مايكل إغناتييف: لا أحد سينتصر وسورية إلى التقسيم

نشر في 14-09-2014
آخر تحديث 14-09-2014 | 00:01
•بروفسور في جامعة هارفارد ومستشار في الأمم المتحدة
يبدو أن أصل مايكل إغناتييف وحده يجعله مواطناً دولياً نوعاً ما. كان أحد جديه، الكونت بافيل، وزير التعليم الروسي في عهد القيصر نيكولاس الثاني. ومن جانب أمه، تجمعه صلة قرابة بالفيلسوف الكندي جورج غرانت. وُلد إغناتييف (67 سنة) في تورنتو، وترعرع في بلدان عدة لأن والده كان دبلوماسياً. حصّل على إجازة في التاريخ، ثم بدأ يكتب أعمالاً تاريخية وخيالية. تعاطى بعد ذلك مع تعقيدات القانون الدولي. وخلال عمله في الأمم المتحدة، أوكلت إليه مهمة تطوير مفهوم «مسؤولية الحماية»، الذي يفرض تطبيق معايير دولية إلزامية، عندما يكون المدنيون مهددين بالإبادة الجماعية. وبصفته زعيم الحزب الليبرالي بين عامَي 2008 و2011، تولى قيادة المعارضة السياسية الكندية في أوتاوا.

 إغناتييف مستشار في الأمم المتحدة، وأحد أهم المفكرين في عصرنا، وهو بروفسور متخصص في السياسة في جامعة هارفارد. كذلك عمل رئيس منتدى ريتشارد هولبروك لدراسة الدبلوماسية والحوكمة في الأكاديمية الأميركية في برلين. أجرت «شبيغل» أخيراً مقابلة معه تناولت المواضع الساخنة حول العالم، من العراق وسورية وغزة إلى أوكرانيا وغيرها.

قررت الحكومة الألمانية، في تبدّل جذري لسياستها السابقة، تزويد الأكراد بالأسلحة، معتبرة أن هذه الطريقة الوحيدة لوقف الإبادة. فهل قرارها صائب؟

أعتقد أن هذه إشارة جيو-إستراتيجية وسياسية مهمة. وتعني أيضاً أن ألمانيا تضطلع بدور مهم في التحالف الغربي، وهذا حق لها. فستصبح أوروبا غير فاعلة من دون سياسة ألمانية أكثر نشاطاً ومن دون تبني برلين مقاربة أكثر ثقة في النفس.

صحيح أن من الطبيعي أن نقف مرتاعين أمام عمليات القتل الوحشية التي تمارسها الدولة الإسلامية في العراق والشام الإرهابية (داعش)، ولكن هل نواجه حقاً خطر إبادة جماعية؟ ألم تبدأ الضربات الجوية الأميركية بوضع حد للإسلاميين المتطرفين؟

يسيطر هؤلاء على مساحة شاسعة من الأراضي، ما يجعلهم خطيرين على وجه الخصوص. يجب ألا نحكم على هذه المنظمة المقاتلة على أساس الإبادة الجماعية أو عدد الأشخاص المهدَّدين في المنطقة.

على أي أساس يجب، إذاً، أن نحكم عليها؟

داعش قوة بالغة الخطورة تهدد الشرق الأوسط كله، ويمكن أن تقوّض كامل بنية نظام الدولة الهش فيه. فإذا عززت داعش قوتها، فستزعزع أيضاً الخليج العربي، ما قد يعرض إمداد النفط العالمي للخطر.

إذاً، ترتبط هذه المسألة بالمخاوف الجيو-إستراتيجية أكثر منه بالإبادة الجماعية.

ترتبط بهاتين النقطتين. تشكل داعش خطراً بمفهوم الواقعية السياسية بقدر ما هي اعتداء على قيم المدنية. يُعتبر هؤلاء الإرهابيون بوحشيتهم عاراً على الإسلام. الشرق الأوسط منطقة متعددة الإثنيات والطوائف عاش فيها السنة والشيعة والمسيحيون والأيزيديون معاً منذ قرون عدة. ربما فرض الغرب حدوداً وبنى أمماً على المنطقة. لكنه لم يُضطر إلى الترويج للتعددية الإثنية لأنها كانت قائمة أساساً. وقد نجحت بنية التسامح هذه في الماضي، على الأقل في جزء منه. ولا شك في أن كل مَن يدمر هذه البنية لا يلعب في النار فحسب، بل يشعل صراعاً عالمياً.

ولكن هل يشكل إرسال مزيد من الأسلحة إلى الشرق الأوسط الذي يحفل بالسلاح أساساً وسيلة لتحقيق النجاح؟

صحيح أن هذا أمر مؤسف بالتأكيد، إلا أن لا مفر منه.

أليس من واجبات مجلس الأمن في الأمم المتحدة محاربة المجاهدين بالقوة المسلحة؟

لا شك في أن حلاً مماثلاً يُعتبر الأفضل. ومن المؤكد أن روسيا والصين تخشيان تقدم داعش لأسباب مختلفة. إلا أنهما تفضلان أداء دور مفسِد النظام الدولي وإلقام مسؤولية انهيار النظام على عاتق الولايات المتحدة.

إذاً، ستدمر الصواريخ الألمانية المضادة للمدرعات قريباً الدبابات الأميركية التي قُدّمت للجيش العراقي وسيطر عليها المجاهدون. ولكن هل من ضمان يؤكد أن الأسلحة الألمانية لن تقع بين أيدي العدو ولن تُستخدم ضدنا ذات يوم؟

لا يستطيع أحد أن يضمن ذلك. فإذا أرادت ألمانيا أن تتأكد من أنها لن تقع بين الأيدي الخطأ، فعليها أن ترسل جنوداً على الأرض.

رفضت برلين إنزال الجنود على الأرض. لكن قوى البشمركة الكردية ليست الوحيدة التي تطالب بأسلحة من الغرب. يريد حزب العمال الكردستاني الشيوعي السلاح أيضاً. فهل من المبرر تصنيف هذا الحزب، الذي أودى صراعه السري المسلح بحياة آلاف الأتراك، مجموعة إرهابية في الولايات المتحدة وأوروبا؟

أُتيحت لي فرصة زيارة معسكر تدريب تابع لحزب العمال الكردستاني قبل بضع سنوات. ورأيت هناك أولاداً جنوداً، وهذا بالتأكيد ليس مشهداً مشجعاً.

بينما كان جنود الجيش العراقي النظامي وقوات البشمركة يهربون من أمام المجاهدين المتقدمين في أماكن كثيرة من دون خوض أي معارك، أسهم ثوار حزب العمال الكردستاني في تحرير العالقين في جبال سنجار، رغم أسلحتهم المتواضعة.

نعم، يبدون غالباً مقاتلين عنيدين. ويشكل هذا معضلة أخلاقية بالنسبة إلى الغرب. لكن كل مَن يقاتلون اليوم داعش يُعتبرون أهون الشرَّين. ومن الضروري أن تواصل الولايات المتحدة تنفيذ ضرباتها الجوية.

ألا يتحمل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش جزءاً من مسؤولية الكارثة الراهنة بسبب غزوه عام 2003، تلك الحرب التي أيدتَها سابقاً؟

نعم، هذا صحيح. في تلك المرحلة، انخدعت بالحجج التي كانت الولايات المتحدة تروج لها، على غرار كثيرين آخرين. أندم على تأييدي تلك الحرب وأقرّ علانية بخطئي. لطالما دعمت التدخل، فأنا أعتقد أن من المقبول انتهاك سيادة بلد ما لأسباب إنسانية، خصوصاً عندما يقتل حاكم مستبد شعبه أو عندما يواجه الناس خطر الإبادة الجماعية. أظن أن هذه كانت حال العراق يومذاك. لكن المشكلة الوحيدة تكمن في أن الحكومة الأميركية تلاعبت بالرأي العام.

تبدو البدائل اليوم سيئة: فإما يواصل داعش توسعه بسرعة كبيرة أو يوحد حزب العمال الكردستاني والبشمركة قواتهما لإقامة دولتهما الكردية الخاصة الموجهة ضد بغداد.

لا أنظر إلى الوضع بهذا التشاؤم. أعتقد أن الأكراد يدركون أن عليهم البقاء جزءاً من العراق، في المستقبل القريب على الأقل. صحيح أنهم يملكون رغبة قوية في الاستقلال، إلا أن التطورات الأخيرة ستحد على الأرجح من هذه الرغبة في الوقت الراهن.

نسمع أصداء مختلفة من أربيل

أسافر إلى المنطقة الكردية منذ أكثر من 25 سنة. ومن المذهل ما حققوه في منطقتهم التي تتمتع باستقلال ذاتي داخل العراق. بخلاف بغداد، الإدارة فاعلة هناك، فضلاً عن أن الاقتصاد مزدهر والأديان تُمارس بحرية. واكتشفت أن الأكراد يدركون تماماً إلى مَن يعود الفضل في ذلك. فالنجاح الحقيقي والأكيد والوحيد الذي حققه التدخل الغربي منذ عام 1991 يبقى المنطقة الكردية التي نجحت في التطور والتقدم نتيجة إقامة منطقة الحظر الجوي. ومن المخجل أن يعرِّض الغرب أو الأكراد هذه التجربة الناجحة للخطر. ويجب ألا نسمح لإرهابيي داعش اليوم بتدميرها.

تسيطر داعش على أجزاء واسعة من سورية، ولا يساعد أحد الناس هناك. ولم تفكر الولايات المتحدة إلا أخيراً في توجيه ضربات إلى مواقع داعش في سورية. ألا تتبع معايير مزدوجة؟

نعم، يمكننا رؤية المسائل بهذه الطريقة.

تشعر القوات المعتدلة التي تخوض القتال ضد المجاهدين ونظام الأسد المستبد أنها متروكة. ويعتقد كثيرون في الغرب أنه كان علينا مدها بالسلاح منذ زمن.

لطالما عارضت عملية تسليح مماثلة. فبخلاف كردستان اليوم أو كوسوفو في الماضي، لم تتمتع المعارضة السورية يوماً بجبهة سياسية مشتركة مقنعة أو ببنية قيادية يُعتمد عليها. لكن هذا يشكل شرطاً أساسياً للتدخل ودعم أحد أطراف النزاع.

هل هذا سبب كافٍ لنضطر إلى القبول بسقوط أكثر من 190 ألف ضحية حتى اليوم، معظمهم قتله نظام الأسد الوحشي؟ ماذا حلّ بالمسؤولية الدولية لحماية المدنيين؟ ألا تستوجب “مسؤولية الحماية” التي أعددتها التدخل؟

شكّل تدمير أسلحة نظام الأسد الكيماوية، الذي نصّ عليه أحد قرارات الأمم المتحدة، نجاحاً كبيراً. لكن الدول الغربية، التي تصطدم بمعارضة موسكو وبكين في مجلس الأمن، أخفقت في منع عمليات القتل الضخمة في الحرب الأهلية. وهذه مأساة بالتأكيد. ولكن إذا كان هدفنا حماية المدنيين في سورية، فعلينا تطبيق عقيدة “مسؤولية الحماية”. ولا يعني ذلك إلا أن إرسال أي أسلحة إضافية إلى مطلق طرف سيزيد الوضع سوءاً.

لمَ أنت واثق بذلك؟

على مَن يحوّلون الحرب الأهلية السورية إلى حرب بالوكالة، من المملكة العربية السعودية وقطر إلى روسيا وإيران، أن يفهموا أن لا الأسد ولا الثوار ولا أي طرف آخر يستطيع تحقيق النصر في هذا الصراع، وأن مواصلة القتال ستؤدي إلى خسائر أكبر في الأرواح. ومن الممكن أن يفضي الإقرار بحالة الجمود هذه إلى وقف لإطلاق النار تكون الأمم المتحدة الوسيط فيه. على كل طرف أن يتكيّف مع الوضع القائم. وستكون النتيجة بالتأكيد دولة سورية مقسّمة، مع سيطرة الأسد على دمشق وهيمنة الجيش السوري الحر والأكراد بعد تدمير داعش على الشمال والشرق بحكم الأمر الواقع. نتيجة لذلك، سيظهر بعض التحالفات الغريبة غير المباشرة. ففي النهاية، يخشى الأسد والغرب المجاهدين ويحاربانهم.

يقدّم الأسد اليوم خدماته للغرب بصفته شريكاً. أوَلا تعارض إبقاء حاكم مستبد في السلطة، أم أن الأسد أهون الشرّين؟

أعتقد أن هذه الطريقة الوحيدة لإنهاء قتل المدنيين. أعلم أن هذه صفقة مع الشيطان. ومن الصعب تخيل مقايضة أبشع للسلام والعدالة. لكن مواصلة المطالبة بالإطاحة بالأسد من دون التمتع بنفوذ حقيقي لفرض ذلك يؤول إلى خطر الفراغ وإلى استراتيجية ميؤوس منها. ويكون البديل سنوات إضافية من الحرب الأهلية، الموت، والدمار.

في المسألة الليبية، صدر قرار عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2011 قبلت به أيضاً موسكو وبكين، وكان هدفه منع إبادة جماعية وشيكة كانت سترتكبها قوات القذافي المتقدمة نحو بنغازي. ولكن بعد تحقيق الهدف، وسّع حلف شمال الأطلسي في خطوة أحادية المهمة لتشمل تغيير النظام في طرابلس والإطاحة بذلك الحاكم المستبد. نتيجة لذلك، شعر بوتين بأنه خُدع.

لا تعني مسؤولية الحماية تغيير النظام. ولكن لا داعي لتدوير الزوايا: علق هذا المفهوم في أزمة شرعية ديمقراطية. لا تقتصر المشكلة على تنامي الميل الانعزالي والسأم التدريجي من التعاطف مع الآخر في ظل هذه الفظائع كافة. ولا تتوقف عند التحفظات في شأن كلفة التدخل المالية أو خيبة الأمل الناتجة من عجزنا عن إرساء الاستقرار في العراق، أفغانستان، وليبيا. فما عاد الناس في الدول الديمقراطية يثقون في قادتهم السياسيين، الذين يروجون (على غرار بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في العراق عام 2003) لأمر ما متحججين بأعذار كاذبة. وهكذا يخون هؤلاء القادة مبادئ يدّعون أنهم يدعمونها. نتيجة لذلك، صارت الشعوب الغربية ترفض، وفق أغنية فرقة الروك المفضلة لدي The Who، “أن تُخدع مجدداً”.

لا تلقى العمليات القتالية في العراق وسورية شعبية كبيرة في الولايات المتحدة. أما في ألمانيا، فيعارض ثلثا الشعب إرسال الأسلحة إلى الأكراد. فهل يستطيع السياسيون الديمقراطيون الحكم بما يخالف مشيئة الغالبية؟

كلا، على الأمد الطويل على الأقل. ثمة أمر واحد يمكنهم القيام به: الترويج لقناعاتهم، وإلا لن نتمكن من منع الإبادات الجماعية في المستقبل أيضاً.

إسرائيل

تبدو بكلامك أشبه بسياسي واقعي منهك، لا ناشط إنساني مليء بالأمل وداعم للتدخل.

لا شك في أنني أتمسك بإيماني بمسؤولية الحماية وأؤكد أهميتها. ولكن لا يمكنني أن أضع هذا المفهوم فوق كل اعتبار. أمضيت حياتي وأنا أحاول التوفيق بين مفاهيم حقوق الإنسان والجيو-سياسية الواقعية. لكن التعارض بينهما يكون أحياناً كبيراً جداً.

تتجلى هذه المعضلة أيضاً في الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين. فهل من توجيهات أخلاقية وسياسية واقعية؟

من المؤكد أن الهجمات الصاروخية التي تشنها “حماس” تنتهك القانون الدولي. ولإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وتدمير منصات إطلاق هذه الصواريخ. ولكن على الجيش الإسرائيلي أيضاً أن يحترم القانون الدولي ويتفادى اللجوء إلى القوة العشوائية، خصوصاً عند تعاطيه مع المدنيين.

تدعي حكومة نتانياهو أن هذا ما تفعله.

ما هذا الكلام؟ أعطى مدير مدرسة تابعة للأمم المتحدة في مدينة غزة الإسرائيليين إحداثيات منشأته عشرات المرات وفعل المثل مع “حماس”. رغم ذلك، تعرضت المدرسة للقصف وقُتل أولاد. لا يسعنا إلا أن نأمل أن يدرك الطرفان أن تقدم داعش وتفكك سلطة الحكومات في الشرق الأوسط يشكلان أيضاً خطراً كبيراً عليهما. ويتعرض الطرفان للخيانة من قيادتهما السياسية.

ألا يجب أن يؤدي ذلك إلى إعادة تقييم العلاقات الأميركية-الإسرائيلية في واشنطن؟

آن الأوان ليعيد الرئيس باراك أوباما التحقق من أن مصالح واشنطن الإستراتيجية لا تزال مطابقة حقاً لمصالح إسرائيل. أعتقد أن هذه المصالح تتباعد منذ زمن.

تتعرض للانتقاد ممن يقولون إن من الممكن بسهولة استغلال مفهوم مسؤولية الحماية. فيعتبر النقاد أن هذا المفهوم يقدّم عذراً، تحت غطاء التدخل الإنساني، لإجراء تغيير للنظام يريده الغرب، وأنه يخفي دوافع الولايات المتحدة الإستراتيجية الحقيقية.

أولاً، تقوم مسؤولية الحماية على منع حدوث فظائع مماثلة. ويشكل التدخل العسكري الحل الأخير. وعلى الأمم المتحدة أن تشرّع ذلك في الأحوال العادية.

أوكرانيا

صحيح أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تتحفظ في انتقادها إسرائيل لأسباب تاريخية، إلا أنها تعارض بوضوح الرئيس الروسي في الصراع الأوكراني، خصوصاً من خلال زيارة التضامن الأخيرة إلى كييف. هل تعتقد أن من الصائب أن تتدخل برلين بهذه القوة في أوكرانيا؟

أرحب بسياسة ألمانية جديدة أكثر ثقة في النفس. تتمتع ميركل بالتأثير الأكبر في أوروبا. كذلك تملك روابط قوية مع كييف وموسكو. ولا شك في أن بوتين ليس ساذجاً، ويدرك الحدود التي يجب عليه التوقف عندها. لذلك من الممكن توضيح عواقب أعماله له بكل صراحة.

هل تعتقد أن مناورة حلف شمال الأطلسي في غرب أوكرانيا وتشكيل قوة تدخل سريع تابعة لهذا الحلف في شرق أوكرانيا خطوة صائبة؟

عندما يعلن القائد الروسي، وإن مازحاً، أنه يستطيع الاستيلاء على كييف في غضون أسبوعين، يكمن الخطر في أن نخفف من رد فعلنا لا أن نبالغ فيه. صحيح أن من المهم أن نعزز التزامات حلف شمال الأطلسي ونزيد عدد القوات التي ننشرها في دول البلطيق وبولندا وغيرها، ولكن علينا أيضاً أن نساعد الحكومة الأوكرانية بمدها بالسلاح والمستشارين بهدف التصدي للغزو المدعوم بوضوح من روسيا وعكس الزخم العسكري كي يصبح الحل السياسي المؤاتي لاستمرار أوكرانيا كدولة موحدة ممكناً من خلال المفاوضات.

ألا يجب أن نفرض على كييف أي مطالب؟

يجب أن تتعاطى المستشارة الألمانية أيضاً بحزم مع الحكومة الأوكرانية وتبدد أي أوهام. فالطريق إلى الاتحاد الأوروبي ليس سهلاً وسريعاً. على كييف القيام بتغييرات أساسية. فمن الضروري أن تحدّ من الفساد المتفشي، تنشئ مؤسسات ديمقراطية فاعلة، وتمنح الشرق مزيداً من الاستقلالية. كذلك يجب ألا يعِد أحد أوكرانيا بعضوية حلف شمال الأطلسي.

هل على الغرب القبول باحتلال القرم، إذا تعاون بوتين في مسألة شرق أوكرنيا، علماً أن هذا الاحتلال انتهاك للقانون الدولي؟

قد لا يتمكن الغرب من عكس ضم القرم، ولكن عليه أيضاً ألا يقبل به مطلقاً. لا داعي لأن نعترف بذلك رسمياً، تماماً كما فعلنا مع دول البلطيق بعد الحرب العالمية الثانية. وقد ساعد هذا دول البلطيق على استعادة حريتها في النهاية.

من العراق وغزة إلى أوكرانيا، ترى العالم في حالة تفكك أخيراً. ولا يبدو مفهوم “مسؤولية الحماية”، الذي وضعته وقبلت به غالبية دول الأمم المتحدة، عالي الفاعلية.

لست واهماً في هذه المسألة. لا يريد الروس والصينيون مسؤولية الحماية لأنها تحد من سيادة الحكومة وتسمح (أو حتى تفرض في بعض الحالات المتطرفة) بتدخل خارجي. لا شك في أن سيادة الحكومة قيمة بالغة الأهمية. ولكن لا يمكن أيضاً السماح لأي حكومة بارتكاب عمليات قتل جماعي داخل حدودها. ولهذا السبب نحتاج إلى مسؤولية الحماية. لا شك في أن فظائع النازيين وإبادة بول بوت الجماعية في كمبوديا والإبادة الجماعية في رواندا تُظهر للعالم ما هو ممكن في ظل غياب معيار دولي. وها نحن نرى هذا المشهد يتكرر اليوم.

* إريك فولاث

back to top