«النمر الأبيض»... ترصد قفزة الوحش بين القمة والهاوية

نشر في 28-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 28-08-2014 | 00:01
No Image Caption
{النمر الأبيض} رواية للكاتب الهندي الأسترالي أرافيند آديغا حظيت باهتمام النقاد في العالم، لاسيما أنها ترصد رحلة إنسانية من القاع إلى القمة عبر قراءة لواقع الحياة في الهند.
بين الهاوية والقمة، أهل الظلام وأهل النور، المميزون جداً يستطيعون قرض الجدران  بثبات وسعي مستمرّ. في رواية صدرت في2008، عام انهمار أعمال الكاتب الهندي/الأسترالي «أرافيند آديغا Aravind Adiqa»، حصلت روايته {النمر الأبيض The White Tiger على تقدير النقاد، مستقطبة التمعن بنص أمين للهند المعاصرة وتطورها، لم تتأخر ترجمتها ضمن سلسلة {إبداعات عالمية} 2011، بجهد  د. طيبة صادق ومراجعة د. زبيدة أشكناني.

نرى حكاية شخصية أخذت اسمها من مدرّس فاسد يحمل اسم آلهة، ليصبح {مونا} أي الولد، ويصبح {بالرام} الصديق المقرب للإله كريشنا ويتخذ اسم المدرس. ليتحول أخيراً إلى آشوك، بينما أتاه اللقب كـ{نمر أبيض} عبر مواجهة لأسئلة مفتش تربوي، باغت المدرسه الفقيرة والمهملة جداً لفساد المدرس في غابة الحياة.

جياباو المنصت

 تبدأ الرواية إثر إذاعة خبر زيارة رئيس مجلس الوزراء الصيني {جياباو} لمنطقة بانغلور الواعدة بالتكنولوجيا، افتتح  المقاول/ آشوك الرواية مخبراً الصيني كيف تدار الأعمال  في الهند على مدى سبع ليالٍ تسبق الزيارة،. نجد المقاول الحقيقي، يمتعنا بحكاية الحظ، القسوة، الطبقات التي تقسم البلد إلى {الظلام/ الفقراء} و{النور/ الأغنياء}، عن بلد اقتصادها المتنامي يجعلها لا تتأمل تمثال غاندي رفيق الفقراء، كشاهد كئيب لاستمرار التفرقة والخراب.. عبر قرية لاكسمنغالا، مرورا بنيودلهي انتهاء ببانغلور، حيث تعدد الأمكنة والمجتمع صارم في ممارساته.

عبر حديث ممتد لسبعة أيام هي أيام الحكاية، تظهر لعبة جديدة  للكاتب، حين يقود سرده في البداية، تفاصيل إعلان  أغفل ذكر الجناية الكبرى للمتهم وأشار إلى جريمة السرقة، مدللا – ربما- بعنصر مهم في هذه العوالم هو {المال} من دون مبادئ غاندي أو مبادئ إنسانية.

سعال خشن

شخصيات عديدة، تبرز في تحديد المصائر، تقع ما بين رعشة المحبة وإطباق الكراهية، في تطرفات واضحة،  ربما لأن عالماً لا يحب الاعتدال فلا يلتقط إلا  لوني الأسود والأبيض، فتبدو قريته والفقراء إلى جانب أهل الثراء، ولا صلة الاستعباد، تقفز الشخصية في مصيرها بين تقاطعات الأبيض والأسود بحذر، فالنمر الرشيق يولد ضمن أسرة في أسفل الفقر، أب صاحب الريكشو نحيل وأم معتلة تلقي بثقل رغبتها بتمكين أطفالها من التعلم على الأب الذي يغادر الحياة كالأم بسعال خشن وبصقة {السل} على الدنيا،  بينما كيشان الأخ الذي مكنه من تعلم القيادة، والجدة كوسوم البارعة بتحطيم أحلام  كل أفراد العائلة.

أما في شخصيات الثراء فالنص راسخ حتى في محبته لها، كما حدث تجاه رب عمله آشوك ذي التعليم الأجنبي، كذلك لا يطيق {النمس} أخ رب عمله الذي يشبه الأب المدعو{اللقلق} ذي القدم الزنخة، لندرك مدى ما كان عليه إقطاعيو منطقته من تاريخ شخصي ساهم بإلصاق ألقاب حيوانية  بهم، تمثلت بـنعتهم بـ{الجاموس} و{الخنزير البري} و{الغراب}،  تظهر بصماتهم  في عوالم التجهيل والخيبة والسياسة المهترئة بالرشى وحسابات التزوير والصفقات الراسخة.. بحيوانية فاجرة. إلاّ أن عاطفته تداس تجاه الشخصيات  في تعارضها مع طموحاته، هنا تلتمع شراسة أنياب النمر الأبيض، لينقضّ على الضحية، بمخالب تقطر إنتهازيتها، دناءة  يشهدها من هم من طبقته، كالسائقين ومن هم بمرتبته من الخدم.

أما في  تحوله إلى رب عمل  فهو متعاطف وحاذق، إذ وصل إلى القمة والمخاطر خفتت، يظهر ذلك في تعرض سائقه لمشكلته ذاتها التي مرت به  يوماً إزاء مقتل أحد العابرين لطريق هو ملك سائق لا يرى  فيه إلا سلطته وقدرته  على فرض قوانينه.

الآخر طائفة وعرق...

لم تكن الشخصية الرئيسية، معنية بأي جانب  من الجوانب الخاصة بالأديان، رغم أنها تقارب الطقوس والشخصيات الهندوسية، أو تظهر في الأشعار الإشارة الفخمة  للشعراء الأربعة العظام،  خصوصاً محمد إقبال وكونهم مسلمين، لكن رغم  مساعدته لسائق مسلم يعمل  لديه إلاّ أنه أفشى دين سائق مسلم آخر  لدى رب عمله الهندوسي  ليطرد.

 تصرفات متفاوتة تأتي  بإيعاز من الرغبة بالترقي لا التعصب، فرغبة الوصول، الحصول هي {المحرك} و{الدافع} الوحيد له، مثال ذلك رغبته بالمومس التي تشبه نيكول كيدمان، وسعيه الحثيث للوصول لإمرأة تشبهها أو تصل لذهب شعرها المتوهج، أدى للتضحية بمكافأة {بنكي مدام} زوجة رب عمله {أشوك} له لإيصالها لمطار الهرب، وإضافة الكثير من المبالغ ليحوز على من تشبهها، دون كلمة توجه لا لآخر يختلف عنه بديانته أو عرقه. هو أيضا صورة لمدينة تنهض بتسارع لا يهمها إلا بلوغ الخطوات الأعلى من دون النظر لأي شي سوى دينها الثراء بالدرجة الأولى رغم كل الطبقية الشوهاء.

ضمير المتكلم

كسارد لا يتوقف عن الانطلاق بحكايته المتعرجة، يصف صوراً كاملة بلا مواربة، يستخدم ضمير المتكلم  بحيث تجده يمر أمامك في وجوه الضعفاء، أو يستفزك في قصص الانتهازيين في طموحاتهم، تعجب به ككائن لا تتقلص أحلامه مطلقاً ولا يصمت جوعه للأفضل، ضمير يخاطب القارئ مباشرة فيشكل للقارئ حميمية، ربما خالطتها فكرة سيرة المتكلم كونها سيرة الكاتب نفسه، لكنها القدرة الفذة للكاتب  المدراسي ذي الأبوين القادمين من مانغلور، ويتحدّر من عائلة تسلّم بعض أعضائها مناصب عليا في الاقتصاد والسياسة، بينما هو أيضاً حاصل على الجنسية الأسترالية، ما يجعله في مركز الضد، أي ليس بموقع الخادم الضعيف والطموح، بل في مكانة رب العمل في موقعه الاستبدادي، وهو ما يجعلك أكثر إعجاباً بمخيلته وقدرته العالية على رسم  شخصيات وحشية في غابة لا تلتفت للأقل مطلقاً، تمرغ مبادئها لتقز للقمة وتسود، لتتمكن أحياناً من استرجاع إنسانيتها أو تفقدها للأبد، كاتب خلق بحرفية وبراعة، الأماكن وسيّر الشخصيات لمصائرها، كاتب أشار في إحدى المقابلات إلى أنه كان  بهاجس دائم  على  صناعة رواية عن شخصية لا تشبهه، ولأنه صحافي ساعده على تحقيق ذلك.

back to top