زلزال مدمِّر قرب إسطنبول؟

نشر في 18-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 18-09-2014 | 00:01
حين يهدأ جزء من خط صدع أساسي، قد يعني ذلك أحد أمرين: أن تكون {الفجوة الزلزالية} غير ناشطة بكل بساطة (نتيجة صفيحتين تكتونيتين تنزلقان بهدوء بالقرب من بعضهما) أو أن يكون ذلك الجزء مصدر زلازل محتملة، فيتراكم التوتر على مر العقود حتى وقوع زلزال حتمي.

اكتشف باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومن تركيا أدلة على وجود نوعين من السلوكيات في جزئين مختلفين من صدع شمال الأناضول، وهو أحد المناطق الزلزالية الأكثر حيوية في العالم. يمتد الصدع الذي يشبه في حجمه {فالق سان أندرياس} في كاليفورنيا على مسافة 745 ميلاً في أنحاء شمال تركيا ويصل حتى بحر إيجه.

حلل الباحثون البيانات التي رصدها نظام تحديد المواقع العالمي على مر 20 سنة وتوقعوا أن يقع الزلزال الكبير المقبل الذي سيضرب المنطقة بالقرب من فجوة زلزالية تحت بحر مرمرة، على بُعد خمسة أميال من غرب اسطنبول. في المقابل، يبدو أن الجزء الغربي من الفجوة الزلزالية يتحرك من دون إنتاج زلازل كبرى.

يقول مايكل فلويد، عالم أبحاث في قسم الأرض في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وفي علوم الغلاف الجوي والكواكب: {اسطنبول مدينة كبيرة وتبدو بعض المباني فيها قديمة جداً وليست مبنية وفق أعلى المعايير المعاصرة مقارنةً بجنوب كاليفورنيا مثلاً. من وجهة نظر علماء الزلازل، إنها نقطة ساخنة ومعرّضة للمخاطر الزلزالية}.

يستحيل تحديد توقيت حصول هزة مماثلة، لكن يقول فلويد إن هذه الهزة المرتقبة قد تكون قوية (بقوة 7 درجات أو أكثر).

يوضح فلويد: {حين يتحدث الناس عن توقيت الهزة المقبلة، هم يسألون فعلياً: {متى ستقع، خلال الساعات المقبلة، كي أخلي المكان؟}. لكن لا يمكن توقع الزلازل بهذه الطريقة. للحفاظ على سلامة الناس، نحن نشجعهم على الاستعداد. يعني الاستعداد أن يعرفوا ما ينتظرهم. إنها المساهمة التي يقدمها عملنا}.

نشر فلويد وزملاؤه، منهم سميث إيرغينتاف من مرصد كانديلي ومعهد أبحاث الزلازل في اسطنبول وعالم الأبحاث روبرت رايلنغر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تحليلاتهم الزلزلالية في مجلة {رسائل الأبحاث الجيوفيزيائية}.

في العقود الأخيرة، حصلت زلازل كبرى على طول صدع شمال الأناضول بطريقة تشبه لعبة الدومينو، فكانت تتلاحق من الشرق إلى الغرب. وقعت أحدث هزة في عام 1999 في مدينة إزميت، في شرق اسطنبول. أدت الصدمة الأولية التي دامت أقل من دقيقة إلى مقتل الآلاف. بما أن اسطنبول تقع على الطرف الغربي للصدع، يظن بعض العلماء أن المدينة ستصبح قريبة من بؤرة الزلزال الكبير المقبل.

للحصول على فكرة واضحة عن موقع الصدع في المرة المقبلة، استعمل باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومن تركيا بيانات نظام تحديد المواقع العالمي لقياس حركة الأرض في تلك المنطقة خلال العشرين سنة الماضية. أخذ الفريق بيانات من منطقة الصدع الممتدة على 100 موقع مزود بذلك النظام، بما في ذلك محطات حيث تُجمَع البيانات باستمرار ومواقع حيث توضع الأدوات دورياً فوق مؤشرات صغيرة على الأرض، ويمكن تسجيل تلك المواقع مع مرور الوقت تزامناً مع تحرك الأرض بوتيرة بطيئة.

يقول فلويد: {من خلال متابعة عملية التعقب، يمكن أن نعرف أجزاء قشرة الأرض التي تتحرك مقارنةً بالأجزاء الأخرى، ويمكن أن نلحظ أن هذا الصدع يشهد حركة نسبية على طول تلك الأجزاء، بوتيرة نمو الأظافر}.

انطلاقاً من البيانات الميدانية، أشارت تقديرات الباحثين إلى أن صدع شمال الأناضول يتحرك على الأرجح بمعدل 25 ملم في السنة، فينزلق بهدوء ويسبب سلسلة من الهزات الأرضية.

نظراً إلى عدم وجود طريقة راهنة لتعقب حركة الأرض في البحر، استعمل الفريق نماذج من الصدع لتقدير الحركة مقابل الساحل التركي. حدد الفريق جزءاً من الصدع تحت بحر مرمرة، في غرب اسطنبول، وقد بدا عالقاً وكأنه يشهد انزلاقاً {مفقوداً} يتراكم بمعدل 10 إلى 15 ملم في السنة. اختبر هذا الجزء (اسمه {جزيرة الأمراء} وهو يرتبط بوجهة سياحية مجاورة) زلزالاً للمرة الأخيرة منذ 250 سنة.

وفق حسابات فلويد وزملائه، كان يُفترض أن ينزلق صدع {جزيرة الأمراء} بمعدل 8 إلى 11 قدماً، لكنه لم يفعل. بل كان الضغط يتراكم على طول تلك المنطقة خلال الـ250 سنة الماضية. إذا كان هذا التوتر سيفجر الصدع ويسبب زلزالاً كارثياً، قد تتحرك الأرض بمعدل يصل إلى 11 قدماً خلال ثوانٍ.

هذا الوضع يمنحنا تحذيراً قصيراً جداً في المنطقة المجاورة لاسطنبول بحسب قول ماركو بونهوف، أستاذ في مركز الأبحاث الألماني للعلوم الجيولوجية في بوتسدام.

يقول بونهوف الذي درس أنماط الزلازل في المنطقة: {موقع النواة قريب جداً من وسط المدينة، ما يجعل التحذير الأولي قصيراً جداً: بين ثانيتين وست ثواني. بما أن المطار الدولي يقع في منطقة تشتد فيها حركة الأرض، سيصعب استدعاء قوات الطوارئ، ويبدو للأسف أن 90% من المباني في اسطنبول لا تلتزم بمعايير البناء الصحيحة وقد لا تقاوم الزلزال المتوقع}.

قد يُترجَم هذا الضغط المتراكم بسلسلة من الاضطرابات الصغيرة والأقل خطورة، لكن من المنطقي بحسب رأي فلويد أن نتوقع زلزالاً كبيراً مقابل ساحل اسطنبول خلال العقود القليلة المقبلة نظراً إلى النمط التاريخي للزلازل الكبرى على طول صدع شمال الأناضول.

يضيف فلويد: {الزلازل ليست منتظمة أو متوقعة. بل إنها تزداد عشوائية على المدى الطويل ويمكن أن تمر أجيال عدة من دون وقوع زلزال. لكن يكفي أن يحصل زلزال واحد كي يؤثر على حياة الكثيرين. في موقع مثل اسطنبول المعروفة بتعرضها لزلازل كبرى، لا بد من تكرار الرسالة نفسها: كونوا مستعدين دوماً!}.

back to top