من التخريب العنيف».

ستكون محاكمته المرة الأولى التي يمثل فيها مقاتل في {الدولة الإسلامية} أمام محكمة ألمانية. ولكنها لن تكون الأخيرة طبعاً. أصبح عدد المجاهدين الذين غادروا البلد إلى سورية، فضلاً عن عدد داعمي {الدولة الإسلامية} في ألمانيا، أكبر مما كان عليه خلال صراع أفغانستان. في الوقت الراهن، يجري العمل على 140 تحقيقاً في ألمانيا ضد مقاتلي {الدولة الإسلامية} أو مناصريهم. هذا الرقم في تصاعد مستمر. استلمت النيابة العامة الفدرالية 33 قضية تشمل أكثر من 60 مشتبهاً به، لكن بدأت القضايا تتراكم في أنحاء البلد.

بدأ السياسيون أيضاً يفكرون بالطرق المحتملة لوقف المجاهدين وحملتهم الدعائية التي تزداد جرأة وتروّج لخوض {الحرب المقدسة}. يوم الجمعة الماضي، اعتبر وزير الداخلية الألماني توماس دو مازيير أي شكل من الدعم للدولة الإسلامية غير شرعي، وتبحث مجموعة من فرق العمل الحكومية بقيادة وزارة الداخلية في هيسن راهناً عن طرق لمنع الشباب المسلم من الانزلاق في المشهد الإسلامي المتطرف منذ البداية. الهدف هو محاربة العدد المتزايد من المسلمين الشباب الذين ينضمون إلى الجهاد.

انتشار الرعب

كريشنك ب. ابن لاجئَين من كوسوفو، وهو يمثل على مستويات عدة طريقة تجنيد المجاهدين في ألمانيا. وفق لائحة الاتهام، قيل إنه ركب حافلة متوجهة إلى اسطنبول في فرانكفورت مع ستة آخرين في عام 2013. انطلاقاً من هناك، تابعوا طريقهم نحو سورية.

كتب كريشنك لشقيقته خلال الرحلة: {لا أهمية للجماعة التي سأقاتل معها في النهاية. الأهم أنني أحارب لأجل الشريعة وأستطيع القيام بأعمال حسنة كثيرة لخدمة الله}. كان نصيبه أن ينضم إلى {الدولة الإسلامية} بالقرب من مدينة حلب السورية.

رفضت جماعات متطرفة أخرى قبول الرجال الغربيين الذين يفتقرون إلى الخبرة، علماً أن معظمهم ما كان يجيد اللغة العربية. لكن قبلتهم {الدولة الإسلامية} كلهم تقريباً كدروع بشرية أو انتحاريين أو رهائن عند الحاجة للحصول على أموال الفدية.

شارك كريشنك ب. في برنامج للتدرب على استعمال الأسلحة وقام بمهام الحراسة والمحاربة. في ألمانيا، قصد أهله الشرطة وكانوا مستعدين على ما يبدو للسفر إلى سورية لإقناع ابنهم بالعودة إلى دياره. كتب كريشنك لشقيقته: {أخبري أمي بألا تشعر بالرعب لأنني أحمل سلاحي معي}.

لكن لم تدم متعة الجهاد طويلاً. سرعان ما بدأ كريشنك يتذمر لشقيقته من المضايقة التي يتعرض لها من  قائده ومن الجدل المتواصل ونوبات الحراسة المملة. في أحد الأيام، ذكر أن {ثلاثة أو أربعة أشخاص} من مجموعته ماتوا: {لقد أطلقنا النار على الدبابات وحاولنا كل شيء، لكن لم ننجح}.

ثم جاء رئيس المجموعة وقال: {أحتاج إلى أربعة أشخاص لكن يجب أن يعرفوا أنهم لن يعودوا أحياء}. لم يكن المجاهد الألماني مستعداً لمهمة مماثلة فعاد إلى فرانكفورت في 12 ديسمبر 2013 حيث تم اعتقاله.

مشهد سلفي

لطالما كان السبب الذي يدفع شباناً مثل كريشنك ب. للمخاطرة بحياتهم في حروب بعيدة لغزاً بالنسبة إلى السلطات الألمانية. لكن أعدّ المسؤولون الأمنيون حديثاً تقريراً من 18 صفحة لتحليل عملية التطرف. فوفر التقرير أجوبة أولية وكانت نتائجه مفاجئة في بعض الحالات.

من أصل 378 شخصاً توجهوا إلى سورية {لدوافع إسلامية} في نهاية شهر يونيو، يذكر التقرير أن أكثر من 40 شخصاً منهم كانوا من النساء. وكان 16 فرداً منهم قاصرين وقد بلغ أصغرهم 15 عاماً لتوه. وُلد ثلثا الشبان تقريباً في ألمانيا وغادر نصفهم بِنيّة الانضمام إلى الجهاد. تظن السلطات أن الغالبية الساحقة (84%) هي جزء من {المشهد السلفي}.

لم يكن جميع المسلمين المتطرفين في ألمانيا يعيشون على هامش المجتمع أو لا مستقبل لهم. نال أكثر من مئة منهم شهاداتهم قبل أن يغادروا، وأكمل 41 منهم شهادة {الأبيتور} التي تمهد لدخول الجامعة في ألمانيا. وتسجّل 43 منهم في الجامعات.

وجدت الدراسة أن {أهم عامل للتطرف} هو الأصدقاء. في 114 حالة، كان تأثيرهم على كل من انضم إلى الجهاد كبيراً. تبين أن دائرة أصدقاء المجاهدين أهم من عمل المجنِّدين أو الواعظين المتطرفين في المساجد السلفية. في ثلثَي الحالات، أدت شبكة الإنترنت دوراً في عملية التطرف أيضاً.

لكن يفتقر التقرير الذي أمرت وزارة الداخلية بإعداده إلى أفكار واضحة حول كيفية مواجهة العدد المتزايد من الإسلاميين المتعصبين. بما أن معظم الشبان احتاج إلى أكثر من سنة كي يصبح متطرفاً (ما يوفر نظرياً وقتاً كافياً للتدخل)، ثمة بصيص أمل. لكن نادراً ما يلحظ أفراد العائلة أو الأصدقاء غير الإسلاميين أو الأساتذة أو العاملون الاجتماعيون تغيرات تدريجية تطاول المقربين منهم حين يصبحون أكثر تطرفاً.

{حبي لله أكبر}!

يُعتبر اسماعيل ي. استثناءً على القاعدة، فقد كان تحوله سريعاً جداً. سيصبح على الأرجح الألماني المقبل الذي يمثل أمام المحكمة بتهمة الانضمام إلى الجهاد في سورية. من المتوقع أن تبدأ المحاكمة في شتوتغارت في نهاية شهر أكتوبر.

لم يحقق الشاب المولود في لبنان وعمره 24 عاماً نجاحاً كبيراً في حياته. تمكن من نيل الشهادة الثانوية، ولو من مدرسة متدنية المستوى، لكنه عجز عن إيجاد منحة تدريبية لاحقاً. بسبب تعاطي المخدرات والتغيب عن الحصص، سرعان ما طُرد من كلية مهنية ثم عمل لفترة قصيرة في مخبز وفي مطعم {كي أف سي} في شتوتغارت. دام زواجه لبضعة أشهر فقط.

تعرّف اسماعيل ي. في المرحلة اللاحقة إلى شخصيات مهمة داخل المشهد السلفي الألماني، بما في ذلك الواعظ سفين لاو الذي ظهر أخيراً في نشرات الأخبار لأنه أرسل {شرطة الشريعة} لإجراء دوريات في فوبرتال. بعد المشاركة في الحج مع لاو، يُقال إن اسماعيل هرب من دوسلدورف إلى مدينة غازي عنتاب التركية في 22 أغسطس 2013. ثم ركب من هناك في حافلة متجهة نحو الحدود السورية. ترك رسالة لعائلته ذكر فيها: {أحبكم، لكنّ حبي لله أكبر}.

في سورية، قيل إنه انضم إلى {جيش المهاجرين والأنصار}، وهي جماعة شيشانية في معظمها وتشمل مقاتلين إسلاميين كانوا قد اندمجوا مع {الدولة الإسلامية} خلال السنة الماضية.

يبدو أنه هرب إلى شتوتغارت بطلب من الجماعة في خريف عام 2013، ثم ذهب هناك لشراء حاجيات الحرب، فاشترى كميات كبيرة من ملابس التمويه وأجهزة الرؤية الليلية والمشارط ودواء {سيلوكس} الذي يبطئ النزيف. مقابل 850 يورو، اشترى أيضاً سيارة قديمة وكبيرة كي يستعملها وأحد مساعديه لنقل مشترياته إلى سورية. لكنهما لم يتقدما كثيراً بل اعتُقلا في 13 نوفمبر في محطة استراحة على الطريق السريع بين شتوتغارت وأولم.

تعكس قضية اسماعيل التحدي الذي يواجهه القضاء الألماني للتعامل مع الحرب السورية الشائكة على بُعد ثلاثة آلاف كلم. تورطت جماعات رئيسة وفرعية ومتشعبة في القتال هناك ولا يسهل تحديد الأشخاص المنتمين إلى {الدولة الإسلامية}.

يجب أن تجري النيابة العامة الفدرالية التي اتهمت اسماعيل في شهر مايو  تحقيقات دقيقة. هي مسؤولة عن جميع القضايا المتعلقة بالجرائم المرتكبة بسبب الانتماء إلى منظمة إرهابية خارجية أو دعمها.

تحديات استثنائية

تشير المعطيات التاريخية إلى أن المحاكمات تدوم أكثر من سنة. رسمياً، ذكر مكتب النيابة العامة الفدرالية وجود {تحديات استثنائية أمام التحقيقات الجنائية}. على الصعيد غير الرسمي، دقت النيابة العامة حديثاً ناقوس الخطر في وزارة العدل: إذا استمر ارتفاع عدد القضايا بهذه الوتيرة، ستفيض الدعاوى التي يتولاها المكتب عاجلاً أو آجلاً.

في قضية كريشنك ب.، يجري العمل على عقد صفقة يمكن أن ترضي جميع الأطراف المعنية. أشارت المحكمة إلى أن كريشنك قد يواجه حكماً أخف إذا قدّم اعترافاً شاملاً. قبل المحاكمة، قيل إن محامي الدفاع والمدعين العامين تقابلوا مع القاضي تمهيداً لعقد صفقة مماثلة. لكن نظراً إلى احتمال إدانة كريشنك وفق قانون الأحداث، فلن يكون الحكم قاسياً على الأرجح. صرح محامي المدعى عليه موتلو غونال لصحيفة {شبيغل} بأنه سيكون منفتحاً على صفقة للتوصل إلى تسوية.

لكن يواجه صانعو السياسة تحدياً أصعب من خبراء القانون في ما يخص السياحة الجهادية. يظن المسؤولون أن 120 شخصاً عادوا إلى ألمانيا من سورية حتى الآن، لكن لم يتضح في حالات كثيرة ما كان الشخص المعني يفعله في سورية: هل كان يحارب ومع أي جماعة؟ الأهم من ذلك هو أنّ أحداً لا يعرف ما إذا كان هؤلاء الأشخاص يطرحون تهديداً بعد عودتهم إلى ديارهم. ذكر التقرير الذي أعدّه المسؤولون الأمنيون أن 24 شخصاً فقط ممن عادوا كانوا {متعاونين مع السلطات}. يرفض آخرون التكلم أو الاعتراف بنيّتهم جلب معركة {الدولة الإسلامية} إلى ألمانيا.

تحدث صانعو السياسة المحلية حديثاً عن {حظر الدولة الإسلامية} في ألمانيا. لكن للقيام بذلك، يجب أن يثبتوا أن الجماعة بنت هياكل لها هناك، لكن لم يثبت ذلك بعد. عقد مسؤولون استخباريون من أنحاء البلد مؤتمراً هاتفياً لمناقشة القواعد التي يمكن فرضها. في اليوم التالي، أعلن وزير الداخلية دو مازيير حظر جميع الأعمال التي تدعم {الدولة الإسلامية}.

لم يتضح بعد مدى فاعلية الحظر ضد الناشطين في {الدولة الإسلامية}. لا شك أن هذا القرار سيساهم في كبح داعمي {الدولة الإسلامية} الفرديين لمدة سنتين إذا رفعوا علم الجماعة أو استعملوا رموزها أو نشروا فيديوهاتها الدعائية عبر الإنترنت. لكنّ حظر {الدولة الإسلامية} كجماعة ليس ممكناً بعد لأن هذا النوع من الجماعات ليس موجوداً في ألمانيا. بالتالي، يعمل دو مازيير في منطقة قانونية مبهمة. قال: {نريد القضاء على ظاهرة نشوء هياكل الإرهاب المنظم في مهدها}.

أثر الردع

تتعلق مشكلة أخرى بالحاجة إلى رسم خط واضح بين شعارات {الدولة الإسلامية} وبين الرموز العادية للإيمان المسلم. في الحالات الفردية، قد يكون هذا الأمر شائكاً لذا بقي قرار الحظر قيد الدرس لفترة طويلة. قال دو مازيير: {أردنا أن نتأكد من أننا لا نهين الحساسيات الدينية للمسلمين}. يأمل أن يعطي هذا القرار {أثراً رادعاً}.

ذهبت اقتراحات أخرى إلى حد أبعد. يحظى أحدها بتأييد واسع بين أعضاء حزب {الاتحاد الديمقراطي المسيحي} بقيادة أنجيلا ميركل، ويقضي بإضافة بند إلى القانون الجنائي الذي كان يُستعمل لمحاربة الجماعة الإرهابية اليسارية الألمانية {فصيل الجيش الأحمر}.

يقول خبير السياسة المحلية أرمين شوستر من حزب {الاتحاد الديمقراطي المسيحي}: {يجب أن نجرّم مجدداً أي تعاطف مع المنظمات الإرهابية. سيصيب هذا القرار مناصري {الدولة الإسلامية} في ألمانيا في الصميم}.

لكن تصرّ المعارضة في برلين على رفض تشديد القوانين المضادة للإرهاب. تقول خبيرة السياسة المحلية أيرين ميهاليك من حزب الخضر: {ثمة أوراق ضغط كافية لفرض الحظر والضوابط على الإرهابيين ومناصريهم. لا بد من تطبيقها بصرامة بكل بساطة}.

back to top