رودني حداد: التجارة طاغية على الفن ولا مساحة إعلامية للمفكرين

نشر في 03-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 03-09-2014 | 00:01
قلّة تدرك أنه مخرج وممثل وكاتب، وأنه الجندي المجهول لأعمال سينمائية بلغت العالمية، لكن بالنسبة إليه، لا بدّ من أن يكتشف الجمهور يوماً ما هذه الثلاثية التي يتميّز بها من دون جعلها هدفاً يسعى إليه.

يستعد الفنان رودني حدّاد لتصوير فيلمه السينمائي الخاص به، وذلك بعد الانتهاء من تصوير دوره في الفيلم الفرنسي Une Histoire De Fou.   

عن أعماله والفن والإعلام، تحدث إلى {الجريدة}.

كيف تقيّم مشاركتك في المسلسل الرمضاني {كلام على ورق}؟

موّفقة، فعلى رغم ارتباطها بالشق العملي، إنما كانت إنسانية، أيضاً، نظراً إلى هوية المخرج وأسلوبه الغني والديناميكي ونوعية النصّ المحبوك جيّداً، فضلا عن حديث هيفاء وهبي الجيّد عنّي، وذلك بعدما عبّرت سابقاً عن حسن أدائها في فيلم {دكانة شحاتة} وقلت إنها تملك حدساً تمثيلياً وإنها ملتزمة.

هل تابعت أعمالا أخرى متزامنة؟

عندما ترتفع لذّة الفنان ومستوى توقّعاته الفنية، يصعب عندها إيجاد ما يشفي غليله على الصعيد الفردي، لذا لا أتعمّد مشاهدة الأعمال التلفزيونية من دون التمنّع طبعاً عن متابعتها، إذا حصل ذلك بطريقة عفوية غير مقصودة، بغضّ النظر عما اذا كنت مشاركاً فيها أم لا.

ألا يهمّك الاطلاع على مستوى الدراما العربية راهناً؟

أي مستوى نتحدث عنه طالما أن الشق التجاري طاغٍ على النوعية الفنيّة؟ ثمة أعمال جيّدة لكننا لا نرى تحفة إبداعية مهمة كالتي نتشوّق فعلا إليها، بسبب بعض النواقص، أحياناً، في سياق الموضوع الذي يتأثر بالرقابة أو بوجهة نظر الكاتب المحدودة. العالم العربي جزء من الكرة الأرضية، وبالتالي لا يمكن للفنان الحقيقي أن يكون محدوداً لغوياً أو محلياً. إلى ذلك لا يجوز التمييز بين عمل فني وآخر انطلاقاً من هويته المحلية، إنما انطلاقاً من نوعه، أي تراجيدي أو كوميدي، لأنه عندها يمكن التمهيد لانتشاره في الخارج.

ألم تتطوّر الدراما المحلية على الصعيد العربي؟

وهل الأعمال العربية أفضل بكثير من الدراما اللبنانية؟ الفارق بسيط بين المحلي والعربي، إنما فكرة الخصوصية المحلية لا تزال مسيطرة على الفكر العام التربوي العربي، ما يحول دون بلوغها الانتشار الغربي أسوة بانتشار الأعمال الغربية عندنا. فعندما يُعرض مسلسل ما مترجماً عبر قنوات أجنبية، عندها يمكن الحديث عن أمل بالانتشار والتطوّر الفعلي. أمّا سينمائياً، فثمة محاولات محليّة جيّدة وهي تتخطى بعض الأفلام العربية أحياناً.

كيف تتعاطى الرقابة العربية مع الأعمال الفنية؟

تتباين الرقابة، برأيي، وفق الأشخاص لا الأعمال، وهي تقتصر على الأعمال الفنية من دون أي رقابة على البرامج السياسية، مثلا، أو على الفضائيات. أرفض مبدأ الرقابة الفنية إلا أنني أفضّل توافرها في العالم العربي، خصوصاً عندما يعلن أحدهم، في برنامج حواري، أن الإرهاب وجهة نظر مثلا. ثمة فساد في دول العالم كافة، إنما الفرق بين الغرب والعرب، أن ثمة مساحة في الغرب ليبدي المفكرون رأيهم فيما لا مساحة لمفكري العرب في الإعلام.

ماذا عن رقابة الفنان الذاتية؟

لا ضرورة لخضوع الفنان الحقيقي للرقابة كونه ملتزماً بالأخلاقيات العليا لكل الفنون، حتى لو كان يطرح موضوعاً خاصاً أو مستفزّاً للرأي العام. فالمفكرون والفنانون الكبار هم القادة الحقيقيون، إذ لا أحد يتذكر اسم الملك في زمن فولتير، وإنما يتذكر الجميع فولتير. تكمن المفارقة في الدول العربية في تذكر الجميع اسم رئيس جمهورية أي دولة عربية، لكنهم لا يتذكرون أسماء المفكرين العرب. والاسوأ تحقيق الشتّام نسبة مشاهدين مرتفعة عبر الشاشة، فيما لا يتابَع أحد المفكرين، وأعزو ذلك إلى الفساد التربوي. أمّا الديمقراطية فهي، برأيي، كذبة لا يمكن تصديقها.

تتحدث دائماً عن فساد في القطاعات كافة.

الفساد مرض عالمي اخترق الفنون والسياسة والمجتمع، وقد وصلنا إلى مرحلة لم يعد الإنسان الحقيقي يجد مكانه في هذا العالم، وأصبحت قيمته مرتبطة بالمبالغ المادية التي يملكها، فانقلبت المفاهيم الإنسانية رأساً على عقب.

ما دور الإعلام أمام هذا الواقع؟

الإعلام مسؤول عن مجازر العالم من دون أن يدري، وجزء كبير منه موّجه فنياً. وثمة وجهة نظر سائدة عبره بأن اللبنانيين غير مؤهلين فنياً، إنما هم في الحقيقة متقدّمون على سواهم، لكن الكمية هي السائدة على النوعية في العالم العربي. علماً بأن أي تقدّم فنيّ في أي بلد عربي ينعكس إيجاباً على الدول العربية كافة.

ممثل وكاتب ومخرج، لماذا لم تفرض هذه الصورة في الوسط الدرامي اللبناني بعد؟

لا أفتشّ عن هويتي في الإعلام لأنني أدرك قدراتي الفنيّة، تاركاً للآخرين محاسبتي على أعمالي. لا يهمني فرض صورتي الثلاثية هذه كونها تزول مع الوقت، فيما يبقى العمل الفني النوعيّ الذي أقدمه.

ما رأيك في كيفية تعاطي الصحافة اللبنانية مع الفنّ؟

ثمة نقص فكري لأن عدد الصحافيين المثقفين قليل، فيما تتابع الغالبية ما يُعرض عبر الشاشة لكتابة نصٍ نقدي، مع أن الأعمال المعروضة ليست قيّمة، وهدفها تحقيق نسبة مشاهدين لأسباب تجارية. لا يمكن كتابة نقد بنّاء من دون ركيزة ثقافية عامة، لكن ما يحصل راهناً هو تعاملنا مع أي شخص يملك حداً أدنى من الثقافة العامة والاطلاع وكأنه ناقد.

ألم تقدّم بعد أعمالا سينمائية؟

شاركت في كتابة بعض الأعمال، لكنني فضلت رفع اسمي عنها بعدما لمست تبايناً فكرياً بيني وبين شريكي في الكتابة والمرتبط بالجهة المنتجة. إنما لا يعني ذلك ألاّ أعمال جيدة في لبنان أو في العالم العربي، بل أرى عباقرة على الصعيد الفردي إنما فساد على صعيد الجماعة.

هل ثمة مشروع عمل سينمائي خاص بك؟

بعد الانتهاء من تصوير مشاهدي في الفيلم السينمائي Une Histoire De Fou، سأبدأ التحضيرات الجديّة لفيلمي الخاص الذي أكتبه وأخرجه وأمثل فيه. نتوّجه في الفيلم السينمائي الفني إلى السينمائيين الآخرين، لذا يجب أن يكفّ بعضهم عن الادعاء والتكابر، لأن الآخرين قادرون على قراءة العمل الفني بجوانبه كافة.

ما نوع فيلمك؟

درامي يشبه الى حدّ ما مسرحيات تشيخوف.

ما موضوعه؟

أواجه من خلاله الفكر التكفيري في العالم والفساد المتفشّي، من خلال سرد زمن معيّن في حياة الشخصية الأساسية وكيفية تطوّرها، ووجهة نظرها من أمور حياتية معيّنة، وهي شخصية تشبهنا، صادقة، تعيش في مدينة معروفة في الأطراف لا في بيروت التي هي خليط من الحضارات والثقافات المتنوعة.

قدّمت عملا إذاعياً درامياً {إدوار وأليس} عبر أثير صوت الغد، كيف تقيّم هذه التجربة؟

عمل أدبي قيّم، يتخطى الزمن الذي قدّمته فيه. عندما بدأت تحضيره اتكلت على الحدس، وهي اللعبة نفسها المعتمدة في أي عمل درامي، لكننا نستخدم فيها أسلحة مختلفة. السمع أهم حواس الإنسان، اذ لا وجود للسكون في المطلق، لأننا في أوّجه نسمع دقّات القلب، لذا يسهل التعاطي مع السمع، إنما يصعب اكتشاف مدى وعي الأذن في الأيام العادية، لنستطيع من خلالها تفعيل إحساس المستمع تجاه الأحداث وإطلاق خياله ليتصوّر المكان والزمان.  

هل تؤيّد تصوير المسلسلات الدرامية بلغة سينمائية؟

طبعاً، ثمة لغة إخراجية واحدة سواء في السينما أو في التلفزيون فيما يختلف الموضوع المعالج.

 

هل أنت انتقائي فعلا في خياراتك وحريص على نوعية مشاركاتك؟

لم أعد حريصاً في الآونة الأخيرة، إنما ذكي كفاية في اختيار أعمال لا تدمّرني فكرياً، بل تساعدني لإيصال جزء من أفكاري. ارتكز دائماً في خياري على معايير فنية، فيما أساوم في بعض الأمور المادية أحياناً.

سينما

ما دورك في فيلم Une Histoire De Fou كتابة روبير غيديغيان وإخراجه؟

الفيلم بحد ذاته أهمّ من دوري، لأن فكرته مهمة جداً، قدّمها المخرج بأسلوب النقد الذاتي، فعللّ ردّة فعل الأرمن بعد مجزرة الأتراك بحقهم، وإقامتهم محكمة حددوا من خلالها هوية الشخصيات التركية التي يريدون تصفيتها انتقاماً، ووصفها بأنها أقل من طبيعية مقارنة مع المجزرة التي حصلت، وذهب إلى حد القول إنه لا يمكن استرداد الحقّ في المحكمة أو من خلال اعتذار علني أو من خلال قرار دولي، بل من خلال القتال المسلّح. فيبدأ الفيلم بقتل شخص أرمني لأحد المسؤولين عن المجزرة على الأرض الألمانية، فيُقبض عليه ويعترف بفعلته لكنه يحصل على البراءة نظراً إلى أسباب القتل.

كنت الجندي المجهول لبعض الافلام السينمائية، أليس ذلك إجحافاً فنياً بحقّك؟

نشعر بالإجحاف عندما يكون الأمر مقصوداً، وثمة من لا يعرف علاقتي بهذه الأعمال السينمائية، لذا عندما يكتشف ذلك سيكّون فكرة عن فنّي، ومن الطبيعي أن يستغرق ذلك بعض الوقت ليتحقق.

ما رأيك بالأفلام السينمائية اللبنانية؟

يحاولون تسويق الفيلم اللبناني وهذا أمر جيّد، ويحتاج لبنان سنوياً الى عرض بين خمسة وسبعة أفلام جيّدة جداً، عندها يمكن القول إننا قد نبلغ مرحلة الصناعة السينمائية بعد 20 عاماً. في السابق كانت ثمة أفلام جيّدة انما اقتصرت على مبادرات فردية.

 

ألم يتحقق التنوع على صعيد المواضيع السينمائية؟

لا يمكن تسمية الشخصيات من دون دلالة طائفية لأننا نزيل بذلك الخلفية الاجتماعية للشخصية، التي هي مهمّة جداً ولا يمكن التهرّب منها أو تفادي الإشارة إليها. ثمة نية إنتاجية لتقديم أعمال سينمائية، لكنهم لا يدركون كيفية اختيار المواضيع. إلى ذلك ثمة نوع من الادعاء، إذ لا أعتبر أن أي مخرج إعلانات أو كليبات مؤهل لتقديم فيلم سينمائي نوعي، لأنه يحتاج إلى فكر وثقافة عامة، وإلى قدرة تواصل مع اللآخرين إضافة إلى اتقان التقنيات. الاختصاص الجامعي وحده غير كافٍ، ويحتاج الطلاب إلى إعداد جيّد ليصلوا جاهزين إلى سوق العمل.

back to top