الهروب الكبير!

نشر في 18-09-2014
آخر تحديث 18-09-2014 | 00:01
 مسفر الدوسري لا أسوأ من شخص هارب من نفسه، ومن الحياة شريكاً في صنع... حياة!

إن ذلك الشخص من أصعب التحديات وأقساها! ذلك الشخص من أكثر الأخطار المهددة للسلامة العاطفيّة، أن تبني حياة مع شخص هارب من نفسه فقط، ذلك أمر أقل تحديا وخطورة، فالهارب من نفسه كل ما عليك فعله هو أن تمكّنه من رؤية جمال الحياة بصورتها الواقعية، للاستدلال على وجود الجمال في الذات التي شعرت بها، خطوة أولى لمشوار التصالح مع الذات، مما يجعل ذلك الشخص الهارب من نفسه مؤهلاً لبناء حياة مشتركة!

أما الهارب من الحياة، فغالباً ما يكون شخصاً يظن أنه يمكنه حماية جماله الداخلي بفعلته تلك، فكل ما عليك فعله هو أن تجعله يأمن قسوة الحياة معك، ليتمكن جماله الداخلي من رؤية جمال الحياة إلى أن يطمئن تماما الى أن الحياة في الواقع أقل شراسة وبشاعة مما يظن.

الشخص الأول خارطة الطريق لبناء حياة مشتركة معه تبدأ من الحياة لتنتهي به، بينما الشخص الثاني على العكس تماما، تبدأ خارطة الطريق به لتنتهي في الحياة في آخر المطاف!

كلا الطريقين يوصلان في النهاية إلى فتح النوافذ المغلقة بين جمال الحياة الواقعية وجمال الطرف الآخر في العلاقة العاطفية، ولكن على الطريقين أن يسلكا اتجاهين متضادين للوصول لذات الهدف!

الهارب من نفسه والحياة معاً يتطلب تأهيله عاطفياً لبناء حياة مشتركة، السير في خطين متعاكسين في ذات الخطوة!

مهمّة وإن بدت للبعض ليست مستحيلة، إلا أنه لا يمكن لعاقل أن ينكر أنها لا تشبه سوى السير معصوب العينين على شفير الهلاك!

إنها مهمّةٌ لا تسمح في أقصى تسامحها بارتكاب الخطأ ذاته سوى مرة واحدة فقط، مهمة لا يقدم عليها سوى قلب على يقين بأنه سيكون في مأمن من الوقوع في شباك... وجع الضمير!

جملة: "كان هو السبب" التي ستُمضغ لاحقا إلى أن يذهب السكّر فيها ونكهة النعناع  لن تَصلَح ضماداً طويل الأجل.

ولن يزيد الإيضاح بأن "نظرة الطرف الآخر السلبية للحياة، انتقلت عدواها لك، للحد الذي جعلك تتمنى الهروب من حياتك بعد أن كنت متصالحاً متسامحاً معه"، لن يزيد هذا الإيضاح من عمر صلاحية الضماد يوماً واحداً!

الشخص الهارب من الحياة والذي يختاره القلب لبناء حياة مشتركة، قد يؤرقك، وقد يسلبك الحدّ الأدنى من رضاك عن حياتك القائمة، دون أن يمنحك حياة توازيها رضى!

أما الشخص الهارب من نفسه، يرى في نفسه بشاعة لا يمكنه التصالح معها، قد يكون واهماً، وقد يكون على حق، إلا أنه في كلتا الحالتين، إن لم تكن على قدر عال من الثقة بذاتك ومن رؤيتك الواقعية للحياة، من الممكن جداً أن تتأثر برؤية هذا الشخص لذاته وجلده لها للحد الذي يجعلك تتبناها، فتبدأ طريق هدم حياتك القائمة بيدكَ حجراً حجراً.

الهارب من نفسه ومن الحياة معاً شخصان مميتان في جسد واحد، ومحاولة بناء علاقة مع ذلك الشخص طيش قاتل، والناجي من الموت في علاقة كهذه.. ينتمي الى القطط!

back to top