حان الوقت للابتعاد عن الذئب الروسي

نشر في 15-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 15-09-2014 | 00:01
 توني برنتون يذكر أحد الأمثال الروسية: "إذا كنت تعجز عن مواجهة الذئب، فلا تدخل الغابة"، لكن الغرب دخل الغابة الأوكرانية وأغضب الذئب الروسي، إلا أنه ما لبث أن اكتشف أنه لا يستطيع مواجهته؛ لذلك علينا اليوم البحث عن مخرج.

بُنيت السياسة الغربية على أساسين خاطئين: الأول أن علينا وقف أعمال روسيا الانتقامية، ويعتبر هذا الادعاء أن روسيا استولت بالأمس على القرم واليوم على أوكرانيا وغداً لا أحد يعلم على ماذا، ربما إستونيا أو بولندا. يعكس هذا بالتحديد الكابوس الروسي عن توسع حلف شمالي الأطلسي العنيد، فقد سيطر الحلف بالأمس على بولندا وإستونيا، واليوم جورجيا، وغداً لا أحد يعلم على ماذا، ربما أجزاء من روسيا نفسها، ولا شك أن هذا يذكرنا على نحو مخيف بالشكوك المتبادلة في ربيع عام 1914.

ولكن قبل ما تعتبره روسيا اليوم (وهي مبررة إلى حد ما في اعتقادها هذا) سيطرة غربية على كييف في شهر فبراير الماضي، لم نلاحظ أي أدلة على نزعة روسيا الانتقامية، ولا شك أن مَن يشيرون إلى جورجيا مخطئون، فالجورجيون هم مَن بدؤوا الحرب عام 2008. في الوقت عينه، تُعتبر أوكرانيا مسألة بالغة الأهمية بالنسبة إلى روسيا، فتجمع بين هذين البلدين علاقات اجتماعية وثقافية عميقة وروابط تاريخية، حتى إن كييف تُعرف بـ"أم المدن الروسية"، فضلاً عن ذلك، يريد الروس النفوذ في أوكرانيا لا الأراضي.

علاوة على ذلك، تمثل عبارة "علينا مواجهة بوتين تماماً كما فعلنا مع هتلر" سياسة صبيانية، فبوتين، الذي تعرفت إليه جيداً بصفتي سفير المملكة المتحدة إلى موسكو، ليس سياسياً متعصباً عقائدياً، بل يبدو أقرب إلى تاليران: مخطط سياسي عملي يعيد بناء مكانة بلده في العالم، ولا شك أن السيطرة على القرم مخالفة للقانون وتزعزع الاستقرار، لكنها شكلت رد فعل مذعوراً تجاه مجموعة فريدة من الظروف، لا بداية محاولة إعادة بناء الاتحاد السوفياتي. من الطبيعي بالتأكيد أن نطمئن مَن يشعرون بالخطر، تماماً كما فعل حلف شمال الأطلسي مع قراره إنشاء "قوات تدخل سريع"، ولا شك أننا محقون في إدانة تدمير الطائرة الماليزية MH17، التي أكد تقرير أخيراً أنها أُسقطت عمداً، لكن الفكرة القائلة إن قرع طبول الحرب ضرورية لإقناع روسيا بجدية حلف شمال الأطلسي سخيفة، فإذا ما كان الروس يأخذون ضمانات حلف شمال الأطلسي الأمنية على محمل الجد، فلمَ شعروا إذاً بالقلق من انضمام أوكرانيا إليه؟

يعتبر الأساس الخاطئ الثاني أن العقوبات الاقتصادية قد توقف روسيا، فرضنا عقوبات على روسيا ست مرات منذ الحرب العالمية الثانية، ولم تنجح مطلقاً، ولن تنجح هذه المرة أيضاً، ومن الواضح أن الادعاءات الأخيرة في قمة الحلف في نيوبورت عن أن العقوبات دفعت روسيا إلى القبول بوقف إطلاق النار الحالي عكست جواً من اليأس، فقد رفضت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وأوكرانيا وقفاً لإطلاق النار يمنح روسيا سيطرة على الأرض في شرق أوكرانيا، ولم ترضَ أوكرانيا بوقف إطلاق النار هذا إلا لأنها بدأت فجأة تخسر الحرب. إذاً، ما العقوبات إلا واجهة كاذبة اعتُمدت في ظل غياب أي بديل فاعل. صحيح أنها قد تسبب بعض الضرر الاقتصادي، غير أن تأثيرها السياسي الوحيد كان توحيد الشعب الروسي وراء رئيسه وتعزيز قناعة بوتين بأن هذا صراع يجب ألا يخسره مهما كان الثمن، حتى المعارضة الروسية لا تدعمها.

اتضح في الأسبوعين الماضيين أن الروس مستعدون للسير حتى النهاية بغية تحقيق أهدافهم السياسية في أوكرانيا، إلا أن قليلين يظنون أن علينا السير حتى النهاية لوقفهم؛ لذلك، لا يمكننا أن نحقق أي هدف غير إطالة عذاب أوكرانيا وزيادة بؤسها وفقرها، ومن الجيد أن الفجوة بين الخطاب الناري في قمة نيوبورت وقراراتها الفعلية المعتدلة تشير ضمناً إلى أنها تقر بهذا الواقع، فلن تُنشر قوات التدخل السريع على الحدود الروسية، رغم المطالب البولندية، كذلك سيقدم حلف شمال الأطلسي مساعدة إلى القوات المسلحة الأوكرانية، إلا أنه لن يمدها بسلاح خطر (بما أنها ستخسر على الأرجح في مطلق الأحوال). في الوقت عينه، لم تتطرق القمة إلى النقطة الأكثر حساسية بالنسبة إلى روسيا: انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، فقد ناقض أعضاء هذا الحلف مخاوفهم المعلنة من أعمال روسيا الانتقامية بترددهم في إنفاق المزيد على الدفاع، فعندما كنت أشارك في قمم مماثلة، كان الالتزام (كما في بيان حلف شمال الأطلسي) الذي "يهدف" إلى زيادة الإنفاق يؤدي إلى قرار بعدم تحريك أي ساكن.

كما أشار معلقون كثر، لا يبدو تحقيق أهداف روسيا (دولة أوكرانية محايدة وضمانات دستورية للشعب في شرق أوكرانيا) مستحيلاً، سبق أن عقدنا صفقات مع الصين، وإيران، وكوريا الشمالية، وربما آن الأوان لعقد صفقة مع بوتين، مع أن هذا قد يبدو مزعجاً. يجب أن يكون جزءٌ من هذه الخطوة سهلاً، فلن تتمكن أوكرانيا في مطلق الأحوال من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في المستقبل القريب، لكن التفاوض بشأن مستوى مقبول من الاستقلال الذاتي في شرق أوكرانيا سيكون أكثر صعوبة، خصوصاً أن الروس يمسكون اليوم بزمام الأمور، ولن يتخلوا عنه إلا بعد أن تُلبى كل مطالبهم.

بالإضافة إلى ذلك، على الرئيس الأوكراني بوروشينكو التعاطي مع يمين قومي سيغضبه كل تنازل يقدمه، وهنا يمكن أن تؤدي العقوبات أخيراً دوراً فاعلاً لأن عرض رفعها قد يمهد الطريق أمام التوصل إلى اتفاق.

تثير هذه المسألة برمتها تساؤلات عن مدى كفاءة صناعة السياسات الغربية التي تتعاطى مع روسيا، كان الطريق الوحيد للخروج من هذه الأزمة واضحاً منذ أشهر، ولكن لا داعي لتبادل التهم، فما زال أمامنا جوائز كبيرة يمكننا أن نحصدها، فقد تتحول دولة أوكرانية ديمقراطية، مزدهرة، وميالة إلى الغرب (من دون أن تكون حليفاً) إلى نموذج بالغ الأهمية لروسيا المجاورة، ولا شك أن إعادة فتح العلاقات الاقتصادية الغربية مع روسيا يشكل خطوة مهمة في عملية شد هذا البلد، وإن بطريقة بالغة البطء وعشوائية، نحو الوضع الأوروبي الطبيعي أيضاً.

* ديلي تلغراف

back to top