مستعمرة بشرية على المريخ ؟! أغرب أشكال تلفزيون الواقع...

نشر في 29-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 29-08-2014 | 00:01
قد يصبح هذا البرنامج الأبرز من بين جميع برامج تلفزيون الواقع. سيبدأ 704 متسابقين قريباً التنافس للقيام برحلة إلى المريخ وإنشاء مستعمرة هناك. ستُستعمل حقوق البث لتمويل المهمة الفضائية لكنّ بطاقة العودة ليست جزءاً من الصفقة. {شبيغل} ألقت الضوء على هذا البرنامج.
إذا تحققت أكبر أمنيات ستيفن غونتر، فهو سيموت يوماً على سطح المريخ. سبق وفكر ملياً بهذا الاحتمال. يريد من رفاقه أن يجمعوا رفاته في تابوت مغلق بإحكام قبل نثرها خارج المستعمرة بين الصخور. يقول غونتر (45 عاماً): {قد نجد أشكالاً مجهولة من الحياة على المريخ. لا يمكن أن نجتاح المكان بكل بساطة}.

إنه شعور مستجد لدى الغزاة المعاصرين. يريدون أن يملكوا كوكباً، لكنهم يشعرون بالقلق من أن تلوّث رفاتهم المجموعات البكتيرية في نظامه البيئي الصخري والمغبر.

لا يزال المريخ مجرد مساحة قاحلة ومهجورة ولا يزال نظامه البيئي سليماً. لكن يمكن أن يشق غونتر طريقه عبر فوهات صلبة تعيد بث الصور نحو الأرض. في الوقت الراهن، يعمل غونتر كمدرب طيران في ماغديبرغ، ألمانيا، وقد قدّم طلباً كي يشارك في رحلة فريدة من نوعها إلى كوكب مجاور للأرض. لكن لا يشمل الاتفاق رحلة العودة.

من خلال جعل الرحلة في اتجاه واحد فقط، ستصبح أكثر ملاءمة وأقل كلفة. تقف مؤسسة هولندية يقودها رجل الأعمال باس لانسدورب وراء هذه الفكرة: {نريد أن نرسل في البداية أربعة مستوطنين إلى المريخ في عام 2024 على أن تتبعهم فِرَق إضافية لاحقاً}.

يقول نحو 704 مرشحين إنهم مستعدون لمغادرة كوكب الأرض إلى الأبد. ستُقام مسابقة لاختيار الأشخاص الذين سيتوجهون إلى هناك ليكونوا الممثلين الدائمين للبشر على المريخ. تخطط مؤسسة لانسدورب، {مارس وان}، لتدريب الأشخاص الذين يقع عليهم الاختيار طوال ثماني سنوات استعداداً لحياة جديدة ومختلفة تماماً.

قد لا يبدو المريخ وجهة جذابة على نحو خاص، فهو كوكب بارد جداً تغلفه عواصف الغبار أحياناً طوال أسابيع متلاحقة. كذلك تنحصر المناظر هناك بممرات ضيقة تقع على عمق بضعة كيلومترات، فضلاً عن بعض البراكين الضخمة: يوازي حجم أحدها مساحة بولندا ويمتد على 26 كلم في سماء المريخ.

نحو النجوم

لكن بالنسبة إلى المستوطنين هناك، ستكون الأرض مجرد نقطة ضئيلة في السماء. وإذا وقع طارئ، لن تتوافر أي مساعدة. تتطلب الرحلة نحو ستة أشهر على الأقل، ويقع الكوكبان على مسافة قريبة بما يكفي للقيام برحلة مماثلة مرة كل سنتين.

لكنّ أياً من هذه المعطيات لا يزعج غونتر. لطالما أراد أن يحلق بين النجوم، حتى إنه ذهب إلى حد بناء كبسولة فضائية مصنوعة من صناديق ورقية في طفولته. في الداخل، رسم بحذر لوحة الأدوات وأحدث الثقوب كي يتمكن من رؤية ما في الخارج ووضع كرسياً بشكل معكوس للحصول على مقعد الطيار. ثم راح يطير نحو الفضاء. يقول غونتر: {حتى في الطقس الجيد، كان الفتيان الآخرون يلعبون كرة القدم في الخارج بينما أطير أنا في كبسولتي}.

يأمل الآن أن يحلّق على علو 50 مليون كيلومتر في الفضاء داخل مركبة فضائية حقيقية. سبق واكتملت أولى تصاميم المركبة التي يمكن أن تصل إلى المريخ. طرحت شركة SpaceX الأميركية مثلاً نموذج Dragon V2 في شهر مايو. تشمل المركبة مساحة تسع سبعة ركاب ويأمل المصممون أن تبدأ بنقل رواد الفضاء إلى {محطة الفضاء الدولية} بدءاً من عام 2016. في المقابل، تأمل مؤسسة {مارس وان} أن تنقل أوائل المستوطنين لاحقاً إلى الكوكب المجاور لنا.

كذلك تتطلع مؤسسة {مارس وان} إلى بدء سلسلة من رحلات الشحن غير المأهولة إلى المريخ في عام 2018 لإنشاء البنى التحتية اللازمة. تأمل أن تجد {بيئة مناسبة للحياة} في عام 2025، أي في موعد أول رحلة ستنقل أربعة مستوطنين من أصل 24. ستتوافر وحدة سكن لكل رحلة إلى جانب غازات دفيئة منفوخة لزرع الخس والطماطم والكوسا. وستتوافر المياه عبر استخراج جزيئات الثلج من تربة المريخ، وسيتفكك جزء منها لتوفير الأوكسجين، وستتولى الخلايا الشمسية توليد الكهرباء.

تقنياً، قد تكون هذه المهمة ممكنة. لكن على مستويات أخرى، ينظر كثيرون إلى المشروع بعين الشك. يتعلق العائق الأكبر بالكلفة. تأمل مؤسسة {مارس وان} أن يكون مبلغ ستة مليارات دولار كافياً لتمويل المشروع حتى موعد الهبوط الأول، لكن يظن الخبراء أن احتساب مجموع التكاليف شبه مستحيل. وفق الخطة المقترحة، يجب جمع معظم المبلغ من بيع حقوق البث. ذكر لانسدورب أن أبرز قنوات التلفزة أنفقت حتى الآن نحو أربعة مليارات دولار لنقل الألعاب الأولمبية. ألن تكون المستعمرة على المريخ أكثر إثارة للاهتمام من ذلك الحدث؟ يظن أن {الجمهور سيشعر بأكبر حماسة على الإطلاق منذ الهبوط على القمر}.

أغرب أشكال تلفزيون الواقع

يوشك البرنامج على الانطلاق على كوكب الأرض، فقد بدأت الكاميرات توثّق المنافسة بين الفِرَق المحتملة من المرشحين. ستوفر تجارب محاكاة الكوارث كتلك التي تهدد مستعمرة المريخ باستمرار سيناريوهات كثيرة. ماذا سيفعل المستوطنون مثلاً إذا توقفت المراحيض عن العمل، أو إذا انقطع تدفق الأوكسجين، أو إذا اخترق نيزك السقف؟ تقضي الخطة بأن يتدرب أعضاء الفريق بشكل مكثف داخل كبسولات تشبه المركبات الأصلية، على أن يتم عزلهم بشكل متكرر عن العالم الخارجي طوال أسابيع في كل مرة. يقول غونتر بشيء من الفخر: {سيكون أصعب تدريب على الإطلاق}.

سبق وفاز فرع من شركة الإنتاج الهولندية {إنديمول» بحقوق بث عملية انتقاء المرشحين. في البداية، سيصورون مقابلات كي تستعملها مؤسسة «مارس وان» لغربلة مجموعات المرشحين. ثم تقضي الخطة بتنظيم مسابقة بين 25 فريقاً، يتألف كل واحد منها من أربعة أشخاص، وسيبدأ أفضل ستة مرشحين بالتدرب على الصمود في السنة المقبلة.

ستتوقف المهمة في نهاية المطاف على أبطالها. تحتاج إلى شخصيات قوية ومتنوعة كي تستطيع الترفيه عن المشاهدين من أنحاء العالم خلال سنوات عدة. كذلك تحتاج إلى شخصيات معتدلة ومتّزنة كي لا تفقد صوابها وسط بيئة المريخ المعزولة والمغبرة.

يدعي لانسدورب أن الشروط ليست متناقضة: {الأشخاص الذين يستطيعون جذب المشاهدين يتمتعون أيضاً بما يلزم كي يصبحوا مستعمرين. هل تريدون العيش على المريخ مع أشخاص مملين؟}.

في السابق، بدا وكأن مجموعة المرشحين ستكون ضخمة. أرسل نحو 200 ألف شخص طلباتهم عبر الإنترنت بشكل أساسي. ثم بدأ لانسدورب وفريقه بغربلتهم، فحرصوا على إقصاء المهرجين والكئيبين الذين يسعون إلى جذب الانتباه. في النهاية، بقي 704 متسابقين.

لكن لا يزال الخليط متنوعاً. دانيال من كليف، ألمانيا، أحد الأمثلة على ذلك. هو عامل اجتماعي عمره 26 عاماً وهو يحب المشي لمسافات طويلة في أنحاء الأرياف الفارغة طوال أسابيع. يقول دانيال إن أكثر ما يوتّره في شأن مهمة المريخ وجود ثلاثة أشخاص آخرين معه. من بين المرشحين أيضاً، نذكر ليلى (46 عاماً)، تلك الطبيبة الحيوية من واشنطن وهي تتطلع إلى المساحة المحصورة والحماسة التي توفرها المستعمرة. على صعيد آخر، واجه مصمّم المواقع الإلكترونية خالد (22 عاماً) من دبي انتكاسة قصيرة حين اعتبر رجال الدين في بلده أن مهمة المريخ  تشبه الانتحار، وبالتالي هي غير مسموحة للمسلمين الأتقياء. لكن يريد خالد المشاركة رغم ذلك.

غالباً ما نسمع عبارة {حلم حياتي} في فيديوهات أرسلها مرشحون. يظنون أن إنشاء مستوطنة في الفضاء هو أفضل مشروع ممكن.

مليارات المشاهدين؟

كل من يتوق إلى الخلود يصعب أن يقاوم هذه المهمة. يبرز في هذا المجال رواد الفضاء الذين سيحققون شهرة حتى أخطر متسلقي الجبال لا يستطيعون تحقيقها. بعد بلوغ أي قمة جديدة، يجب أن يعاود المتسلقون النزول لاستئناف حياتهم بين عامة الناس. لكن سيترك المسافرون إلى المريخ كوكب الأرض إلى الأبد كي يصبحوا أشبه بآثار حية، وقد يشاهدهم مليارات المشاهدين.

لكن هل من المقبول جذب الناس إلى هكذا مشروع مميت على الأرجح؟ وإذا كان الأمر مقبولاً، على من سيقع الاختيار؟ من يتمتع بالقدرة الكافية على تحمّل مهمّة مماثلة؟ وإذا ساء الوضع، متى تنطفئ الكاميرات؟

يحلم عدد كبير من المرشحين بإنشاء مجتمع مثالي جديد من دون قوانين أو حدود. يقدم لهم المريخ المساحة المثالية لتحقيق تخيلاتهم. لكن يظن غونتر أن الكوكب الأحمر ليس المكان المناسب لهذا النوع من المثاليين. ستكون الحياة هناك أكثر صعوبة بكثير من الحياة على الأرض. يوافقه لانسدورب الرأي: {لن نرسل أي شخص لا يحب كوكب الأرض. ففي هذه الحالة، لا تتعلق المشكلة بالأرض نفسها. نريد أشخاصاً لديهم الكثير ليخسروه ولكنهم يريدون الذهاب رغم ذلك}.

إنهم أشخاص من أمثال ستيفن غونتر. سيترك أولاده الثلاثة وزوجته بيتي التي تجاوزت الصدمة الأولية حين علمت بطبيعة حلمه. باتت مقتنعة الآن بأن زوجها يحتاج بكل بساطة إلى السفر نحو الفضاء، وكأنه يريد العودة إلى مسقط رأسه. تواسي نفسها عبر التفكير بأنها ستتمكن من مشاركته 10 سنوات إضافية قبل موعد الرحلة.

لكنّ غونتر لا ينسى خططه ولو لثانية. خسر 20 كيلوغراماً وهو يواظب على الركض بانتظام، حتى في طقس إسبانيا الحار حيث يمضي معظم فترات الصيف. تملك زوجته منزلاً خشبياً يقع بين الفنادق، على مسافة قريبة من الشاطئ في بينيدورم، على ساحل المتوسط في إسبانيا. هناك، بعيداً عن مدرسة الطيران، يستطيع غونتر متابعة البرمجة بسلام. البرمجة عمله الثاني، فهو يطور أجهزة محاكاة لكل محبي الفضاء، من بينها مكوك فضائي يمكن أن يستعمله المستخدمون مثلاً للتحليق في الفضاء الخارجي، أو نسخ من {مهام أبولو} لمحبي الألعاب.

حين يريد الابتعاد عن مباني الفندق الشاهقة، يحلّق فوق الساحل الإسباني القاحل في مروحية يملكها صديقه. تبدو المنطقة من فوق شبيهة بالكوكب الذي يأمل أن يصبح وطنه يوماً.

مِحَن الحياة على المريخ

تكمن إحدى المفارقات التي تطبع المهمة في واقع أن غونتر لن يتمكن من التحليق مجدداً على كوكب المريخ. حين يصل المغامرون أخيراً إلى وجهتهم، ستُفرض عليهم حياة بلا حركة. سيحصل كل مستوطن على 40 متراً مربعاً فقط.

تقول باميلا نيكوليتاتوس (41 عاماً) من روتردام: {في هولندا، بالكاد نخرج طوال نصف فصل الشتاء}. تريد أيضاً أن تذهب إلى المريخ مع أنها متزوجة ولديها ابنان. بدأت تأخذ الدروس حول علم الفلك والجيولوجيا والطب استعداداً للمغامرة.

هل سيسهل عليها أن تتخلى عن عائلتها؟ تقول إنها طريقة قاسية لوصف امرأة كرست نفسها لزوجها وأولادها لسنوات طويلة: {حتى إنني فضّلتُ أن يتلقى ابناي تعليمهما في المنزل. يصعب أن يلتزم أحد بالحياة العائلية أكثر من ذلك}. تقول إنها تبحث عن حياة جديدة ومختلفة بالكامل على المريخ.

سيصبح ابناها في منتصف العشرينات حين ترحل والدتهما، وستتواصل معهما عبر الراديو مع أن الرسائل ستحتاج إلى ست دقائق للوصول إلى الأرض. وقد يكون الانفصال موقتاً أصلاً. تقول نيكوليتاتوس: {يريد زوجي وابناي أن يقدموا طلباً أيضاً، لكن للمشاركة في مهام لاحقة}. تعلم أن وجود أفراد من العائلة في الفريق نفسه ليس فكرة جيدة، نظراً إلى مواجهة خطر الموت بشكل مستمر}. تظن نيكوليتاتوس أن الفريق سيصبح بمثابة عائلتها الثانية.

إنه أمر حتمي. سيكون التقارب بين المستعمرين أكبر مما يتصور سكان الأرض. لن يستطيع أحد التهرب من عائلته البديلة على المريخ. ستكون المستعمرة تجربة مخبرية حول مفهوم الاتكال المتبادل بين المغامرين. إنه أشبه ببرنامج {الأخ الأكبر} (Big Brother) لكنه يستمر مدى الحياة. إذا شعر المشارك بالحنين إلى وطنه، فلا يمكنه المغادرة أو التصويت لإخراج المزعجين.

لهذا السبب ينظر ستيفن غونتر إلى اللائحة المؤلفة من 704 مرشحين يشعرون بمنسوب صحي من القلق. يتساءل إذا كانت المجموعة المتنوعة من الشخصيات ستوفر في نهاية المطاف ستة فِرَق لا تُقهر ولا تنفصل من المستعمرين: {إذا فشلت المهمة، هذا هو السبب!}.

نظام جديد

تتعدد الشخصيات الأخرى والفريدة من نوعها على اللائحة: يقول لودفيغ (33 عاماً) من بون إنه يحب كل ما يتعلق بالكون ويعتبر نفسه {سفير نظام العالم الجديد}؛ وستشارك أيضاً جان (64 عاماً)، أستاذة سينمائية من سان فرانسيسكو، وستصبح فوق عمر السبعين في موعد انطلاق المهمة الأولى. تقول إنها تريد أن تكون أول إنسان يموت على المريخ.

لم يتم إقصاء ستيف (29 عاماً) من سويسرا بعد. يصر على أنه يتمتع برشاقة كافية ويذكر أنه أحد أفضل الأشخاص في العالم في مجال {الانزلاق على الماء خلال أربع ساعات} (ورد هذا النشاط في موسوعة غينيس للأرقام القياسية). كان ستيف يأمل بأن {يهب} حبيبته طفلاً قبل رحيله، ويتعاون معه التلفزيون السويسري راهناً لإعداد فيلم.

هل يعلم جميع أولئك الناس ما ينتظرهم على المريخ؟ يقول هانز كريستيان غونجا، خبير في طب الفضاء في مستشفى {شاريتيه} في برلين: {أصعب ما في الأمر نقص الحوافز. في تلك المستعمرة المهجورة، لا يمكن اختبار تجارب كثيرة عدا الطنين المستمر لأجهزة دعم الحياة}.

لن يشعر المستوطنون مجدداً بلمسة الثلج تحت جزماتهم أو يشمّون نسيم الربيع. في عالمهم المعزول، لن يبكي الأطفال أو يطنّ النحل مجدداً. في نهاية المطاف، حتى ضجة الشارع ستبدو أشبه بسيمفونية مقارنةً بتلك الموجودة في محطة المريخ.

من وقت إلى آخر، قد يتمكنون من القيام بجولة في المركبة لاستكشاف كهوف الحمم البركانية، لكن سيطغى الروتين على معظم أيامهم: اعتناء بالنباتات، صيانة المعدات والآلات، مسح الغبار عن الألواح الشمسية. لكن يتعلق العامل الأهم بالتمارين الرياضية.

مكاسب تجارية

من المستبعد أن يبقى المريخ غير مأهول إلى الأبد. لم تطرح وكالة {ناسا} حتى الآن أي خطط ملموسة للسفر إلى الكوكب الأحمر، لكن تتدافع الشركات الخاصة لاقتناص الفرصة.

كان رجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون يقول منذ سنوات إنه يريد نشر السكان على المريخ. سبق وطورت شركته Virgin Galactic مركبة فضائية مصمَّمة كي توفر للسياح رحلات فضائية تحت المدار. لكن تأخر المشروع كثيراً عن موعده الأصلي.

يبدو أن الأميركي إيلون ماسك لديه فرصة أفضل. بالإضافة إلى تصنيع السيارة الكهربائية {تسلا رودستر}، أسس شركة الفضاء الناجحة SpaceX. يقول إنه أسس الشركة كي يتمكن يوماً من إرسال الناس إلى المريخ. يظن ماسك أن 80 ألف سائح فضائي تقريباً سيكونون مستعدين لدفع 500 ألف دولار مقابل كل بطاقة. لكن لا ترتكز هذه الأرقام على معطيات موثوقة.

نظرياً، يبدو أن المريخ تعرّض للغزو من مستعمرة افتراضية تشمل أصحاب المليارات الذين يريدون إثبات أنّ الأرض لا تسعهم. ثمة ما يجذب عامة الناس إلى مهمة {مارس وان}. لكن سيحتاج هؤلاء الحالمون إلى مبالغ طائلة لتحقيق هدفهم. بالإضافة إلى بيع حقوق البث، من المتوقع أن يوفر رعاة المشروع التمويل. قد تحمل أول مستعمرة بشرية في الفضاء اسماً مثل {كوكب ستاربكس} أو {قرية إيكيا}.

لا يحبذ رعاة المشروع طبعاً أن يربطوا أسماءهم بشركات قد تفشل. في النهاية، سيتوقف كل شيء على المشاركين، إذا افترضنا أن شيئاً لن يقف في طريقهم. هل سينجحون في جذب جمهور التلفزيون العريض؟ هل سيثق الناس بهم وهم يقومون بالمستحيل؟ إذا لم يحصل ذلك، سيكون البرنامج مجرد عرض جانبي قصير يشمل بعض الأشخاص المهووسين بالفضاء وسرعان ما يصبحون في طي النسيان.

يظن غونتر أن بعض الجنون ضروري للمشاركة في مهمة مماثلة. كذلك لا يمانع أن يضحك الناس على أمثاله. حتى في عصر الإنسان الأول، كان لا بد من وجود بعض غريبي الأطوار الذين يجلسون على الشواطئ ويحدقون في الأفق قبل أن يقرروا الإبحار. لا شك في أن الآخرين اعتبروا هؤلاء الأشخاص مجانين في تلك الفترة}.

هم محقون في ذلك! كم شخصاً اختفى في المحيطات من دون أن يترك أي أثر وراءه؟ ومع ذلك، نجح البعض في الوصول إلى جزر كانت مجهولة سابقاً وسرعان ما انتشر الإنسان العاقل في أنحاء الكوكب.

بالنسبة إلى غونتر، يُعتبر المريخ مجرّد جزيرة مجاورة في الفضاء، وهو موقع موقت يمكن أن يقصده البشر لاكتساب الخبرة. من يعلم؟ قد تقضي الخطوة المقبلة بالتوجه إلى أقمار المشتري: {عندئذٍ ستستمر الرحلة نحو النجوم داخل أعماق الفضاء!}.

قرارات بشعة

ماذا سيفعل المستعمرون مثلاً حين يصاب أول عضو من الفريق بسرطان المعدة أو بمغص كلوي؟ يقول المرشح غونتر: «سنضطر على الأرجح إلى تعلّم كيفية تنفيذ الجراحات بأنفسنا». لكن بعد التفكير ملياً في الموضوع، يعترف بأنهم قد يضطرون إلى مساعدة المريض على الانتحار إذا طلب ذلك.

إنه جزء من واقع الحياة في تلك المستعمرة المعزولة كلياً عن الكوكب الأم، وستبرز الحاجة هناك إلى اتخاذ قرارات بشعة. سيحتاج الناس أيضاً إلى التحلي بمبادئ متوازنة وحذرة. إذا ساء الوضع، قد تؤدي الرغبة الشديدة في النجاة إلى الكشف عن أسوأ جانب من المرشحين. ماذا لو تسلل نوع من الفطريات مثلاً إلى النباتات داخل الدفيئة المقفلة بإحكام ولم يبقَ فجأةً طعام كافٍ للجميع؟ ماذا سيحصل حينها؟

مثلما استنتج الروائيون تباعاً، غالباً ما يأتي الواقع ليفسد الأوهام المثالية بغزو الفضاء. وغالباً ما يشكّل المريخ محور تلك الأوهام. يقول فيليب ثايسون، أستاذ في الأدب الألماني في جامعة زيوريخ: {كُتبت قصص كثيرة عن المساعي لاستعمار المريخ. لا أعرف تجربة واحدة انتهت بطريقة إيجابية}.

خلال الخمسينيات، أي في الحقبة التي شهدت توسّع المخاوف من اندلاع حرب نووية، انتشرت الفكرة القائلة إن المريخ قد يصبح كوكباً احتياطياً حيث يستطيع الناس أن ينقذوا أنفسهم بعد تدمير كوكبهم. كان كتاب {سجلات كوكب المريخ} (Mars Chronicles) للكاتب الأميركي راي برادبري أبرز تجسيد لذلك المفهوم. في داخله، تنطلق مجموعات عدة من المستوطنين نحو الفضاء على أمل إيجاد حياة أفضل لكن سرعان ما يكتشفون أنهم أمام جميع الأهوال التي أرادوا الهرب منها.

يتساءل ثايسون: {ما هي الاستعمالات المحتملة لمستوطنات {مارس وان}؟ حتى إنها لن تكون مستعمرة حقيقية. سيبقى المستوطنون مجرد غرباء معزولين داخل بذلات فضائية ثقيلة وستنحصر حركتهم ضمن منطقة صغيرة حول المحطة}.

هيكل عظمي عمره 75 سنة

الرياضة المكثفة أساسية لأن العضلات والعظام الضعيفة ستصاب بالضمور. يقول غونجا: «يحصل ذلك سريعاً. تبدأ مواد العظام بالتدهور منذ اليوم الأول في الفضاء. حتى عند القيام بساعتين من التمارين في اليوم، تفقد الكتلة العظمية بين 1 و2% كل شهر». تشير تقديرات وكالة «ناسا» إلى أن رائد الفضاء الذي يبلغ 40 عاماً ويمضي ثلاث سنوات وسط انعدام الوزن في الفضاء الخارجي يعود إلى الأرض مع هيكل عظمي عمره 75 سنة.

لكن لن يكون المستعمرون بلا وزن على المريخ. تساوي جاذبية المريخ 38% من جاذبية الأرض، ما يعني أن تدهور العظام سيحدث بوتيرة أبطأ. لكن يكون بعض أجزاء الجسم أكثر ضعفاً من غيره، مثل الكعب والحوض، وهي العظام التي تتحمل ضغطاً ثقيلاً على الأرض.

تغيرات الجسم ليست متشابهة لدى الجميع. تكون تلك العضلات الضرورية للوقوف أولى العضلات التي تصاب بالضمور، وتتقلص الأطراف الخلفية بنسبة هائلة. يوضح غونجا: {تطاول هذه المشكلة نحو 60% من الكتلة العضلية. لكننا بدأنا نكتشف الآن مختلف آثار انعدام الوزن على جسم الإنسان}.

في مطلق الأحوال، من المؤكد أن شكل سكان كوكب المريخ سيختلف كثيراً عن نظرائهم على الأرض. فهم سيصحبون أكثر ضعفاً مع أذرع وسيقان نحيلة.

إنه أحد الأسباب التي تجعل العودة مستحيلة. إذا تعرّض سكان الفضاء لجاذبية الأرض بعد تمضية سنوات على المريخ، قد تنكسر عظامهم كالزجاج. كل من يمرض بشدة سيضطر أيضاً إلى البقاء في موقعه على المريخ. لا يمكن أن تعيدهم أي سيارة إسعاف إلى ديارهم. لكن يرتفع خطر الأمراض بين المستعمرين. خلال الرحلة إلى المريخ، سيتعرّضون لإشعاع كوني، ما قد يؤدي إلى السرطان. كذلك، سيرتفع احتمال الإصابة بحصى الكلى والمثانة لأن بعض المواد العظمية المتآكلة يبقى داخل الجسم. يقول الخبير في طب الفضاء، غونجا، إنه ينظر بعين الشك إلى هذه المهمة.

back to top