الثقافة لبنة الأساس

نشر في 15-09-2014
آخر تحديث 15-09-2014 | 00:01
 فوزية شويش السالم أدهشني البناء الثقافي في مدينة كارديف التي أزورها لأول مرة رغم زيارتي السنوية لإنكلترا، إلا أنني لم أزر ويلز أو اسكتلندا مع أنهما تابعتين لها ولهما ذات خصائص الجوار.

هذا العام قررت أن أذهب إلى كارديف، عاصمة ويلز، التي أصبحت مدينة عالمية بعد ما نمت بشكل واسع وسريع لتصبح مدينة "ميلانيومية" بعد افتتاح ويلز ميلانيوم سنتر فيها، وميلانيوم ستديوم ايضا، مما أدخلها الى مدن الألفية الجديدة.

الملاحظة الواضحة في هذه المدينة هو الأساس الثقافي في بنائها، فرغم أن الدخل القومي لويلز محدود بالمنتجات الرعوية وبعض الصناعات فإن اهتمام أهلها بالثقافة واضح للعيان، والصرف عليها يأخذ جزءا كبيرا من مخصصات الميزانية على محدوديتها، إلا أن هناك أولوية للبناء والتشكيل الثقافي للإنسان فيها، فمع أن عدد سكان ويلز لا يتجاوز ثلاثة ملايين، منهم 320 ألف فقط عدد سكان كارديف بكل هذه المساحة الشاسعة من الأراضي الويليزية، إلا أن المدينة ضمت متاحف عديدة واستادا رياضيا عالميا، كما ضم مركز الميلانيوم أوبرا ومسرح البالية وكل أنواع الرقص والموسيقى والمعارض الفنية والأنشطة الترفيهية المختلفة لكل المستويات العمرية، وهناك مراكز أخرى ترفيهية وتعليمية وثقافية متعددة سواء في وسط المدينة أو على ساحلها البحري.

يعود تاريخ مدينة كارديف إلى العصر الروماني الذي يشهد عليه قلعتها العظيمة بتصميمها المعماري النورماندي والفكتوري، والذي أقيم فيها خلال تواجد لقاء زعماء الناتو حينما عُقد مؤتمرهم في ويلز، إلا أن عمر المدينة لا يُحسب إلا منذ 100 عام بسبب التطور اللاحق الذي حصل لها في السنوات الأخيرة، فقد قفزت قفزات سريعة أهلتها لتكون من أجمل المدن وأكثرها اهتماما بالفنون والبناء الثقافي، فمثلا شاهدت في متحفها الوطني الذي يضم مجموعة كبيرة من أعمال الفنانين الانطباعيين مثل لوحات كلود مونية، وسيزان، ورينوار، وادوار مونيه، وبيرث موريست، والفرد سيسلي، وكاميلو بيسارو، وأعمال نحتية مهمة لاوجست رودان، لعل أهمها وأكثرها شهرة التمثال العظيم للقبلة التي كنت أتمنى مشاهدته ولم أعلم أنه من مقتنيات متحف مدينة كارديف، التي استطاع متحفها أن يقتني هذه الأعمال الكبيرة التي لم توجد حتى في مواطنها الأصلية، ومنها أيضا اللوحة الشهيرة لرينوار المسماة بـ"لا بريسيان" والتي تعتبر من أهم أعمال رينوار، كما يضم المتحف تاريخ المخلوقات الديناصورية وحيوان الماموث وحجر القمر المستعار من وكالة ناسا الذي ينعكس على الزائر بمشاعر غريبة حين تشعر بهذا الحجر الآتي من سطح قمر تعتقد أنه مجرد كوكب مضيء لا يأتي منه مثل هذا الحجر الذي هو على مرأى وملمس خطوة فقط، كما وجدت في المتحف أحجارا من أزمنة وحقب تاريخية مختلفة تضع المشاهد في حيرة وتساؤل عن عمق وعمر هذا الزمن الذي نحن فيه، مجرد خربشة على سطح حجره.

كارديف تضم متحف سان فاجان التاريخي القومي، الذي يعد من أكبر متاحف أوروبا، مقام على أرض مفتوحة ضم كل الحياة الويليزية القديمة بكل نظمها وأنشطتها المعيشة في أزمنتها القديمة، وقد تم نقل هذه البيوت ذات الطرز القديم من مواقعها، حجرا حجرا، ولبنة لبنة، لترص ويعاد بناؤها في المتحف المفتوح.

ولتشجيع وتأسيس الوعي الثقافي وغرسه في حياة الناس وسلوكهم فُتحت أبواب الدخول لكل المراكز والمتاحف التعليمية والثقافية بالمجان من دون أي رسوم، وهو الأمر الذي لا يوجد في أوروبا ذاتها.

كارديف، مدينة عالمية كزموبوليتانية بجدارة، فهي متآلفة من كل الأجناس بمحبة بدون عنصرية، ففيها تكثر المساجد وأحياء العرب والمسلمين من مختلف الملل والأمم بمحلاتهم التجارية ومطاعمهم وعاداتهم، كما يوجد فيها أعداد هائلة من الطلاب الذين يشكلون دخلا مهما للمدينة.

وهي عاصمة شبابية بجدارة فكل ما فيها شاب وعصري وحديث، وأفضل ما عملته إنكلترا هو المحافظة على ابقاء اللغة الوليشية، ومنعها من الاندثار بإبقائها جنبا إلى جنب اللغة الإنكليزية، وذلك بوضعها في كل المطبوعات والمنشورات وحتى علامات الطريق، وهو الأمر الذي حمى ثقافتهم وتراثهم ولغتهم من المحو والاندثار.

كارديف، مدينة تعنى ببناء ثقافة وعي الإنسان فيها قبل كل شيء.

back to top