الكتابة الشبابية والنقد!

نشر في 03-09-2014
آخر تحديث 03-09-2014 | 00:01
 طالب الرفاعي يحق للناقد قراءة وتحليل أي نص إبداعي وفق قناعاته العلمية والأدبية والحياتية، وللكاتب حق كتابة مشاعره وقناعاته ومواقفه تجاه مجريات العيش، والتفاصيل الإنسانية الصغيرة للحظة العابرة. وبين نتاج الكاتب ورأي الناقد يعلن القارئ انحيازه لما يمسّ نبض حياته، ويمضَّ في لحم قلبه!

للناقد حق تشريح بنية النص، بدءاً بعنوان العمل، مروراً بالمحتوى، وانتهاءً بالشكل واللغة. لكن الأعمال الأدبية عبر مسيرة البشرية، إنما تُكتب لجمهور القراءة، وما أكثر الحالات التي قرأ بها النقاد عملاً وهم يرتدون نظاراتهم المقعّرة، وحقّروا من قدره، ورفضه الناشرون، ليأتي الزمن لاحقاً ويقول كلمته، في بطلان رأي الناقد، وخطأ حسابات الناشر. أسوق هذه المقدمة، بعد أن وصلتني أكثر من شكوى، تصريحاً أو تلميحاً، من شباب في بداية مشوارهم الإبداعي، وهم يعانون كلمات قاسية، تُقال بحق نتاجهم الأدبي. كما أنني لست بعيداً عن بعض الأقلام النقدية التي توجه سهامها لأي نتاج بنظرة فوقية، محصورة في نظريات نقدية، بعيدة عن تلمس ذائقة القارئ، وعن قراءة موضوعية للعمل الأدبي. بل تكتفي بإطلاق أحكامها وإصدار "فورماناتها" التي تستند الى نظريات نقدية لا مكان لها سوى صفحات الكتب المغلقة.

إن جيل الشباب، ليس في الكويت وحدها بل في عموم الأوطان العربية، يعيش مأزق اللحظة المتغيرة التي تمر بها أقطار الوطن العربي، ويعاني وجع اللحظة الإنسانية التي يحياها، يعبّر عن وجعه بمداد قلبه، قائلاً كلمته ومؤمناً بأنها وحدها المتبقية له، بعد أن تخلى عنه الجميع. وهو إذا يفعل ذلك، لا يفعله حالماً بشهرة كاذبة، ولا مدفوعاً إلى جائزة أدبية، لكنه يكتبه لأنه لو بقي محبوساً بداخلة لقتل جزءاً من روحه.

إن النقد الموضوعي الصادق والجريء مطلوب، كإبداع قائم بذاته، ينير جوانب النص الروائي أو القصصي أو الشعري، ويخاطب كلاً من المؤلف والقارئ، لكن هذا النقد يجب ألا يتعدى حدود ومساحة النص الإبداعي ليمسّ حياة وعالم المؤلف، وإلا جار على قلم صاحبه قبل أن يجور على قلم المؤلف.

إنني أحد القلة الذين يكتبون وفق ما بات يُعرف بمدرسة "التخييل الذاتي"، وهي مدرسة روائية تقوم على تقديم الكاتب لسيرة حياته الحقيقية، أو أجزاء منها، ضمن المتن الروائي. ولأنني أؤمن أن سيرة حياة أي كاتب هي حكاية بحد ذاتها، وهي جزء لا يتجزّأ من نصه القصصي أو الروائي، ارتضيت لنفسي الكتابة وفق هذه المدرسة. وأنا بذلك أتحمل ما يترتب على ذلك. ويستوقفني في أي مقال نقدي، يوجه لأي من كتاباتي، أو كتابات أحد الزملاء، القول: لو أن الكاتب عمل كذا وكذا! وهذا أسلوب يثير السخرية، فالكاتب انتهى من نصه ونشره، وبالتالي على القارئ والناقد أن يتعاملا مع النص كعالم قائم بذاته، دون إملاء إرادتهما في لو أن الكاتب عمل كذا وكذا! وكيف بناقد يدرك حرفة النقد، وأنه إبداع على إبداع، يعطي لنفسه الحق بفرض إرادته على كاتب، ويطلب منه أن يكتب وفق قناعته؟!

الشباب الكويتيون العاملون في مجال الكتابة الروائية والقصصية والشعرية، يقدمون كل يوم نصوصاً إبداعية تتفاوت في جودتها، وفي تحقيقها لشرطها الفني، وجميل جداً وقوف الناقد أمام هذه النصوص وقراءتها قراءة موضوعية علمية، بعيدة عن القناعات الشخصية، وبعيدة أيضاً عن نظريات وأفكار، قد تصلح لمجتمع، لكنها ليس بالضرورة تتماشى وحركة مجتمع آخر.

الشباب المبدعون هم الرهان الحقيقي المتبقي للأوطان العربية، ومن هنا فإن مهمة الوقوف إلى جانبهم والشدّ من أزرهم وتشجيعهم تكاد تكون مهمة مقدسة، مع ضرورة احترام وتحقق الشرط الفني لأي نتاج إبداعي.

back to top