هل أصبح العراق النسخة الأميركية من غزة؟

نشر في 19-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 19-09-2014 | 00:01
 ليون هادار خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة مع "حماس"، وهي حصلت تزامناً مع إطلاق "داعش" حملتها الهمجية في بلاد ما بين النهرين والشام، كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يأمل أن يسجل بضع نقاط مع الأميركيين والغربيين من خلال المساواة بين الحركة الإسلامية الفلسطينية التي تحكم قطاع غزة والقوى السنية المتطرفة التي تدير نظام الخلافة في العراق وسورية.

لكن مثلما لم تكن الأنظمة والحركات الشيوعية تشكل كتلة متجانسة خلال الحرب الباردة، لا يواجه الغرب قوة إسلامية موحدة اليوم، إذ تتعدد الفئات التي تتراوح بين إرهابيّي "داعش" الذين ينفذون ممارسات من القرون الوسطى و"الإخوان المسلمين"، ولا ننسى الانقسامات القائمة بين السُّنة والشيعة.

"حماس" هي فرع من "الإخوان المسلمين"، وهي تسوّق أجندة فلسطينية قومية وإسلامية، وهي لا تشبه "داعش" على وجه التحديد، ولكنها تمثل الإسلام الذي بات يُستعمل اليوم كهوية وكقوة سياسية وعسكرية: العرب السُّنة الذين يقاتلون الشيعة والغربيين في العراق وسورية؛ والعرب السُّنة الذين يحاربون اليهود في إسرائيل-فلسطين.

في الحالتين معاً، تطرح هذه الجماعات الإسلامية التي تعكس نزعة دينية متعصبة لدى أعضائها، بما في ذلك الاستعداد للموت كانتحاريين في سبيل قضيتهم، تحديات كبرى أمام القادة الغربيين والرأي العام في عصرٍ يطغى عليه المستهلكون العلمانيون وغير الإيديولوجيين من الطبقة الوسطى، وهذه الفئة تريد العيش، وليس الموت، من أجل بلدها.

بعبارة أخرى، يتردد القادة الغربيون في إرسال مواطنيهم لمحاربة الأفراد والجماعات التي تتبنى مجموعة من القيم والسلوكيات التي تعود إلى عصر ما قبل الحداثة، ولن يكون نشر القوات الميدانية لاحتلال الأراضي العربية أمراً مكلفاً على مستوى الخسائر البشرية والمادية المباشرة فحسب، بل إنه تحرك مكلف من حيث الفاعلية إذا استنتجنا استحالة كسب دعم السكان المحليين.

وفق المصطلحات التي استعملها الرئيس باراك أوباما في خطابه المتلفز، ربما نتمتع بالقوة اللازمة لـ"سحق" هؤلاء الرجال، لكننا لا نملك على الأرجح القدرة والإرادة لـ"تدميرهم" بالكامل.

من ناحية معينة، تبدو الحسابات متشابهة في قرار رئيس الوزراء السابق أرييل شارون بسحب القوات الإسرائيلية بشكل أحادي الجانب من قطاع غزة في عام 2005 وقرار الرئيس أوباما بإنهاء الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2011، فضلاً عن الامتناع عن غزو هذه المناطق مجدداً.

كانت إسرائيل في قطاع غزة، والولايات المتحدة في العراق، تملكان الموارد العسكرية لمتابعة احتلال هذه الأراضي العربية على التوالي، لكن لم يكن الرأي العام الإسرائيلي والأميركي مستعداً لتكبد الخسائر البشرية للحفاظ على وجود عسكري وسط شعب عربي عدائي.

حين نفكر بردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة غداة إقدام "حماس" على إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل وبالردود الأميركية على قطع رأس صحافيَّين أميركيَين على يد "داعش"، يجب أن نتذكر أن القرارين (أي الانسحاب من غزة ومن العراق) حظيا بدعم شعبي واسع. افترض الجميع أن القوة العسكرية ستشكل أداة ردع ضد المعتدين المحتملين مستقبلاً وأن الإسرائيليين والأميركيين يستطيعون السيطرة على الوضع الميداني عبر نوع معين من التحكم عن بُعد.

من أبرز نقاط التحول المدهشة في حرب إسرائيل و"حماس" الأخيرة، نذكر قرار الحكومة الإسرائيلية (وهي الحكومة الأكثر قومية في تاريخ البلد) بعدم غزو قطاع غزة بالكامل مجدداً رغم الوعود المتكررة التي أطلقها رئيس الوزراء نتنياهو بتدمير "البنى التحتية الإرهابية" التابعة لحركة "حماس".

السبب الذي يبرر عدم وجود نسخة إسرائيلية من "مسيرة شيرمان نحو البحر" في غزة (أو عدم ظهور دعوات تشبه تلك التي سبقت الحرب العالمية الثانية لضمان استسلام "حماس" من دون شروط) لم يكن يتعلق حصراً بارتفاع تكاليف تلك الحملة بل باستنتاج توصل إليه القادة والجنرالات الإسرائيليون: لن يكون الأشخاص المهزومون في غزة (على عكس سكان الجنوب بعد الحرب الأهلية الأميركية أو ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية) مستعدين في ظل أي ظروف لتقبّل أي نوع من التسوية الإسرائيلية بعد الحرب، حتى لو شملت مساعدات مالية خارجية لإعادة البناء.

لماذا؟ إنه السبب نفسه الذي سيدفع سكان غزة على الأرجح إلى إعادة انتخاب "حماس" إذا جرت الانتخابات هناك، إنه السبب نفسه الذي جعل الغزو الأميركي للعراق وتطبيق "أجندة الحرية" يؤديان إلى تنامي نفوذ القوى الطائفية بدل الجماعات الليبرالية في العراق ولبنان وفلسطين، إنه السبب نفسه الذي جعل "الإخوان المسلمين"، بدل الثوار الشباب الناشطين على فيسبوك، يفوزون في أول انتخابات حرة في مصر، قبل عودة الجيش إلى السلطة في القاهرة.

الشرق هو الشرق والغرب هو الغرب، ولا سبب يدعونا لنصدق أن العالَمين سيلتقيان في أي وقت قريب. بدأ معظم العالم العربي يتحرك في اتجاه النزعة الإسلامية ويرفض مفهوم الهيمنة الغربية كنظام من القيم أو كمجموعة من الأهداف السياسية، فالعرب مستعدون للتعاون مع الولايات المتحدة خدمةً لمصالحهم العسكرية والاقتصادية، ويقتصر الأمر على ذلك.

لم يعد الإسرائيليون يصدقون الآن أنهم سيتمكنون من عقد "سلام" مثالي مع الفلسطينيين (مثل السلام القائم بين ألمانيا وفرنسا أو الولايات المتحدة) في المستقبل القريب، لا سيما في ظل زيادة نفوذ الجماعات الإسلامية مثل "حماس" في فلسطين وأماكن أخرى، علماً أن هذه الجماعات تكون مستعدة في أفضل الأحوال لقبول فكرة التعايش مع إسرائيل على المدى القصير.

قد تصبح المقاربة الإسرائيلية التي اتضحت خلال الحرب في غزة نموذجاً للعمليات العسكرية الأميركية في العراق وسورية خلال السنوات المقبلة، وهي تقضي باستعمال التفوق التكنولوجي والقوة الجوية الإسرائيلية لـ"سحق" "حماس" تزامناً مع التعاون مع الشركاء المحليين (أي مصر بالنسبة إلى إسرائيل) للضغط على العدو وعزله وإنشاء ميزان قوى يصب في مصلحة البلد.

بالتالي، إذا كنا لا نستطيع هزمهم (أو غير مستعدين لذلك)، يمكن "سحقهم" بالطائرات بلا طيار والصواريخ والقوة الجوية والتعاون مع شريك موقت (الأردنيين) ومع العملاء (الأكراد) وحتى الخصوم (إيران) لمحاولة الضغط على عدو اليوم ("القاعدة"، "داعش"). لكن وسط العالم الغني بالتقلبات المستمرة والتغطيات الإعلامية، يجب تسويق نتائج السياسات المطبقة على أنها مكاسب عسكرية وادعاء أن هذا الوضع كله سيولّد ظروفاً تمهّد للحل الدبلوماسي، ففي أفضل الأحوال، سيميل ميزان القوى لمصلحتنا، وفي الحد الأدنى، يمكن الحفاظ على وضع المراوحة واحتواء التهديد المنظور.

رغم الخطاب الفصيح، هذه هي "استراتيجية" أوباما لمحاربة "داعش": ما من خطط كبرى لنشر الديمقراطية أو بناء الأوطان، ولا أحد يتوقع أن يدخل الشرق الأوسط إلى عصر الحرية والازدهار والسلام تحت إشراف القيادة الأميركية، فالأمر يقتصر على عمليات "سحق" مكثفة: أما مسألة إلحاق الهزيمة الفعلية، فتبقى على عاتق العراقيين والأكراد والأتراك والسعوديين.

لكن كما أثبتت الحرب الإسرائيلية ضد "حماس"، تحمل هذه السياسة مخاطر كثيرة تتراوح بين الأضرار الجانبية الحتمية وسقوط الضحايا الأبرياء، أو وقوع جندي أو طيار بيد الأعداء، أو حصول اعتداءات إرهابية ضد الجيش أو المدنيين، أو حتى على أرض الوطن، وحين يحصل ذلك، سيتصاعد الضغط للقيام بـ"تحركات" أخرى، بما في ذلك نشر القوات الميدانية لإجبار العدو على الاستسلام، وقبل أن ندرك ذلك، ستصبح الحرب المستبعدة حقيقة ملموسة.

*أميركان كونسيرفاتف

back to top