ناشونال ترست

نشر في 01-09-2014
آخر تحديث 01-09-2014 | 02:01
 فوزية شويش السالم "ناشونال ترست" هي بناء لصندوق وطني لرعاية وحماية الآثار والتراث والبيئة وكل ميراث المملكة المتحدة البريطانية، وتعتبر من أهم أربع مؤسسات تقوم بذات المهمة، وإن كانت التخصصات تختلف قليلا بعضها عن بعض، وتساهم هذه المؤسسات في دور كبير بالرعاية والمحافظة على استمرار ونجاح التراث والإرث الإنجليزي من الدمار والخراب والانقراض، خاصة بعد التغيرات الاجتماعية وانقراض طبقة الاقطاعيين وعجزهم عن إدارة هذه الممتلكات وتسديد ضرائبها وتكلفة صيانتها الباهظة، لذا تخلى أغلبيتهم عنها وتركها لإدارة "ناشونال ترست" أو للمؤسسات الأخرى المماثلة لها.  

سير "روبرت هنتر" هو أول من سعى الى إقامة مثل هذا المشروع حين شارك في مسابقة لكتابة موضوع عن كيفية حماية الأراضي العامة من الاستغلال التجاري في التوسع والنمو البنائي والصناعي، وبالرغم من أنه لم يفز في المسابقة فإن مدخله في البحث طُبع ونشر، كما أنه عُين محاميا للمحميات الاجتماعية العامة 1867، ولأنه محام عرف كيف يدافع عن حقوق الناس وحقهم في الملكية العامة للأراضي المشاع، لذا فكر في تأسيس "ناشونال ترست" التي توسعت وكبرت بعد ما اشترت بأموال التبرعات كل الممتلكات التي خسرها مالكها "ويتكل رايت" في البورصة وعجز عن تسديد قرضه للبنك، وعلى أثر هذا توسعت المؤسسة وكبرت حتى شملت كل أنحاء انكلترا، وباتت تمتلك اليوم 350 مبنى تاريخيا وفيها 4 ملايين عضو، أنا واحدة منهم، و17 مليون زائر في كل سنة، ولعل أجمل الأمكنة الطبيعة من تلال وسهول ومناظر خلابة تعود لأزمنة مختلفة مثل العصر الطابشوري والحديدي وغيرها من قلاع وبيوت وآثار مختلفة كلها تدار من "ناشونال ترست".

استطاعت "ناشونال ترست" إدارة كل هذه الممتلكات بكفاءة وقدرة عالية وجدارة متميزة عن غيرها من المؤسسات المماثلة، ولعل أفضل ما فيها هو التوثيق الدقيق لحياة كل من عاش وامتلك تلك الأمكنة، فكل سيرة المكان ومن عاش فيه مكتوب ومرفق بالصور وتسلسل الأحداث، وما فيها من أثاث وكتب ومواد وغيرها، لذا يجد الزائر لهذه الأمكنة كل ما يريد أن يعرفه عنها، ويعيش في أحداثها وكأن الزمن قد توقف فيها، فكل شيء مسجل مثل ما حدث دون أي تغيير أو تبديل أو تزييف، فليس هناك أي تفصيلة أو معلومة مهما صغرت تُطمس أو تُخفى من التاريخ الانكليزي، وليس هناك إلا الحقيقة العارية مهما كانت سيئة أو مخجلة، والجميل أيضا هو وضع الموسيقى المصاحبة والمناسبة للعصر والزمن والمكان ذاته مما يعمل على زيادة المؤثرات السمعية والبصرية لروح الزائر.

هذه المؤسسات هي قدوة لغيرها من مؤسسات مماثلة لها تقريبا في الدول العربية، ومنها المجلس الوطني للآداب والثقافة والفنون في الكويت، فهذه المؤسسة تدير التراث الكويتي الثقافي من موسيقى وآداب وآثار تاريخية ومبان لمنازل تمثل حياة الكويت القديمة والحرف التي كانت سائدة في ذلك الزمن.

وقد قام المجلس الوطني بضم بيوت كويتية قديمة من أجل الحفاظ عليها وتقديم صورة عن ماضي حياة الناس فيها للأجيال الحديثة التي لا تملك أي تصور عن حياة ماضي أجدادهم، وهذا شيء مهم وجيد للغاية، لكن الأهم أيضا هو رسم صورة حية عن من عاش فيها، وتقديم جزء صغير من الحقيقة، ولأن المجتمع الصارم لا يتقبل طرح خصوصية حياة الناس الذين عاشوا في ذاك الزمن، ولن يرحم أسلافهم وأحفادهم من التندر والتفكه أو السخرية والجلد باللسان، لذا أقول لو أن هناك شيئا من سيرة أصحاب المكان تُنير وتُضيف معلومات تجعله أكثر حميمة للزائر وأكثر مصداقية، مثلما تمنيت حينما زرت بيت عبداللطيف العثمان الذي هو من أفضل البيوت التي عكست واقع الحياة في الكويت القديمة، وأحببت لو أن جدرانه تنطق وتخبر عن ما دار من حياة فيها، وذلك لأهمية هذا المنزل تجعل من الضرورة أن ُيكتب عن أسرار وواقع حياة دارت بين غرفه الكثيرة وأحواشه المكتنزة بحياة الضرائر والكنات وكثرة الأطفال وتعدد مشاكلهم.

أحواش المنزل استغلت بشكل جميل، لكن تبقى الحكايات المختبئة خلف جدران الغرف الصامتة هي أهم ما فيه.

back to top