تساؤلات حول موقف طهران من تيار الإصلاح في بغداد

نشر في 30-08-2014 | 00:06
آخر تحديث 30-08-2014 | 00:06
No Image Caption
الشيعة يبشرون بـ «عهد جديد» بين العراق وجيرانه
لعل أبرز ما جاء في المؤتمر الصحافي المشترك بين الزعيمين الشيعيين مقتدى الصدر وعمار الحكيم الخميس، وهما يتحدثان من النجف، هو إشارات بلغت درجة التصريح، بشأن إصرارهما على تنفيذ إصلاحات فورية للخطايا السياسية التي زخر بها عهد رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي لعب الرجلان دوراً أساسياً في الإطاحة به، رغم امتلاكه أكبر كتلة نيابية في البرلمان المنتخب مؤخراً.

وأجاب الزعيمان، اللذان يمتلكان مع الحلفاء الشيعة المقربين نحو 80 مقعداً نيابياً (مقابل نحو 95 للمالكي معظمهم اصطفوا الآن مع رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي)، عن أسئلة الصحافيين حول المرحلة المقبلة، بنحو حظي بالتركيز على إطلاق حملة تطبيع للعلاقات مع الجوار العربي، والخليجي بشكل خاص. ورغم أنهما تحفظا عن بيان موقف صريح بشأن إصلاحات داخلية مطلوبة حساسة، مثل القبول بعفو عام يشمل الجميع على نحو يلغي حتى إجراءات اجتثاث البعث المطبقة منذ 11 عاماً ويشتكي السُّنة من تبعاتها، فإن الحكيم قال للصحافيين وهو يهم بالانصراف: "سترون قرارات مهمة خلال أسابيع، تنهي الاعتراضات وتحظى برضا الجميع، وتوحد العراقيين أمام خطر داعش".

ويقول العارفون إن كلام الشيعة، الذين كثيراً ما عارضوا نهج المالكي، لا يمثل مجرد قناعة داخلية، بل يلتقي بوضوح مع رغبة أميركية في إنشاء حلف إقليمي مدعوم دولياً لتطويق خطر "داعش" والجماعات المتشددة. ويوازي أيضاً رغبة إقليمية في مواجهة خطر موحد يضرب بنحو مباشر مصالح المذهبين الشيعي والسني، كما يهدد الأقليات الدينية والعرقية في العراق وسورية وأماكن أخرى، وهو أمر يتميز بحساسية فائقة تاريخياً ودولياً.

ويقول الخبراء إن الخطر الذي يمثله تنظيم داعش "غير تقليدي"، ويضربون مثلاً بالتمدد الذي مر عليه نحو شهر حين اجتاح التنظيم منطقة سهل نينوى الفاصلة بين الموصل وإقليم كردستان، وسيطر عليها خلال معركة لم تدُم أكثر من 48 ساعة، وبدأ يهدد أربيل عاصمة الأكراد مطوقاً إياها من ثلاث جهات، وصارت المعارك لا تبعد عن مركز المدينة سوى 30 كيلومتراً، لولا تدخل أميركي سريع وفر طلعات جوية مكثفة، أوقفت تقدم "داعش"، لكنها لم تفلح في استعادة المناطق التي سقطت بيده، إلا بتقدم محدود قرب سد الموصل الاستراتيجي ونواحي أربيل الجنوبية.

وهذا المشهد يذكر بالمناطق الفاصلة بين بغداد والموصل ومدينة تكريت بشكل خاص، حيث فشلت نحو 30 هجمة كبيرة نفذها الجيش العراقي مدعوماً بآلاف المتطوعين ومئات المستشارين العسكريين الأميركان وغطاء جوي كان ثمرة لدعم روسي إيراني عاجل، لكن الأمر لم ينتج تقدماً يُذكَر.

وينشغل المراقبون بتساؤل كبير هو: إلى أي حد ستقف طهران متفرجة على بغداد حين تتقارب المؤسسات العراقية مع العواصم العربية وتبدأ تطبيعاً مع تركيا وتعوض البرود الذي استمر طويلاً مع بلدان الخليج العربي؟

لكن هذا السؤال لا ينفصل عن أسئلة مشابهة لها صلة بالإصلاحات الداخلية المطلوبة في العراق، إذ يسأل الجميع عن ردود أفعال طهران المتوقعة إذا اتخذ شيعة العراق قرارات تفضي إلى تسوية كبيرة مع السُّنة والأكراد، مثل إغلاق ملف البعثيين نهائياً وإصدار عفو عام، واعتماد فعلي لمبدأ اللامركزية الذي سيمنح السُّنة خصوصاً، استقلالاً نسبياً كبيراً في السياسة والأمن كذلك، خصوصاً بعد أن تحدث جو بايدن نائب الرئيس الأميركي عن دعم بلاده لتشكيل قوات تحفظ أمن المناطق السنية.

وقد لا تملك إيران نفسُها إجابات واضحة عن ذلك رغم قلقها من تراجع نفوذها في بغداد في إطار إصلاحات ستعني تغييراً عميقاً في مفهوم السياسة العراقية، إلا أن طهران تدرك أنها عجزت عن حماية شيعة العراق وحكومتهم، وأن هؤلاء يشعرون بضرورة اعتماد نهج تصالحي داخلياً وخارجياً، يضمن لهم الدعم الكافي لمواجهة خطر "داعش" غير التقليدي.

back to top