كوميديا اليوم... موقفٌ أم ابتذالٌ للضحك؟

نشر في 30-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 30-08-2014 | 00:01
تعتبر الكوميديا أحد أرقى أنواع القوالب الفنية التي تتناول قضايا شائكة في المجتمع بشكل ساخر، إلا أنها في السنوات الأخيرة بدأت تفقد شيئاً فشيئاً قيمتها وتتحول إلى مجرد إيحاءات وكلام سطحي ومبتذل لانتزاع الضحكة، بحجة إخراج الناس من الأجواء الضاغطة التي يعيشونها، ما أدى إلى ازدحام الشاشات بأعمال لا تمتّ إلى الفن الراقي بصلة باستثناء قلة تعتمد كوميديا الموقف وتغوص في عمق القضايا الاجتماعية.

حول واقع الكوميديا استطلعت {الجريدة} آراء نجوم  عرب.

 

عدم تجاوز الخطوط الحمراء

أحمد عبدالمحسن

عبير الجندي

«ما أجمل كوميديا الموقف، تُضحك الجمهور من خلال الأحداث وليس من خلال السخرية من زميل لك»، تؤكد الفنانة عبير الجندي مشيرة إلى وجود أعمال كوميدية هادفة كثيرة، نجحت من خلال «كوميديا الموقف» أو «الكوميديا السوداء» من دون الوقوع في الكوميديا المبتذلة التي تعتمد على السخرية من الآخرين، لافتة إلى أن وجود مثل هذه التصرفات والمبتذلة والألفاظ السيئة يثير الأحقاد بين الفنانين.

تضيف: «ما أجمل الكوميديا السوداء التي تُستنتج من صلب المعاناة ومن صلب قضية هامة، على غرار تلك التي يقدمها الفنان القدير دريد لحام، ولكن أن تصل إلى الضحك على الآخرين فهذا الإفلاس بحد ذاته».

توضح أن فنانين كثراً يستحقون المشاهدة، مشيدة  بالدور الذي  يضطلع به الفنان عادل إمام لا سيما حرصه على بث رسالة هادفة إلى الجمهور عبر الكوميديا التي يقدمها،  في المقابل ترى أن فنانين كثراً، من ضمنهم محمد سعد، لم يأخذوا فرصتهم  لغاية الآن، وأن نسبة كبيرة منهم تحافظ على الأعمال الكوميدية البعيدة عن الإسفاف والابتذال.

  

محمد رمضان

«رسالة الأعمال الكوميدية يجب أن تصل كاملة من دون إسفاف أو ابتذال»،  يوضح الفنان محمد رمضان لافتاً إلى وجود أعمال  تثار فيها، للأسف، قضايا دينية وأمور تجرح الفنانين والجمهور بألفاظ غير مناسبة بحجة الكوميديا، ومؤكداً أن وجود مثل هذه الأعمال، سواء في المسرح أو التلفزيون، خطر كبير على  الكوميديا الحقيقية. يضيف: «أنظر، دائماً،  إلى الجانب المشرق في كل شيء، لذلك تابعت أعمالاً كوميدية في الفترة السابقة، ولاحظت  أن بعضها هادف ومتميز ترك أثراًً في قلوب الجمهور من دون ابتذال أو إسفاف، وهذا الأمر بالذات طلبه منا الفنان الرائع حسن البلام، قبل أن نبدأ العمل في مسرحية «الياخور»، مشدداً على الابتعاد عن الإسفاف والتجريح والخروج عن النص الذي يضر بالفنان نفسه، وعلى أهمية اختيار الألفاظ المناسبة وافتعال الكوميديا حول الشخصية نفسها وألا يتعدى الأمر هذه الحدود».

يلفت رمضان إلى أن ثمة أهرامات كوميدية في الكويت قدمت أعمالا كوميدية وكانت مثالاً رائعاً للأخلاق، وشكلت درساً في كيفية  تقديم رسالة هادفة من دون ابتذال أو تجريح، ويقول: «أقتدي دائماً بمجموعة كبيرة من الفنانين أمثال عبدالحسين عبدالرضا، سعد الفرج، حسن البلام، طارق العلي، داود حسين، وأيضاً في فترة من الفترات سعاد عبدالله وحياة الفهد، فهما قدمتا سوياً أعمالاً متميزة، وعربياً عادل إمام وعالمياً جوني ديب...  هؤلاء جميعهم قدموا كوميديا  بعيدة عن الإسفاف والابتذال».

أحمد العونان

«المشكلة في الأعمال الكوميدية أنها تفتقر إلى نصوص مناسبة، لذلك نرى أن ثمة اختلافاً بين  الأعمال الكوميدية الحالية والسابقة»، يوضح الفنان أحمد العونان، مؤكداً أن الأعمال الكوميدية في الوقت الراهن فقدت بريقها السابق والأسباب معروفة وواضحة للجميع، ولافتاً إلى أن إخراج الكوميديا من نمطها المعتاد يصيب فنانين كثراً بمقتل ويوقعهم في فخ الإسفاف والابتذال، وينقص من مكانتهم أمام الجمهور.

 يضيف: «ثمة فنانون مفلسون من الناحية الكوميدية، يدرجون ألفاظاً غير مناسبة وإيحاءات جنسية بغرض الإضحاك، وهذا أمر غير مقبول ويثير الاشمئزاز، في المقابل، ثمة فنانون يقدمون كوميديا هادفة ويحافظون على رسالتها عبر أعمال راقية بعيدة عن التجريح والضحك بغرض الضحك  فحسب، بل الضحك بغرض نقل رسالة واضحة إلى نسبة كبيرة من الجمهور».

يشير العونان إلى أن ثمة خطوطاً حمراء على الفنانين ألا يتعدوها في الأعمال الكوميدية، أبرزها الدين والقبائل والسياسة والتجريح، ويرى أن شريحة واسعة من الفنانين تجاوزت هذه الخطوط،  فقدمت كوميديا سيئة تضر بسمعة الأعمال الكوميدية في كل مكان.

يتابع: «أتمنى أن تتحسن الأعمال الكوميدية في الفترة المقبلة، لأننا نعاني ندرة في الأعمال الهادفة التي تقدم للجمهور كوميديا بسيطة مع رسالة كبيرة».

استمرار نحو الأفضل....

بيروت  -   ربيع عواد

أندريه جدع

«المسرح والتلفزيون مثل صالون المنزل والضّيوف مثل الأصدقاء يجب ألاّ ينزعجوا أو تُخدش مشاعرهم» يقول أندريه جدع منتقداً البرامج الكوميديّة التي تُعرض على شاشات التلفزة وبعض المشاهد المسرحيّة، ومعتبراً أن المسرح الكوميدي  أصبح مزرياً نظراً إلى الإيحاءات التي يقوم عليها،  وكأنّه يريد أن يهدم أسس العائلة.

يضيف:» لا يهمني إضحاك الناس بكلمات دون المستوى أو بالاستناد إلى الجنس المتعارف عليه في الـ «ستاند أب» الأميركي، الذي استوحى بعض شبابنا منه مواقف أضفت على مسرح الشانسونييه الطابع الجنسي».

يتابع: «استخدمت سابقاً اللعب على الكلام والإيحاء لإضحاك الناس فيما تعتمد فرق الشانسونييه راهناً الأسلوب المباشر وهذا أمر معيب».

حول ازيداد ظاهرة البرامج الكوميدية  يوضح: «ازداد انتشارها مع عرض كل محطة تلفزيونية لبنانية ثلاثة برامج كوميدية أسبوعياً، وذلك استناداً إلى ما يطلبه الجمهور والإحصاءات الدورية التي تظهر المطالبة بمثل هذه الأعمال». عما يضحكه قال:{النص الجميل والأداء الجيّد بغض النظر عن هوية الممثلين.

جورج خباز

«الكوميديا «رسالة»، وأسرع وسيلة لإضفاء الفرح والمرح عند الناس وسط الشدائد والصعوبات الحياتية» يؤكد جورج خبّاز الذي نجح في هذا النوع من الفنون، في المسرح كما في التلفزيون، وحقق استمرارية ناجحة في هذا المجال.

 يقول: «الاستمرارية صعبة طبعاً لكن يعود نجاحي إلى اسباب عدّة، أولها أن الأعمال التي أقدمها لا تستخف بعقل الناس، فلا نقدّم أفكاراً ابتزازية أو تهريجاً، بل نحمل رسالة معينة، فضلا عن أن اعمالي تستوفي الشروط الفنية والقيمة الفنية والإنسانية والكوميدية، فنعبّر صراحة عن رأي الناس ليسمعوا لغتهم وقصصهم ونترجم أفكارهم، حتى يعكس هذا المسرح مرآة ذاتهم، وهذه أمور أفتخر بها لأن هذا هو دور المسرح الحقيقي}.

وعما يقال إن الكوميديا ليست  بخير، سواء على شاشة التلفزيون أم على المسرح،  يضيف: «تحتاج الكوميديا إلى بيئة فنية حاضنة وتجارب تنافسية ذات مستوى، وبالإمكان إطلاق زمن الكوميديا في أي وقت شرط توافر المضمون الفاعل والعميق».

 يؤكد أن الكوميديا الاجتماعية الهادفة، تستفزه وأن الصعوبة تكمن في تقديم أعمال راقية بعيدة عن الابتذال لا تستغل فيها العبارات الخادشة للحياء، لاستدرار ضحك الجمهور، ويتابع:» أسلوبي مهذب ولا أستخدم لغة استفزازية. الرقابة ضرورية خصوصاً الذاتية ما يتيح للنص أن يمر سليماً».

جو قديح

«ثمة خيط رفيع بين الضحكة الحقيقية وبين المهزلة»  يوضح جو قديح  لافتاً إلى أنه بحبكة ذكية خفيفة الظل ينقل الشارع اللبناني إلى خشبة المسرح التي وقف عليها مراراً بأسلوب الـ «وان مان شو»،  وتناول قضايا المجتمع وشجونه.

يضيف: «رغم أنني لا أكتب بهدف إضحاك الجمهور، إلا أنني أفاجأ بتفاعله مع فكرة معينة لم أنصّها بطريقة كوميدية. فضلا عن أن حركة الممثل وتعابيره واللعبة الإخراجية، تشكل كلها إضافة قيّمة إلى النص، لذا أعرف كيفية دوزنة نصّي في شكل لا يجرح الآخرين، وذلك ليس لأسباب أخلاقية فحسب، بل لأنه لا يهمني التجريح أساساً».

يتابع: «أقرأ نصي أمام أصدقائي، خصوصاً الذين لا ينتمون إلى عالم الفنّ لأنهم أقرب إلى الجمهور الذي يشاهد أعمالي فأستمع إلى آرائهم».

وعن قربه من المسرح أكثر من التلفزيون ورأيه بالأعمال الكوميدية التي تعرض على الشاشة يوضح: «يهمني المسرح أكثر من التلفزيون حيث أطلّ من حين الى آخر بأعمال صغيرة، لأن صورة التلفزيون التي تصلنا غير مشرّفة، والبرامج المعروضة مملة لا تستهويني لذا أفضل تقديم عمل تلفزيوني يعني لي شيئاً».

بيتي توتل

«البرامج الكوميدية في لبنان دون المستوى في غالبيتها ويرتكز بعضها على الإباحية والرخص»، تؤكد بيتي توتل لافتة إلى أنها تناضل في المسرح، ولكن للأسف الأولويات القائمة على ممثل جيد ونص نظيف وكوميديا راقية غير موجودة، حسب رأيها.

 وعن الكوميديا المرتكزة على الإيحاءات الجنسية وتقليد السياسيين  تشير إلى أن هذا الأسلوب الرخيص لا يضحكها، لافتة إلى أن الإنتاج التلفزيوني في لبنان  يميل إلى برامج الانتقاد الساخر أكثر لأن كلفتها أقل».

تضيف أنها تحاول نقل ما نعيشه في حياتنا اليومية، حتى لو كان مريراً، إلى المسرح مغلّفاً بالضحكة  لتقدمه إلى الجمهور ضمن قالب كوميدي وتنقل من خلاله هواجس معينة.

رسم البسمة ومعالجة المشاكل

القاهرة –  بهاء عمر

يوضح أشرف عبد الباقي أن الكوميديا أحد أرقى أنواع الفنون، لأنها تقدم رسالة سامية تتمثل في إسعاد الناس ورسم البسمة على وجوههم، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى أن عدم الوقوع في الابتذال يتطلب أن يراعي العمل الكوميدي، سواء على المسرح أو السينما أو التلفزيون، الجمهور الذي يتابعه ومستوياته العمرية والاجتماعية المختلفة، «فلا يصح أن يقدّم إيحاءات جنسية أو كلمات قد تحمل السب والقذف، مع أنها قد تجلب الضحك، لكن من دون هدف».

يضيف أنه يعمد إلى تحديد الرسالة التي يهدف إليها  من خلال تقديم العمل، ثم يختار القالب الكوميدي المناسب لها، ويدلل على ذلك بأعمال عدة منها: ست كوم  «راجل وست ستات» الذي تناول فيه العلاقة بين أفراد الأسرة المصرية وبين الرجل والمرأة.

 أما مسلسل «أنا وبابا وماما» الذي قدمه في الموسم الرمضاني الماضي، فعالج فيه عبد الباقي بشكل كوميدي راق علاقة الآباء والأمهات بأبنائهم، وطبيعة المشاكل التي تواجهها الأسرة، وقدّم حلولاً مناسبة في إطار كوميدي، يمكن أن يقتنع به المشاهد ويعتبره طريقة حل لمشكلات تواجهه.

مساحة راقية

نشوى مصطفى التي شاركت عبد الباقي في بطولة {أنا وبابا وماما}، تؤكد  أن العمل ينتمي إلى مساحة راقية من الكوميديا بعيداً عن الإسفاف الذي طالما اعتبرته خطراً ليس على الفن فحسب، بل يهدد المجتمع ككل، مشيرة إلى أن ما يقوم به البعض من استسهال واستخدام ألفاظ بذيئة وإيحاءات منفرة لتحقيق الرواج، له تأثير في غاية الخطورة على شريحة من الشباب والأطفال الذين يعتبرون في مقدمة جمهور الأعمال الكوميدية.

تضيف أن الكوميديا وسيلة وأداة لإيصال رسالة إلى المجتمع، بالتالي يجب أن يحرص العاملون في الوسط الفني، عموماً، ومن يجيدون تقديم القالب الكوميدي خصوصاً، على تقديم أعمال تضطلع بدور في المجتمع أو على الأقل تقدم كوميديا راقية تعتمد على الموقف والحالة وليس اللفظ الخارج أو المثير.

يلخص هاني رمزي  رؤيته للكوميديا بالقول، إنها لا تعتمد السخرية بقدر ما تقوم على مواقف مضحكة موجودة في السيناريو، لافتاً إلى أن الكوميديا السياسية اقتنصت مساحة واسعة، بسبب ما نشهد الآن من حريات سهلت ظهور أعمال كوميدية سياسية، مدللاً على ذلك بأفلامه  على غرار {عايز حقي} و{ظاظا رئيس جمهورية}.

يضيف: {تقدير الممثل لفنه وقيمته في المجتمع هو الأساس، الذي يحدد من خلاله كيفية قبول عمل كوميدي، ومن يستسهلون تقديم أعمال هابطة فنياً ومبتذلة أو سطحية، يقللون بذلك من قيمة الكوميديا في المجتمع، باعتبارها وسيلة لكشف المتناقضات والعيوب للسخرية منها، وليس ترسيخها كما تفعل الأعمال الهابطة التي تنتشر كلماتها الخارجة في أوساط بعض الأطفال والشباب}.

كشف العيوب

لا فرق بين تقديم الأعمال الكوميدية وغيرها من ألوان الدراما، برأي أحمد رزق، فالقواعد التي يضعها الفنان لعمله وطبيعة الأدوار التي يقبلها تسري على أعماله كافة من دون استثناء، موضحاً أن ما لا يقبله من إسفاف وابتذال في الكوميديا لا يمكنه الموافقة عليه في عمل درامي على سبيل المثال، وأن رسالة الفن في المجتمع تتحكّم في خيارات الفن، سواء كان العمل كوميدياً أو تراجيدياً.

يضيف: {تكمن الوسيلة الأقرب إلى قلب الناس في تناول مشكلاتهم وتعرية عيوبهم وكشفها، ويمكن إدراج الكوميديا ضمن هذه الخانة، فالفنان الحقيقي والمؤلف المبدع  يستطيعان نقد المجتمع وكشف عيوبه بطريقة مضحكة وتنقل الرسالة بعيداً عن أسلوب المحاضرات أو التلقين، ما يساعد الجمهور على قبول ما يتم تقديمه على الشاشة}.

بدورها تلفت مي كساب إلى دور لا يقل أهمية، برأيها، عن تقديم الكوميديا لرسالة في المجتمع، وهو التخفيف من الهموم التي تقع على عاتق الناس بسبب الظروف والضغوط الاجتماعية، معربة عن أمنيتها بتقديم أعمال كوميدية يكون هدفها الضحك فحسب،  من دون أن تغفل دورها في معالجة قضايا المجتمع المختلفة.

back to top