كتالونيا تريد الاستقلال أيضاً!

نشر في 15-09-2014 | 00:02
آخر تحديث 15-09-2014 | 00:02
تريد كتالونيا أن تحذو حذو اسكتلندا لإجراء استفتاء حول الاستقلال. لكن لا يسمح الدستور الإسباني بانفصال أي منطقة عن البلد. مع ذلك، يبدو القوميون في برشلونة مستعدين لفعل كل ما يلزم لأجل إجراء الاستفتاء في مطلق الأحوال. «شبيغل» تابعت المجريات.
ثمة مسألتان يمكن أن تضمنا مكاناً بارزاً في كتب التاريخ بالنسبة إلى أوريول جونكيراس. أولاً: «هل تريد أن تكون كتالونيا دولة بحد ذاتها؟». ثانياً: «هل تريد أن تكون تلك الدولة مستقلة؟». جونكيراس مؤرخ عمره 45 سنة من جامعة برشلونة المستقلة، وهو الشخص الذي يقف وراء الاستفتاء الذي يمكن أن يؤدي إلى استقلال كتالونيا.

جونكيراس رئيس حزب «يسار كتالونيا الجمهوري»، وهو مقتنع بأن معظم مواطنيه في المنطقة الواقعة في شمال شرق إسبانيا يريدون العيش في دولة مستقلة. منذ انتخاب البرلمان الأوروبي في شهر مايو، أصبح حزب «يسار كتالونيا الجمهوري» أقوى حزب سياسي في كتالونيا، وينجم ذلك جزئياً عن دعم جونكيراس الثابت للاستقلال.

بلغت شعبية جونكيراس أعلى المستويات لدرجة أنه انتُخب أيضاً في منصب رئيس البلدية في مسقط رأسه، سانت فيسينك ديلس هورتس، منذ ثلاث سنوات. يقول: {صحيح أن 80% من سكان البلدة يتحدثون اللغة الإسبانية بدل الكتالونية، لكنهم انتخبوا انفصالياً}. يأمل الآن أن يكسب تأييد كتالونيا كلها دعماً لقضيته.

يقول جونكيراس من مكتبه في البرلمان الكتالوني في برشلونة إن هذا الاستفتاء {أفضل أداة ديمقراطية} لمعرفة ما إذا كانت الغالبية الشعبية تريد فعلاً الانفصال عن المملكة الإسبانية. سيحصل الاستفتاء في 9 نوفمبر، وقد تم اختيار هذا التاريخ بالتنسيق مع رئيس وزراء الحكومة الإقليمية أرتور ماس.

يدرك جيداً أن إجراء الاستفتاء لن يكون سهلاً. لكن ينوي جونكيراس الذي يحب ارتداء الجينز وترك ياقته مفتوحة استعمال جميع الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك. في القرن الواحد والعشرين، من غير المقبول بحسب رأيه أن تكون {وظائف الإطار القانوني عائقاً أمام الديمقراطية}. لا يكفي كما يقول أن يعطي الناخبون تفويضاً للسياسيين كل أربع سنوات. بل يجب أن يأدوا دوراً مباشراً في جميع القرارات، حتى لو اضطروا إلى اللجوء إلى العصيان المدني.

انفصال مستحيل

هذه السنة، يأمل الناشطون المؤيدون للاستقلال أن تكون التظاهرات أكثر تأثيراً. من المنتظر أن يجتمع مليونا متظاهر يرتدون اللونين الأحمر والأصفر اللذين يرمزان إلى كتالونيا لرسم شكل الحرف {V} بأجسامهم في أكبر جادتين في برشلونة. يرمز هذا الحرف إلى {الانتخاب} و}الإرادة} و}النصر}. سبق ونُفذت هذه المبادرة على نطاق أصغر خلال تظاهرات في أماكن مثل فرانكفورت وبروكسل وباريس.

بعد أسبوع على العطلة في كتالونيا، من المتوقع أن يصوّت السكان الاسكتلنديون في استفتائهم الخاص لنيل الاستقلال. ترافق ذلك الاستطلاع مع قلق شديد في لندن وقد بذلت أبرز ثلاثة أحزاب في بريطانيا قصارى جهدها لإقناع الاسكتلنديين بالبقاء ضمن بريطانيا، حتى إنها أعلنت عن إطلاق خطة جديدة لتوسيع هامش استقلالية الاسكتلنديين هذا الأسبوع. لكن فشل رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي حتى الآن في ابتكار عرض مقنع يرضي الكتالونيين.

لكن تظن الحكومة في مدريد على الأرجح أن ذلك العرض غير ضروري. فالدستور الإسباني يمنع أي منطقة من الانفصال عن البلد. لا يمكن إجراء أي استفتاء مُلزِم إلا إذا أقر البرلمان الإسباني تعديلاً دستورياً. لكن سبق ورفض 86% من المشرعين في مدريد هذه الفكرة. رُفضت خطة مماثلة من حكومة الباسك منذ تسع سنوات. خاطب رئيس الوزراء راخوي حديثاً الزعيم الكتالوني ماس قائلاً: {لن أسمح لك بإجراء الاستفتاء}.

يحمل جونكيراس شهادة دكتوراه في التاريخ الاقتصادي وهو يستمد الأمل من دول جديدة تأسست في العقود والقرون الأخيرة. يتشارك حماسته لنيل الاستقلال مع سكان شمال شرق إسبانيا.

صحيح أن 5.5 ملايين شخص من أصل 7.5 ملايين من المقيمين في كتالونيا لم يولدوا هناك، لكن يعرّف 60% منهم عن نفسهم بالكتالونيين وفق نتائج استطلاعات الرأي. منذ أربع سنوات، استنتجت دراسة أجرتها جامعة برشلونة أن ربع السكان فقط يستعملون هذه الصفة للتعريف عن أنفسهم. وقد عبّر خِمسهم فقط عن تأييد الانفصال عن البلد في عام 2010، بينما يريد 50% منهم الآن نيل الاستقلال.

تتوقع الاستطلاعات أن تحصد الحركة المؤيدة للاستقلال نسبة تأييد تبلغ 57% في شهر نوفمبر. لكنّ ذلك الرقم ليس مؤكداً بأي شكل.

تأجيج الاستقلال

يعود تاريخ حركة الاستقلال في كتالونيا إلى عهد فرانكو الدكتاتوري. خلال أربعين سنة من حكمه الاستبدادي، كانت اللغة الكتالونية محظورة. لكن في عام 1978، أي بعد وفاة فرانكو بثلاث سنوات فقط، أقرّت مملكة إسبانيا دستوراً ديمقراطياً يمنح الحكم المستقل لسبع عشرة منطقة من البلد. ثم حصلت كتالونيا ومناطق أخرى على دساتيرها الخاصة التي تضمن لها الحكم الذاتي. منذ عام 1980، ينتخب الكتالونيون برلمانهم ولديهم سلك شرطة خاص بهم وهم يعلّمون أولادهم اللغة الكتالونية.

منذ عشر سنوات، حين كان الاشتراكي خوسيه لويس رودريغز ثباتيرو رئيس الوزراء، أجّج حركة الاستقلال عن غير قصد حين تحدث عن إمكان توسيع استقلالية كتالونيا. في تلك الفترة، اجتمع البرلمان الإسباني في مدريد لإقرار دستور جديد لكتالونيا، وهو لم يفعل ذلك إلا بعد إحداث تعديلات فيه. مع ذلك، تبناه معظم الناخبين في كتالونيا. لكن رفض المحافظون من الحزب الشعبي أجزاء معينة وأساسية من الوثيقة، وحين طالبت المحكمة العليا المحلية في عام 2010 بحذف أي إشارة إلى {وطن} كتالونيا من المقدمة، نزل مليون شخص إلى شوارع برشلونة احتجاجاً على ذلك. سرعان ما تأججت التظاهرات بسبب التعليقات المهينة التي أدلى بها السياسيون الإسبان.

كل من يؤيد نشوء دولة مستقلة يتحدث عن تقليد الحكم الذاتي المدني الذي يعود إلى العصور الوسطى، حين كانت المجالس تستطيع الحد من نفوذ الملك. حتى بعد توحيد مملكتَي كتالونيا وأراغون مع مملكة قشتالة، اضطر الملك ومن خلفه إلى التأكيد على حقوق الكتالونيين المميزة.

لم تخسر المنطقة امتيازاتها إلا خلال الحرب على الخلافة الإسبانية في عام 1714. بقي شعب برشلونة موالياً لإمبراطورية هابسبورغ لكنه استسلم أخيراً لقوات فرنسا وقشتالة في 11 سبتمبر من ذلك العام، بعد 14 شهراً من الحصار. اليوم الوطني في كتالونيا يحيي ذكرى تلك الهزيمة التي وقعت منذ 300 سنة تحديداً.

يعيش خصم قوي لحركة استقلال كتالونيا على طرف بلدة برشلونة القديمة: إنه يواكيم كول البالغ من العمر 47 عاماً. كول مؤرخ مثل خصمه أوريول جونكيراس. قام عدد كبير من جيرانه بتزيين شرفاتهم بالعلم المخطط بالأحمر والأصفر مع نجمة الاستقلال عليه.

لكن يظن كول أن الدفاع عن انفصال منطقته عن البلد أمر مستحيل سياسياً وأخلاقياً: {في الديمقراطية الدستورية، لا وجود لحقوق الحكم الذاتي أو الانفصال عن الدولة ككل}. يظن أيضاً أن كتالونيا، باعتبارها أغنى منطقة في إسبانيا، لا تثبت تضامنها مع بقية أجزاء البلد. يقول عن جونكيراس: {لا يمكن أن يكون الفرد يسارياً وقومياً في آن}.

{فيروس الشعبوية}

لطالما تذمر الحزب الحاكم في برشلونة من احتكار كتالونيا لخِمس الإنتاج الاقتصادي الإسباني مع أنها تشمل 16% فقط من سكان البلد. في عام 2011 وحده، ادعوا أن المنطقة تلقت من مدريد مبلغاً أقل من الذي دفعته للحكومة المركزية بـ19.4 مليار دولار، إضافة إلى أن الحكومة الإسبانية تجاهلت كتالونيا طوال سنوات على مستوى الاستثمارات.

لكن نفت وزارة المالية الإسبانية هذا الادعاء معتبرةً أن النقص في عام 2011 اقتصر على 8.5 مليارات يورو. إذا استمرت هذه الاختلالات، تحدث كول وغيره عن لجوء الحكومات الإقليمية إلى إعادة التفاوض على المدفوعات التي تدين بها للحكومة المركزية بكل بساطة.

للتعبير عن صوت كل من يعارض الاستقلال، عمد كول حديثاً إلى إنشاء {المؤسسة المدنية الكتالونية} في برشلونة. يأمل أن تحارب بنجاح ما يعتبره {فيروس الشعبوية}.

يقول معارض الاستقلال جاسينتو سولر بادرو، وهو محامٍ في مجال الأعمال وعمره 73 سنة: {نريد أن نكون كتالونيين لكننا لا نريد الاستغناء عن إسبانيا}. في عهد فرانكو، قدم سولر طلباً أمام السلطات البلدية في برشلونة للحصول على التمويل اللازم لدعم اللغة الكتالونية. حتى إنه استعمل هذه اللغة لتقديم الطلب. لكن رُفض طلبه وقبع في السجن طوال شهر بسبب المشاكل التي أثارها. لكنه لا يؤيد الاستقلال رغم ذلك.

يظن سولر أن الانفصال عن البلد قرار غير واقعي وسلبي على الأرجح. حتى المستشارون الذين استعانت بهم الحكومة الإقليمية ذكروا أن كتالونيا المستقلة ستضطر في البداية إلى اقتراض خمسة مليارات يورو في الشهر لدفع رواتب العاملين في الخدمة المدنية ومعاشات التقاعد وإعانات البطالة وتكاليف أخرى. سيواجه البلد الحديث العهد على الأرجح مشكلة الفوائض حين تنشط مصلحة الضرائب فيه.

يفضل سولر وعدد كبير من أصدقائه في مجال الأعمال {تعزيز اللامركزية القوية أصلاً في الدولة الإسبانية}. بعدما عاش في ألمانيا والنمسا، يفهم طبيعة الأنظمة الفدرالية هناك. أشار سولر إلى لوحة معلّقة على الجدار فوق الطاولة وتظهر فيها سفينة وسط بحر هائج. ثم قال باللغة الألمانية: {نحن الكتالونيون أصبحنا عالقين وسط أمواج عالية}.

الملجأ الأخير

يسعى كل من يؤيد الاستقلال إلى الاستفادة من هذه الموجة. يظن رئيس حزب {يسار كتالونيا الجمهوري}، جونكيراس، أن المرحلة الراهنة باتت تسمح بتحقيق حلمه بإنشاء دولة كتالونيا، ويتكل على علاقات منطقته مع دول أخرى في الاتحاد الأوروبي. يقول جونكيراس الذي كان في السابق عضواً في البرلمان الأوروبي في بروكسل: {أتوقع ألا تصدر موافقة إسبانيا والاتحاد الأوروبي خلال أشهر، بل خلال أسابيع}. في النهاية، ستدفع كتالونيا أكثر مما تقبض من الاتحاد الأوروبي: {يريد الجميع أن تحصل عمليات التجارة الحرة بالعملة الأوروبية. وثمة 70% من الصادرات الإسبانية إلى أوروبا تمر بالطرق الكتالونية}.

مع ارتفاع زخم حركة الاستقلال، لا يستطيع أرتور ماس فعل الكثير. يقول: {سأدعو طبعاً إلى إجراء الاستفتاء}. في الأيام المقبلة، يخطط لتقديم قانون خاص أمام برلمان كتالونيا لطرح إطار محدد لإجراء الاستفتاء ومنحه غطاءً من الشرعية. لكن تعهد رئيس الوزراء الإسباني راخوي برفض القانون مثلما وعد سابقاً بمعارضة الاستفتاء.

في هذه الحالة، لن يبق أمام ماس خيار آخر عدا الدعوة إلى إجراء انتخابات محلية مبكرة واعتبارها بمثابة استفتاء حول قرار الاستقلال. لكن سيكون هذا التدبير الملجأ الأخير بحسب قول أوريول جونكيراس. يريد أن يحصل الاستفتاء في 9 نوفمبر حتى لو منعته مدريد.

في النهاية، من المتوقع أن يحقق جونكيراس النصر في مطلق الأحوال. تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزبه سيفوز في الانتخابات الإقليمية المقبلة. إذا تحقق ذلك، سيصبح هذا اليساري الجمهوري رئيس الوزراء المقبل في كتالونيا.

back to top