الباحث في معهد بروكينغز تشارلز ليستر: مؤسفٌ أنّنا سمحنا بتطوّر داعش

نشر في 28-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 28-08-2014 | 00:01
تحولت الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في غضون سنوات قليلة إلى المجموعة المجاهدة الأكثر عنفاً في الشرق الأوسط. يصف تشارلز ليستر، باحث في معهد بروكينغز، بروز «داعش» في العراق وسورية والسبيل إلى وقفها.

كيف توضح تاريخ داعش لمن صدمهم بروزها المفاجئ؟

في عام 1999، أسس الرأس المدبر وراء داعش أبو مصعب الزرقاوي معسكر تدريب لمجموعته في أفغانستان. وبعدما غزت الولايات المتحدة أفغانستان في أواخر 2001، هربت المجموعة عبر إيران وأنتهى بها المطاف في شمال العراق. وبحلول 2003، تحوّلت إلى الحركة المجاهدة المقاومة الأساسية في العراق. وخلال الاحتلال الأميركي، صنع الظواهري اسماً لنفسه ولمجموعته. فقد طبقت تفسيراً متطرفاً للشريعة، ما دفع عدداً من العشائر إلى الانتفاض وطردها في خطوة عُرفت بـ}النهضة}. فعانت المجموعة خسائر كبيرة في تلك الفترة. ولكن عندما بدأت الولايات المتحدة عملية الانسحاب، أتاح ذلك الفرصة لإعادة إحياء مجموعة الظواهري. فمنذ منتصف 2009، بدأت تكتسب نوعاً من النفوذ في الظل. وراحت تشن اعتداءات تزداد حدة ضد قوى الأمن، ونظمت حملة هدفها ترهيب المسؤولين المحليين، سواء كانوا في الجيش، الشرطة، أو الحكومات المحلية. كذلك ارتكبت أعمال عنفٍ كثيرة. فقد منحت هذه المناورات داعش نفوذاً واسعاً. كذلك يعلل هذا الواقع قدرة داعش على السيطرة على الموصل بسرعة كبيرة.

تقول إن داعش نجحت في تكرار كل ما سبق أن فعله تنظيم القاعدة، إلا أنها نجحت فيه بإتقان أكبر، باستثناء شن هجوم في الخارج. ما أوجه الشبه والاختلاف بينهما؟

سعت المجموعتان إلى تأسيس دولة إسلامية تحكمها الشريعة، إلا أنهما اتبعتا إستراتيجيات مختلفة تماماً. فقد تبنى تنظيم القاعدة مقاربة طويلة الأمد أكثر صبراً، بغية فرض السيطرة الاجتماعية والإمساك بالحكم. فركز التنظيم على إنشاء الأحوال الاجتماعية والسياسية المؤاتية لهذا الواقع. لكن داعش لا تتمتع بصبر مماثل في سعيها إلى تحقيق هذا الهدف. ففي منتصف العقد الماضي واليوم، عملت دوماً على تطبيق الشريعة وحكم الناس ما إن بسطت سيطرتها على منطقة ما. وتشكل سورية خير مثال لهذه الإستراتيجية. تتمتع جبهة النصرة، فرع القاعدة في سورية، بنفوذ واسع في هذا البلد على الصعيد الاجتماعي، بيد أنها لم تقرر تطبيق الشريعة مباشرة حتى وقت ليس ببعيد، لأنها شعرت بأن الظروف الاجتماعية غير مؤاتية، وأنها ستُرفض إن فُرضت في وقت مبكر. لذلك تبنت مناورة طويلة الأمد.

هل تعتبر تنظيم القاعدة أقل تطرفاً من داعش؟

هذا مؤكد. فقد تبنى تنظيم القاعدة سلوكاً معتدلاً نسبياً في سورية، مقارنة بداعش على الأقل. لكن هذا الوضع بدأ يتبدل مع مواجهة جبهة النصرة بيئة أكثر عدائية في سورية. فقد بدأت تطبيق الشريعة في قرى وبلدات شمال غرب محافظة إدلب، علماً أن هذا التطور لم يلقَ ترحيباً من السكان المحليين. تعود هذه الخطوة إلى شعور جبهة النصرة بأن عليها بسط سيطرة راسخة في منطقتها.

هل تخشى أن يتركها مقاتلوها وينضموا إلى داعش؟

نعم، تشكّل مكاسب داعش الكبيرة في العراق واليوم في سورية خطراً كبيراً يهدد جبهة النصرة. فقد باتت داعش في وضع يمكنها معه التباهي بحكمها الناس، في حين أن جبهة النصرة لم تحقق أي إنجازات. لذلك تحاول الجبهة راهناً التأكيد لداعميها أنها تستطيع الحكم، وهذا ما تفعله بالتأكيد.

هل تحاول داعش فعلاً إنشاء دولة؟ يبدو كما لو أنها تحاول التعويض عن دور الحكومة بتقديم خدمات اجتماعية، مثل معونات الطعام ودعم المسنين. فكيف تظن أن داعش تنظم هذه العملية؟ ومن أين تحصل على المال لتأمين هذه الخدمات؟

يُعتبر المال الأساس هنا. فمن المعروف أن داعش تتمتع عموماً بتمويل ذاتي. فتحصل على المال من سيطرتها وبيعها سراً النفط والغاز ومنتجات زراعية مثل القمح، فضلاً عن سيطرتها على الماء والكهرباء وفرضها ضرائب في مناطق نفوذها. نتيجة لذلك، تجني فعلياً كل أسبوع ملايين الدولارات، وتضخ جزءاً كبيراً منها في الخدمات الاجتماعية. يعكس هذا واقعاً أن داعش تقدّم نفسها كما يُظهر اسمها: دولة إسلامية. ولكن كي تنجح في ذلك، عليها أن تقدّم الخدمات ذاتها كما الحكومة. لذلك سمحت للناس بالاحتفاظ بأعمالهم. لكنهم باتوا في هذه الحالة موظفين لدى داعش، كما حدث عندما سيطرت موقتاً على سد الموصل. هكذا من خلال التهديد باللجوء إلى القوة ودفع الرواتب، أبقت هذه المجموعة المحترفين في عملهم في سورية والعراق، بدءاً من مقدمي الطعام في المطاعم وصولاً إلى عمال الكهرباء في سد مائي لتوليد الطاقة الكهربائية.

تقول إن زعيم داعش أبو بكر البغدادي يتمتع بشرعية دينية أكثر من أسامة بن لادن والظواهري.

صحيح أن بن لادن والظواهري اعتبرا نفسيهما خبيرين في الإسلام، لكن لم يحظَ أي منهما بتدريب ديني. في المقابل، يُقال إن البغدادي يحمل شهادة دكتوراه في العلوم الإسلامية، فضلاً عن أنه إمام مسجد في مدينته سامراء، ما أعطاه شرعية وسلطة دينية بصفته رأس الدولة الإسلامية. إذا تأملت المسؤولين الأدنى مرتبة بقليل من البغدادي، تلاحظ أن معظمهم من الجيش وعملاء الاستخبارات ومحترفين في الجيش العراقي. ويظهر هذا الواقع، بحد ذاته، الحاجة إلى شخصية دينية على رأس هذه الدولة. لا يتمتع البغدادي بجاذب قوي. لذلك من الواضح أنه تبوأ هذا لمنصب بسبب شرعيته الدينية.

مَن يتولى وضع استراتيجية هذه المجموعة العسكرية؟

من الصعب الجزم. لكني أعتقد أن نواب البغدادي يتولون بأنفسهم إدارة العمليات العسكرية. فمعظم هؤلاء رجال كانوا سابقاً ضباطاً في الجيش العراقي أو جهاز الاستخبارات. لذلك يُعتبرون أكثر أهلية لتصميم هذه الحملة المحترفة، الهادئة، والمنظمة بدقة وتطبيقها في العراق وسورية. أشك في أن يكون البغدادي نفسه الرأس المدبر وراء هذا كله.

كم عدد مقاتلي داعش؟

لداعش نحو ستة آلاف إلى ثمانية آلاف مقاتل في سورية و15 ألفاً في العراق. فقد ارتفع العدد كثيراً في العراق لأن داعش ضمت رجالاً محليين كانوا مسلحين عندما دخلوا القرى والمدن. فقد خيروا هؤلاء الرجال بين التوبة وتسليم سلاحهم أو الانضمام إلى داعش.

يبدو أن لداعش إستراتيجية دعائية معقدة تشمل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. مَن برأيك يقف وراءها؟

من الصعب معرفة الجواب، لكن استخدام هذه المواقع يشكل، على ما يبدو، إستراتيجية منظمة. ففي الأيام الأخيرة، اختفت مواقع داعش الإعلامية كافة فجأة من المناطق الزمنية الأوروبية. كذلك يحرص {تويتر} على إزالة هذه الحسابات كل ليلة. واللافت أنها تعاود الظهور في اليوم التالي، ما يشير إلى جهود منسقة. ولكن يبدو أن داعش لم تتخلَّ بالكامل عن {تويتر} كمنصة رسمية، بما أن الجزء الأكبر من محتوى حساباتها يُنقل إلى منصات تواصل اجتماعي أخرى أصغر حجماً.

ما النجاح الذي حققته داعش في تجنيد المجاهدين من أوروبا؟

جذب الصراع عدداً غير مسبوق من المقاتلين الأجانب، كثيرون منهم من أوروبا. نتيجة لذلك، لداعش اليوم نحو 2000 إلى 3000 مقاتل من أوروبا. ولا شك في أن هذا مفيد، وخصوصاً إذا أرادت تنفيذ اعتداءات في أوروبا. لكني لا أظن أنها تود ذلك في الوقت الراهن.

ماذا كان يمكننا فعله لوقف ظهور داعش؟ هل كان الوضع سيختلف اليوم لو أن الغرب سلّح الثوار السوريين المعتدلين في مطلع الحرب الأهلية قبل ثلاث سنوات؟

تشكّل هذه النقطة مثار جدل دولي كبير اليوم. أعتقد أن داعش بدأت تنمو في العراق نحو منتصف 2009. إذاً، في العراق لا شك ستكون قريبة من المنطقة التي تنتشر فيها اليوم حتى لو لم تندلع الثورة السورية. قد يعتبر البعض أن تسليح المعارضة المعتدلة في سورية في 2011 كان سيساعد في الحؤول دون سيطرة داعش على مناطق سورية. لكني أظن شخصياً أن سيطرة داعش على أجزاء من سورية محتمة. فمع الثورة والحرب الأهلية، كانت البيئة ناضجة لذلك. إلا أن دعم المعارضة المعتدلة كان سيحدّ كثيراً من قدرة داعش على العمل في سورية.

لمَ أمر الرئيس باراك أوباما بشن هجمات جوية في العراق، بخلاف سورية؟

لطالما اعتقدت الولايات المتحدة أن الوضع في سورية أكثر تعقيداً من الناحية الإقليمية كي تتدخل فيه. فللولايات المتحدة وإيران مصالح متضاربة في سورية عموماً. أما في العراق، فمصالحهما تتلاقى. وهذا من الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة تشعر بأنها تتمتع بحرية أكبر للتدخل إلى حدّ ما في العراق. علاوة على ذلك، للولايات المتحدة مصالح في المنطقة الكردية شمال العراق، فضلاً عن علاقات مع مقاتلي البشمركة التابعين لحكومة كردستان الذي يتمتع باستقلال ذاتي. لا أتوقع أن نرى أي توسع يتخطى الضربات الجوية التي نشهدها اليوم، بالإضافة إلى الوجود المحدود جداً على الأرض لضمان أمن اللاجئين. رغم ذلك، لا أظن أن هذا كافٍ لصد داعش. فمع أن الضربات الجوية أبطأتها، إنما لم تضعفها. وها هم مقاتلو داعش يهاجمون مجدداً، وسيبدأون على الأرجح بتهديد حلب في سورية قريباً.

أي نوع من العلاقات يجمع داعش بمجموعات مجاهدة أخرى في المنطقة؟

تبقى هذه العلاقات محدودة جداً. فلا تملك داعش أي حلفاء في سورية. صحيح أن مجموعات عدة أعلنت ولاءها لها، ولكن في تعاملها مع المجموعات المجاهدة الكبرى تظل تحالفاتها محدودة. أما في العراق، فلها حلفاء كثر، إلا أن معظمهم من المجموعات العشائرية والبعثيين، لا مقاتلين. بتقديمها نفسها بصفتها أسمى من تنظيم القاعدة، الذي ينال تقليدياً الدعم من مجموعات مجاهدة أخرى، عزلت داعش نفسها عن البنى الجهادية الأوسع.

ما سيكون مصير داعش بعد 12 شهراً  من اليوم؟ وماذا سيعني ذلك بالنسبة إلى العراق وسورية؟

إذا لم تصعّد الولايات المتحدة تدخلها في العراق، واستمرت الأوضاع على حالها، أعتقد أن داعش ستوسع مناطق نفوذها إلى حد كبير في سورية. لكنني لا أعتقد أن علاقاتها بالناشطين السنة الآخرين في العراق ستدوم طويلاً. فلا تُعتبر هذه علاقات طبيعية، ولا هدف مشتركاً بينها سوى الإطاحة بالحكومة في بغداد. فخلال 12 شهراً، ستكون العلاقات قد بدأت تضعف، ما يتيح الفرصة أمام حكومة جديدة أو الغرب بإعادة إرساء بعض العلاقات القديمة التي نشأت خلال مرحلة الصحوة. نرى هذا التبدل اليوم على نطاق أضيق في سورية وبعض الدلالات عليه في العراق حيث يمكن أن يتكرر.

ماذا يستطيع الغرب فعله للمساهمة في وقف داعش؟

من المؤسف أننا سمحنا لداعش بأن تنمو وتتطور إلى حدّ صارت معه أي إستراتيجية لمواجهتها تستغرق سنوات وتتطلب موارد مهمة لا تقتصر على المجال العسكري. فيجب أن تشمل تدابير اجتماعية، اقتصادية، دينية، سياسية، ودبلوماسية. كذلك علينا التوصل إلى طريقة لوضع حد للصراع السوري، الذي يشكّل دعوة مفتوحة إلى مجموعة مماثلة. أما في العراق، فعلى الحكومة في بغداد أن تحاول التقرب من القبائل السنة وإعادتها إلى الخضوع للنظام.

back to top