على الغرب التنبه... لا مفر من مواجهة «داعش»

نشر في 24-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 24-08-2014 | 00:01
 شيراز ماهر لم يشكل خبر أن مجاهداً بريطانياً قطع على ما يبدو رأس الصحافي الأميركي جيمس فولي مفاجأة لمن تتبعوا الصراع في سورية والعراق عن كثب، مع أنه يُعتبر صدمةً كبيرة، فخلال السنة الماضية شارك مجاهدون من بريطانيا في تفجيرات انتحارية، وعذبوا محتجزين كانوا في رعايتهم، وأعدموا سجناء حرب.

لا شك أن الكثير من المقاتلين البريطانيين الذين سافروا إلى سورية لم يشاركوا في أعمال مماثلة، فقد قصد عدد كبير من المقاتلين الأوائل هذا البلد لغايات إنسانية، واتضح لي من خلال عدد من المقابلات أن دوافعهم وطموحاتهم كانت مختلفة جداً عما سعى إليه مَن تبعوهم، ولكن تبين بمرور الوقت أن المواقف ازدادت تشدداً، فقد اختفت المفاهيم العاطفية عن إنقاذ المدنيين المضطهدين من حكومة تريد قتلهم لتحل محلها ثقافة وحشية وعنف عامين.

تجلت لا مبالاة المجاهدين بوضوح من خلال مقاتل بريطاني اعتدت التحدث إليه بانتظام، فكان خلال المرحلة الأولى التي قضاها في سورية يشتكي من وحشية الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، ودان استراتيجية خطف الصحافيين وعمال الإغاثة التي اتبعها هذا التنظيم، لكنه نشر بعد أشهر صورة لثلاثة رجال أسرى وعلّق تحتها: "سيُقتلون غداً، أنتظر بشوق ذلك الشعور الذي ينتابك بعدما تقتل إنساناً"، كذلك نشر بعد أيام صورة ليده المضرجة بالدم، وذكر: "هذه المرة الأولى"، لكن المقلق حقاً واقع أنه رجل ذكي درس في جامعة الملكة ماري.

يمكننا أن نعدد لائحة طويلة بحوادث مماثلة، فقد احتفل عدد من المقاتلين البريطانيين بمقتل فولي، مرددين أحياناً دعابتهم السوداوية عن أنهم يودون "لعب كرة القدم"، على سبيل المثال، نشر رجل من مانشيستر يستخدم الاسم المستعار أبو كاكا على موقع "تويتر": "قتل أخ بريطاني! يا له من فخر! يا لها من رسالة جميلة إلى الأميركيين!". وكان أبو كاكا نفسه قد نشر صوراً لخصوم قُطعت رؤوسهم على حسابه على "تويتر".

يبدو أن "داعش" يسعى جاهداً لتوجيه رسائل مماثلة إلى الغرب، فقد حذر مقاتل بريطاني آخر من هجمات إرهابية في الوطن، فكتب: "إلى الشعب في المملكة المتحدة، بسبب أعمال حكومتكم، ستدفعون أنتم الثمن. حاسبوهم هم لا نحن"، وعلى نحو مماثل، عبّر البريطاني الأخير الذي قُتل في سورية محمد حميد الرحمن، أيضاً عن رغبته في تكرار اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر قبيل وفاته.

أُشير مراراً إلى أن المقاتلين الأجانب اليوم لا يختلفون عمن شاركوا في الحرب الأهلية الإسبانية، ويذكر مؤيدو وجهة النظر هذه أن جورج أورويل ولوري لي كانا سيُعاملان اليوم كإرهابيين، لكن التمسك بوجهة النظر هذه ليس بالخطوة الحكيمة لأنها تتجاهل الطبيعة التي تبدلت والمتبدلة لمجتمعنا ولحركة الجهاد العالمي.

تشكّل بريطانيا اليوم أمة متنوعة ومتعددة الثقافات، وعند تأمل أي صراع حول العالم ستلاحظ في بلدنا هذا مجتمعاً يستطيع المشاركة فيه (لأسباب وجيهة أحياناً)، لكن دولتنا المعاصرة لا تستطيع أن تقبل بتحولها إلى منصة إطلاق لكل صراع خارجي، لذلك تُدان.

على نحو مماثل، لا يمكن مقارنة حركة الجهاد العالمي بالألوية الدولية، فقد برهن "داعش" أنه تنظيم أكثر تطرفاً من تنظيم "القاعدة" بحد ذاته (علماً أن هاتين المجموعتين كانتا تعملان معاً في السابق، إلا أنهما انفصلتا لاحقاً)، فهو يتبنى مقاربة عدائية وهجومية في تعامله مع الغرب، ولهذا السبب لاقى فولي مصيره المأساوي.

تزداد وقاحة المقاتلين الأجانب، وبينهم بريطانيون كثر، مثل ورم متفشٍّ منذ إعلان قائد "داعش" أبو بكر البغدادي الخلافة، منصباً نفسه خليفة، فيبدو مقاتلوه أكثر ثقة، وكبرياء، وأماناً.

لا شك أن هذا منطقي، إذ حقق "داعش" مكاسب كبيرة ومهمة، فاجتاح أراضي واسعة من سورية والعراق، وأرعب خصومه، وسيطر على مناطق تفوق بمساحتها ما تتحكم فيه الحكومتان اللبنانية والإسرائيلية.

بالإضافة إلى ذلك، أعلن "داعش" أن لا حدود لأمته الجديدة بل تخوم، ويعني هذا بصريح العبارة أنه توسّع باستمرار نطاق سيطرته بضمه مناطق جديدة بالقوة العسكرية، إنها عقيدة من الجهاد المستمر باتت الأقليات المضطهدة، مثل الأيزيديين أو الأكراد، تدركها اليوم جيداً.

يشكل كل هذا تحدياً كبيراً بالنسبة إلى الغرب، فلا يمكنه تحقيق رغبته الكبرى وتفكيك "داعش" والقضاء عليه بسهولة، بل يتطلب ذلك حملة طويلة وملتزمة طوال سنوات، ورغم ذلك لا يزال الإرث المضطرب للمغامرات الفاشلة الأخيرة في العراق يسيطر على الوعي العام مثل شبح بانكو، لذلك لن تحظى أجندة مماثلة بالتفويض.

من الطبيعي أن يرغب كثيرون في تفادي ما يعتبرونه تورطاً في مستنقع عربي آخر، ولكن كما أوضح عدد كبير من المقاتلين البريطانيين، لا سبيل إلى تجنب "داعش": فهو تكلف الكثير، ويتوسع، ولديه طموحات عالمية.

*الغارديان

back to top