إفريقيا وحتمية التعليم

نشر في 20-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 20-09-2014 | 00:01
 فيسواناثان شنكار أطلق الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على التعليم وصف "الاستثمار الأفضل على الإطلاق" الذي تستطيع أي دولة أن ترعاه لبناء "مجتمعات مزدهرة موفورة الصحة وتنعم بالعدل والمساواة"، ولن نجد هذه الرؤية أكثر وضوحاً وتأثيراً من حالها في إفريقيا، حيث مكنت الاستثمارات الواسعة النطاق في التعليم تحقيق مكاسب هائلة في محو الأمية، والالتحاق بالمدارس والجامعات في السنوات الأخيرة، ولكن الطريق لا يزال طويلاً أمام القارة.

وفقاً لمنظمة اليونيسيف، تُعَد منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا موطناً لأكثر من نصف الـ58 مليون طفل في مختلف أنحاء العالم الذين لا يذهبون إلى المدرسة، وخصوصا الفتيات والنساء الشابات، وأكثر من واحد من كل خمسة أفارقة في المرحلة العمرية 15 إلى 24 سنة يعانون البطالة، وثلثهم فقط أكملوا تعليمهم الابتدائي، ورغم إحراز بعض التقدم فإن معدل الالتحاق بالتعليم العالي لا يزال منخفضا. ومن المحبط إلى حد كبير أن العديد من المؤشرات الاجتماعية أصبحت راكدة أو في انحدار، إذا ما علمنا أن إفريقيا تُعَد موطناً لأسرع الاقتصادات نمواً في العالم، ووفقاً لتقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة، فإن عدد الأفارقة الذين يعيشون في فقر مدقع ازداد في الفترة من 1990 إلى 2010 نحو 40%، لكي يبلغ 414 مليون شخص، وأربع من كل خمس وفيات بين الأطفال دون سن الخامسة تحدث في إفريقيا. ومع ذلك، هناك سبب وجيه للتفاؤل والأمل، فعلى مدى العقود القليلة المقبلة، من المتوقع أن تسجل إفريقيا أسرع نمو في عدد الأفراد الأثرياء، وتشير دراستان حديثتان بتكليف من بنك ستاندرد تشارترد إلى أن الأعداد المتزايدة من الأثرياء ينظرون إلى التعليم بوصفه أولوية قصوى.

في الدراسة الأولى، يخطط أغلب من شملهم الاستطلاع من أفراد الطبقة المتوسطة في نيجيريا وغانا وكينيا لإنفاق المزيد على تعليم أطفالهم في السنوات الخمس المقبلة، حتى رغم أن نحو 20% منهم حصلوا على الحد الأدنى من التعليم. يقول مثل صيني إن كل الآباء يريدون أن يكون أبناؤهم أفضل من كل البشر، ولا يختلف عنهم الآباء الأفارقة في ذلك.

وأظهرت الدراسة الثانية أن أصحاب الأعمال الأفارقة الذين حققوا أعلى القيم الصافية أعطوا التعليم أولوية قصوى في أنشطتهم الخيرية، مع انخراط أكثر من 90% منهم بالفعل في أعمال خيرية مرتبطة بالتعليم، وفي نيجيريا، حيث يوجد 150 طائرة نفاثة خاصة ولكن أربع مؤسسات خيرية مسجلة فقط. تبرع أليكو دانجوتي، أغني شخص في إفريقيا، بما يقرب من 200 مليون دولار لتخصيصها لأغراض تعليمية في العامين الماضيين. كما قدم آخرون من محبي أعمال الخير المحليين، مثل سترايف ماسييوا ونيكي أوبنهايمر، مساهمات كبيرة. وسوف يشكل هؤلاء المحسنون، جنباً إلى جنب مع المؤسسات الخاصة والقطاع العام، ضرورة أساسية لضمان اكتساب كل الشباب الأفارقة- وليس فقط أولئك الذين ينتمون إلى أسر ثرية- القدرة على تحصيل التعليم العالي الجودة.

ولكن الأمر يحتاج إلى ما هو أكثر من المال، فلابد أن يتجاوز الناس تحرير الشيكات للأعمال الخيرية وأن يساهموا بشكل نشط في بناء المدارس، وتمويل المنح الدراسية، وتدريب المعلمين، ومن حسن الحظ أن هذا أيضاً بدأ يحدث بالفعل.

على سبيل المثال، يعمل بنك ستاندرد تشارترد، بالشراكة مع مؤسسة Varkey GEMS، على تمويل تدريب معلمي المدارس في أوغندا، استناداً إلى اعتقاد بأن التعليم الأعلى جودة من شأنه أن يقود إلى نتائج تعليمية أفضل، وتقوم مؤسسة ماستر كارد بتزويد المحرومين من الطلاب الأفارقة بالمساعدة المالية لإعانتهم على الالتحاق بالمدارس الثانوية والجامعات.

ويعلم كل هؤلاء الفاعلين أن ذلك النوع من النمو المستقر الشامل الذي تدعمه قوة العمل المتعلمة سوف يعود عليهم بفوائد لا حصر لها، ولكن ضمان النجاح الاقتصادي الطويل الأجل ليس مسألة زيادة نسبة المتعلمين ومعدلات الالتحاق بالجامعات فحسب؛ بل يتطلب الأمر أيضاً وجود نظام تعليمي يجهز العمال لتلبية متطلبات سوق العمل السريعة التغير في المنطقة.

وهذا يعني في المقام الأول ضمان اكتساب كل الناس المهارات العملية الكفيلة بدفع عجلة التنمية الاقتصادية في العقود المقبلة، والأمر الأكثر أهمية أن يكون عدد العاملين القادرين على صنع الأدوات الصغيرة، وتصميم المنسوجات، وإدارة الرعاية الصحية، وفصل الإنزيمات أكبر من عدد خريجي التاريخ والآداب. وهو يعني أيضاً ضرورة خلق مسارات واضحة تربط التعليم بالتوظيف وتشغيل العمالة، على غرار ما حدث في سنغافورة وألمانيا.

يصف داجنوتي كيف تقدم الآلاف من خريجي الجامعات للحصول على حفنة من وظائف قيادة الشاحنات الشاغرة في مصنعه، وقد دفعته هذه التجربة إلى إنشاء أكاديمية داجنوتي، وهي عبارة عن مركز لتنمية المواهب يهدف إلى المساعدة في سد فجوة المهارات الصناعية في نيجيريا وغيرها من البلدان، وهي مبادرة بالغة الأهمية في مواءمة التعليم مع التنمية الاقتصادية وتعزيز الازدهار والرخاء.

بحلول عام 2040، سوف يبلغ عدد المواطنين الأفارقة في سن العمل نحو 1.1 مليار؛ أكثر من الهند أو الصين، ومن خلال التعليم المناسب وفرص العمل سوف تتمكن قوة العمل الهائلة هذه من تحقيق النمو الاقتصادي السريع والمستدام للمنطقة بالكام، ومن دون ذلك فمن المرجح أن تشهد القارة ارتفاعاً كبيراً في معدلات البطالة، فضلاً عن اتساع فجوة التفاوت بين الناس، والاضطرابات الاجتماعية، وفي نهاية المطاف الصراع والفوضى.

* المدير التنفيذي للمجموعة والرئيس التنفيذي لأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا والأميركتين في بنك ستاندرد تشارترد.

«بروجيكت سنديكيت»

بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top