الكريم الواقي من الشمس منقذ أم مُسمّم؟

نشر في 18-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 18-09-2014 | 00:01
شهدت السنوات الخمسين الماضية تطوراً سريعاً في الرأي الطبي حيال التعرض لأشعة الشمس. تخبر أمي قصصاً عن إمضائها فصول صيف كاملة وهي ممددة على الشاطئ وجسمها مغطى بزيت الأطفال. أتذكر استخدام الكريم الواقي من أشعة الشمس وأنا صغيرة. لكنني أذكر أيضاً أنني عانيت حروق شمس بالغة مرة واحدة على الأقل كل فصل صيف. في المقابل، لا أسمح لابنتي البالغة من العمر 3 سنوات بمغادرة المنزل من دون وضع طبقة كثيفة من الكريم الواقي من الشمس، فضلاً عن اعتمار قبعة كبيرة طرية. وعندما كانت طفلة، أرغمتها على ارتداء {ثوب سباحة} بأكمام طويلة وسروال.

يعود هذا التبدل في السلوك في جزء منه إلى تنامي معدلات سرطان الجلد والإقرار المتزايد بالعلاقة بين التعرض لأشعة الشمس وسرطان الجلد. فتشير جمعية سرطان الجلد إلى أن علاج سلاطان الجلد غير الصباغي ارتفع في الولايات المتحدة بنسبة 77% تقريباً بين عامَي 1992 و2006. أما تشخيص الميلانوما (سرطان الخلايا الصبغية)، فقد ازداد بنسبة 1.9% سنوياً بين عامَي 2000 و2009.

يشدد أطباء الجلد والأطفال على حد سواء على أهمية تفادي أشعة الشمس واستخدام الكريمات الواقية. لكننا شهدنا أخيراً رد الفعل العكسي المحتم. فيذكر بعض الأهل أنهم لم يمرضوا رغم أنهم قلما وضعوا الكريمات الواقية من أشعة الشمس خلال شبابهم. لذلك يتساءلون عما إذا كان من الضروري حقاً التشدد في وضع هذه الكريمات لأولادهم. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الشركات على الترويج لكريمات تضم عامل وقاية من أشعة الشمس لا ينفك يزداد ارتفاعاً، مع أن إدارة الأغذية والأدوية الأميركية تقر بأن ما من دليل على أن رفع عامل الوقاية إلى ما يفوق الخمسين يشكل أي فارق.

شكوك وتحذيرات

أضف إلى الشكوك العامة هذه المزيد من المخاوف الصحية. فتُعدّ الكريمات الواقية من أشعة الشمس من المواد الكيماوية. وإذا قرأنا بعناية التقارير الإعلامية، فقد نظن أن هذه المواد الكيماوية تسبب السرطان وخللاً في الهرمونات. على سبيل المثال، يحذر برنامج Dr.Oz Show: {قد يكون الكريم الواقي من الشمس ساماً}.

إذاً، هل تمنع الكريمات الواقية السرطان أم تسببه؟

لا شك في أن الرابط بين التعرض لأشعة الشمس وسرطان الجلد بات معروفاً عموماً والأدلة على ذلك دامغة. تختلف معدلات سرطان الجلد في الولايات المتحدة باختلاف المناطق: ترتفع هذه المعدلات في المناطق التي تتعرض لمقدار أكبر من الأشعة ما فوق البنفسجية طوال السنة. بالإضافة إلى ذلك، يعاني مَن يتمتعون ببشرة فاتحة معدلات سرطان جلد أعلى، وتصبح عملية التصبغ في حالتهم أكثر أهمية وفق مكان إقامتهم.

لكن ما ليس مثبتاً، في البيانات على الأقل، ما إذا كانت كريمات الوقاية من أشعة الشمس تبعد هذه المخاطر. تبدو النظرية وراء استخدام هذه الكريمات منطقية جداً. فيمتص الكريم الواقي الأشعة ما فوق البنفسجية، مانعاً وصولها إلى البشرة، وترتبط الأشعة ما فوق البنفسجية بمرض السرطان. ولكن من الناحية العملية، تبدو الأدلة التي تثبت العلاقة بين الكريمات الواقية من أشعة الشمس وسرطان الجلد محدودة.

قيمت تجربة عشوائية في أستراليا تأثيرات استخدام بالغين كريمات واقية من أشعة الشمس يومياً طوال فترة أربع سنوات ونصف السنة في تشخيص سرطان الخلية القاعدية وسرطان الخلية الحرشفية، علماً أنهما كلاهما يشملان نمواً غير طبيعي في خلايا الطبقة العلوية من البشرة (يُعتبر سرطان الخلية القاعدية الأقل خطورة بين الاثنين، بما أن نموه محدود أكثر). تمتع المشاركون عموماً ببشرة فاتحة إلى داكنة بعض الشيء، وطُلب من المجموعة التي تتلقى العلاج وضع كريمات واقية من أشعة الشمس يومياً. لكن المشاركين في مجموعة الضبط لم يُعطوا توجيهات مماثلة. وبنهاية الفترة المحددة، لم يلاحظ الباحثون أي اختلاف في نسبة مَن شُخصت إصابتهم بأحد نوعي سرطان الجلد هذين، مع أن الأدلة أظهرت تراجعاً بسيطاً في عدد المصابين بسرطان الخلية الحرشفية في المجموعة التي تستخدم الكريمات الواقية من الشمس.

أما في حالة الميلانوما، الشكل الأكثر خطورة من سرطان الجلد، فلم تتوافر أي بيانات تؤكد فاعلية الكريمات الواقية.

لا بد من الإشارة مرة أخرى إلى أن النظرية وراء استخدام الكريمات الواقية من أشعة الشمس تبدو منطقية، إلا أن الأدلة المتوافرة ليست قوية. فيشير أحد الاحتمالات إلى أن عليك استخدام الكريمات الواقية طوال حياتك لتجني فائدة حقيقية. ويعتبر احتمال آخر أن مَن يستخدمون الكريمات الواقية يمضون وقتاً أطول في الشمس، ما يحد من فوائدها.

كيماويات ومخاطر

لننتقل الآن إلى المخاطر. تحتوي هذه الكريمات على كثير من المواد الكيماوية، إلا أن المخاوف العامة تتمحور حول اثنتين منها: الأوكسيبنزون والرتينيل بالميتات. تقوم المخاوف بشأن الأوكسيبنزون على الخلل المحتمل الذي قد يسببه لجهاز الغدد الصماء، هذا الجهاز الذي يتحكم بهرمونات الجسم. فمن الممكن لخلل في جهاز الغدد الصماء أن يسبب مشاكل في النمو على الصعيدين المعرفي والجنسي. لكن القلق من الأوكسيبنزون في حالة الكريمات الواقية من أشعة الشمس يعود في جزء كبير منه إلى تقرير خاص عن تجربة أجريت على الجرذان. ففي هذه التجربة، تناولت الجرذان غذاء مخلوطاً بالأوكسيبنزون وغيره من المواد الكيماوية. وبعد أيام عدة، قُتلت وأزيل أرحامها ووزنت (يشير وزن الرحم الكبير إلى خلل في جهاز الغدد الصماء). فاكتشفت الدراسة أن النسب العالية من الأوكسيبنزون تزيد حجم الرحم.

من الانتقادات الأساسية التي تُوجَّه إلى تطبيق هذه الاكتشافات على البشر واقع أن الناس لا يتناولون الكريمات الواقية من أشعة الشمس. لكن بشرتنا تمتص نحو 1% إلى 2% من الأوكسيبنزون في هذه الكريمات، ما يعني أنه من الممكن تطبيق نتائج تجربة الجرذان من حيث المبدأ. إلا أن دراسات جرذان كهذه تساهم عادةً في تأكيد الاحتمالات بدل السماح لنا بتحديد مخاطر فعلية، بما أن الجرذان تتعرض لجرعات من الأوكسيبنزون أعلى بكثير مما قد يتعرض له البشر.

في دراسة إضافية مفيدة تناولت نتائج تلك التجربة، أظهر باحثون عدة أن على الإنسان طلي كامل جسمه بالكريمات الواقية من أشعة الشمس طوال 35 إلى 70 سنة لبلوغ الجرعة التي عانتها الجرذان. كذلك لم تُظهر الدراسات الصغيرة التي تناولت البشر أي دليل على تبدلات هرمونية ناتجة عن استعمال الكريمات الواقية اليوم. إذاً، قد يكون الأوكسيبنزون مادة مخلة بجهاز الغدد الصماء من حيث المبدأ. إلا أن هذا الاكتشاف لا يُعتبر كافياً عملياً لتحديد كيفية استعمال الكريمات الواقية من أشعة الشمس.

أما المادة الثانية، الرتينيل بالميتات، فتعزز المخاوف من ارتباط الكريمات الواقية من أشعة الشمس بمرض السرطان. ففي دراسات تناولت مباشرة خلايا البشرة، تبين أن تركيبة الرتينيل بالميتات والأشعة ما فوق البنفسجية تولّد جذور أوكسجين حرة (بخلاف مضادات الأكسدة، لطالما ارتبطت هذه الجذور بخلل في الخلية وبمرض السرطان). ولكن لم يتوصل العلماء بعد إلى روابط مباشرة بين هذه المادة وسرطان الجلد، علماً أن بعض الأدلة المحدودة في دراسات أجريت على الفئران قدمت نتائج متضاربة.

قد تكون الأدلة المرتبطة بالخلايا مقلقة بعض الشيء. لكن تطبيق هذا مباشرة على البشر يبدو مرة أخرى بالغ الصعوبة. ولعل السبب الأكبر للاعتقاد أن الرتينيل بالميتات آمن واقع أن هذه المادة الكيماوية تُستخدم في كثير من مساحيق التجميل ومنتجات الوجه منذ أكثر من 40 سنة، ولم تُظهر أي أدلة نُشرت أنها خطرة.

خلاصة القول، قد لا تكون معرفتنا شاملة، ولكن ما من دليل ملموس على ارتباط استعمال كريمات الوقاية من أشعة الشمس بجرعات معتدلة بأي مخاطر كيماوية.

ولكن ماذا عن سؤال: هل علي أن أطلي ولدي بالكريمات الواقية من أشعة الشمس؟ من الجيد أنني لا أسبب لابنتي أي ضرر بذلك، ولا شك في أنني أعفيها من حروق الشمس المؤلمة التي عانيتها في شبابي. في المقابل، من الخطر الاعتقاد أن التعرض للشمس ليس خطراً إن كان الولد يضع كريمات واقية. تؤدي الملابس الواقية والقبعات والنظارات دوراً مماثلاً أو ربما أكبر في حمايتنا من الشمس. ولربما حان الوقت لشراء ثوب سباحة آخر له أكمام وسروال.

back to top