هكذا يحفظ دماغ طفلك الوقائع

نشر في 30-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 30-08-2014 | 00:01
No Image Caption
بينما ينتقل الأولاد من العدّ على أصابعهم إلى تذكّر الوقائع المرتبطة بالرياضيات، يدعم الحصين ودوائره الوظيفية عملية بناء طرق الراشدين في استعمال الذاكرة داخل الدماغ.
عندما يتعلم الأولاد أسس الحساب، ينتقلون تدريجاً من حل المسائل عبر العدّ على أصابعهم إلى سحب الوقائع من الذاكرة. يكون هذا التحول أسهل بالنسبة إلى بعض الأولاد مقارنةً بغيرهم، لكن لا أحد يعلم السبب.
اليوم، يقدم بحث جديد مبني على تصوير الدماغ أولى الأدلة المستخلصة من دراسة طولية لشرح طريقة الدماغ في إعادة تنظيم نفسه حين يتعلم الأولاد وقائع الرياضيات. وفق دراسة أجرتها كلية الطب في جامعة ستانفورد، ثمة مجموعة منظَّمة من التغيرات الدماغية، يرتبط بعضها بمركز الذاكرة المعروف باسم الحصين، وهي أساسية في هذا التحول.

نُشرت النتائج على موقع مجلة {طبيعة علم الأعصاب} في 17 أغسطس، وهي تشرح كيفية إعادة تنظيم الدماغ خلال التطور الطبيعي للمهارات المعرفية وستشكّل مرجع مقارنة للدراسات المستقبلية لتوضيح الخلل الذي يحصل في أدمغة الأولاد الذين يواجهون مصاعب في التعلم.

قال فينود مينون الحائز شهادة دكتوراه، وهو أستاذ في الطب النفسي والعلوم السلوكية والمشرف الرئيسي على الدراسة: {أردنا أن نفهم كيف يكتسب الأولاد معارف جديدة وأن نحدد ما يجعل بعض الأولاد يسترجعون الوقائع من الذاكرة بطريقة أفضل من غيرهم. يوفر هذا البحث رؤية عميقة بشأن التغيرات الدينامية التي تحصل على مر التطور المعرفي لدى كل طفل}.

تُضاف هذه الدراسة إلى الأبحاث السابقة بشأن الاختلافات بين الأولاد والراشدين في ما يخص حل مسائل الرياضيات. يستعمل الأولاد بعض المناطق الدماغية، بما في ذلك الحصين وقشرة الفص الجبهي، بطريقة تختلف بشدة عن الراشدين عندما تحلّ المجموعتان الأنواع نفسها من مسائل الرياضيات بحسب استنتاجات الدراسة.

قال العالِم شاو تشين كين الحائز شهادة دكتوراه والمشرف الرئيسي على الدراسة: {تفاجأنا حين علمنا أن مساهمات الحصين وقشرة الفص الجبهي لحل المسائل المرتبطة بالذاكرة خلال الطفولة لا تشبه بشيء ما كنا نتوقعه في أدمغة الراشدين».

رصد الاستراتيجية

في الدراسة، قام 28 طفلاً بحلّ مسائل رياضية بسيطة تزامناً مع الخضوع لِمسحَين دماغيين بتقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. بلغت الفترة الفاصلة بين المسحَين 1.2 سنة. عمد الباحثون أيضاً إلى مسح أدمغة 20 مراهقاً و20 شخصاً راشداً في توقيت واحد. في بداية الدراسة، كانت أعمار الأولاد تتراوح بين السابعة والتاسعة، بينما تراوحت أعمار المراهقين بين 14 و17 سنة والراشدين بين 19 و22. سجل المشاركون معدلات ذكاء طبيعية. بما أن الدراسة فحصت القدرة على تعلّم الرياضيات بطريقة طبيعية، جرى إقصاء المشاركين الذين يواجهون على الأرجح خللاً في تعلّم الرياضيات أو يعانون اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط. كان الأولاد والمراهقون يدرسون الرياضيات في المدرسة ولم يوفر لهم الباحثون أي تعليمات رياضية.

كانت أعمار الأولاد تتراوح بين 8.2 و9.4 سنوات خلال الدراسة، وقد أصبحوا أسرع وأدق في حل مسائل الرياضيات واتكلوا بشكل متزايد على استرجاع الوقائع الرياضية من الذاكرة مقابل تخفيف اتكالهم على العدّ. تزامناً مع هذه التحولات في الاستراتيجية، لاحظ الباحثون تغيرات عدة في أدمغة الأولاد. نشطت منطقة الحصين (منطقة لها أدوار متعددة في تشكيل الذكريات الجديدة) بنسبة أكبر في أدمغة الأولاد بعد مرور سنة، فيما تراجع نشاط المناطق المرتبطة بالعد، بما في ذلك أجزاء الفص الجبهي والقشرة الجدارية.

لاحظ العلماء أيضاً تغيرات في درجة ارتباط الحصين بأجزاء أخرى من أدمغة الأولاد، فيما أصبحت أجزاء عدة من الفص الجبهي والقشرة الأمامية الصدغية والقشرة الجدارية أكثر ارتباطاً بمنطقة الحصين بعد سنة. كلما زادت قوة تلك الروابط، تعززت قدرة الطفل الفردية على استرجاع وقائع الرياضيات من الذاكرة. تشكل هذه النتيجة نقطة بداية للدراسات المستقبلية بشأن المصاعب في تعلّم الرياضيات.

صحيح أن الأولاد كانوا يستعملون منطقة الحصين بشكل متزايد بعد مرور سنة، لكن بقي استعمال الحصين لدى المراهقين والراشدين محدوداً أثناء حل مسائل الرياضيات. فهم كانوا يسحبون وقائع الرياضيات من مخازن معلومات متطورة في القشرة المخية الحديثة.

صلة وصل

أوضح مينون، وهو أستاذ في كلية الطب أيضاً: {يعني ذلك أن الحصين يشكّل صلة الوصل لتعلم وترسيخ الوقائع في ذاكرة الأولاد على المدى الطويل}. تبني أدمغة الأولاد مخططاً للمعارف الرياضية. يساهم الحصين في دعم أجزاء أخرى من الدماغ فيما تُبنى الروابط العصبية الراشدة لحل مسائل الرياضيات. أضاف مينون: {عند الراشدين، لا حاجة إلى هذه الصلة لأن ذكريات الوقائع الرياضية تكون قد ترسخت داخل القشرة المخية الحديثة». صحيح أن الحصين عند الراشدين ليس متورطاً في العملية كما عند الأولاد، لكن أثبت البحث أنه يحتفظ على ما يبدو بنسخة احتياطية من المعلومات الرياضية وغالباً ما يسحبها الراشدون من القشرة المخية الحديثة.

قارن الباحثون مستوى التغير في أنماط النشاط الدماغي حين يحل الأولاد والمراهقون والراشدون مسائل الرياضيات بشكل صحيح. بدت أنماط النشاط الدماغي أكثر استقراراً عند المراهقين والراشدين مقارنةً بالأولاد، ما يشير إلى أن نشاط الدماغ يصبح أكثر تماسكاً حين يتحسن أداؤه في حل مسائل الرياضيات.

اعتبر مينون أن الخطوة التالية تقضي بمقارنة النتائج الجديدة بشأن الطريقة الطبيعية لتعلم الرياضيات بما يحدث عند الأولاد الذين يواجهون مشاكل في تعلّم الرياضيات: «في ما يخص الأولاد الذين يجدون صعوبة في تعلّم الرياضيات، نعلم أن القدرة على استرجاع الوقائع تطرح مشكلة أساسية وهي تستمر حتى مراحل المدرسة الثانوية والجامعة. هل يعجز الحصين عن توفير صلة وصل موثوقة لتشكيل رموز وافية عن وقائع الرياضيات في أجزاء أخرى من الدماغ خلال أولى مراحل التعلم، لذا يتابع الطفل استعمال استراتيجيات غير فاعلة لحل مسائل الرياضيات؟ نريد أن نختبر هذه الفرضية».

back to top