مسح أدمغة الجثث يساعد الأحياء!

نشر في 24-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 24-08-2014 | 00:01
بدأ الأموات يعودون إلى الواجهة من خلال المساهمة في تحسين تكنولوجيا التصوير التي يركز عليها الباحثون لمسح أدمغة الأموات. فوغهان بيل جاء بالتفاصيل في {ذي أوبزيرفر}.

على مر آلاف السنين، كانت دراسات الدماغ البشري المباشرة تتطلب مشاركة الأموات. وكان التشريح أبرز وسيلة في الدراسات ولكنه كان يستلزم اختراق أدمغة الجثث. رغم الحالات المؤسفة التي سمحت باستكشاف الدماغ الحي في ساحات المعركة أو على طاولة الجراح، كانت الجثث والأدمغة المحفوظة تشكّل مصدر معظم معارفنا.

حين اختُرعت تقنيات المسح الدماغي في القرن العشرين، سمحت بإظهار بنية ووظيفة الدماغ عند البشر الأحياء للمرة الأولى. كان الاكتشاف مهماً بالنسبة إلى علماء الأعصاب بقدر اختراع التلسكوب، لكن سرعان ما تلاشت أهمية الجثث في الأبحاث الدماغية. في الفترة الأخيرة، عاد فحص الدماغ بعد الوفاة إلى الواجهة، فقد زاد اهتمام الباحثين المعاصرين باستعمال تقنيات المسح الجديدة على أدمغة الأموات.

يتولى الأطباء الشرعيون اكتشاف سبب وطريقة الوفاة ثم يقدمون تلك المعلومات كأدلة قانونية، وقد كانوا مسؤولين جزئياً عن هذه الأبحاث المثيرة للفضول. تتعلق إحدى مهامهم الأساسية بتشريح الجثث فيفحص الطبيب الشرعي الجثة، من الداخل والخارج، لتقييم حالتها عند الوفاة.

صحيح أن التشريح التقليدي له منافع عدة، مثل الفحص المجهري لأنسجة الجسم، لكن يبرز بعض السلبيات أيضاً ويتعلق أحدها بواقع أن تقطيع الجثة يُعتبر في بعض الديانات إهانة للكرامة البشرية وقد تؤخر هذه العملية موعد الدفن لفترة تتجاوز المدة الاعتيادية. على صعيد آخر، يُعتبر التشريح قراراً لا رجوع عنه. إذا عارض أحد طريقة تنفيذه أو تفسير النتائج، يكون الأوان قد فات للقيام بشيء عدا إعادة تقييم الصور، أو قد يحتفظ الأطباء في حالات نادرة بعينات من الأنسجة.

نتيجةً لذلك، زاد الاهتمام باستعمال التقنيات الطبية مثل التصوير المقطعي والتصوير بالرنين المغناطيسي لابتكار صور ثلاثية الأبعاد للجثث، على أن يتم الاحتفاظ بها والعودة إليها عند الحاجة: إنه مفهوم {التشريح الافتراضي}. على مستوى الطب الشرعي، يمكن مقارنة تلك الصور بالجسم الذي يُشتبَه بأنه سبّب الإصابة. كذلك يمكن استعمال التقنية الرقمية لمقارنة شكل سلاح الجريمة أو مسار الرصاصة المتوقع بالإصابة خلال المسح الثلاثي الأبعاد لمعرفة درجة التطابق بينهما.

راجعت الطبيبة مانويلا باغليفو وفريقها في {معهد الطب الشرعي} في زوريخ حديثاً الدراسات العلمية حول تصوير الجثث بعد الوفاة ووصفوا كيف أدت حدة إصابات الرأس المميتة إلى وفرة من الدراسات التي تشمل مسح أدمغة الجثث خلال العقد الماضي. كذلك لاحظوا زيادة الاهتمام في أوساط طبية أخرى حيث يسهم مسح الأدمغة بعد الوفاة في فهم الآثار القاتلة للإصابات الدماغية مثل الجلطات والنزيف الداخلي، ما يسمح في نهاية المطاف بإنقاذ حياة الناس.

انفصام والزهايمر

يدقق عدد متزايد من الدراسات بآثار أكثر دقة من خلال مقارنة حجم الهياكل الدماغية وشكلها عند وفاة الأشخاص المصابين بانفصام الشخصية أو مرض الزهايمر. حتى الآن، يمكن استعمال التقنيات التقليدية لإتمام هذه الدراسات، مثل الكاميرا والمشرط، أو حتى المقاربات الأكثر تقدماً مثل تقطيع الدماغ ميكانيكياً إلى شرائح صغرية وتصوير كل شريحة رقمياً. لكن يبقى استعمال ماسحة الدماغ النموذجية خياراً سريعاً وغير مكلف، وهو يسمح للعلماء باستعمال البرنامج الذي ابتُكر لتحليل مسح أدمغة الأحياء.

لكنّ دراسات عصبية تثير الاهتمام وتشمل الأموات لا تهدف إلى فهم أسباب الوفاة بل إنها تركز على تعديل التقنيات لأجل استعمالها على الأحياء. تشمل إحدى أشهر تقنيات تصوير الدماغ، أي التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، رصد اختلافات ضئيلة في إشارات الراديو التي تبثها أنسجة الدماغ والدم حين تتلاعب حقول مغناطيسية كبرى بجزيئات الهيدروجين الموجودة فيها.

قد تبرز مصاعب متعددة وتعيق قراءة تلك الإشارات بطريقة موثوقة، فضلاً عن أن معظم تحليلات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي يركز على تصحيح الأخطاء المحتملة. لكن لا يتضح دوماً مصدر تلك المعلومات المغلوطة ويمكن الخلط أحياناً بين آثار بعض الحركات، مثل حركة الجسم أو التنفس، والتغيرات في نشاط الدماغ.

لا يتحرك الأموات ولا يتنفسون طبعاً، لذا استُعملوا كنماذج جامدة للبشر الأحياء خلال مرحلة تعقب المصاعب. قامت إحدى الدراسات الأولى من نوعها بمقارنة البشر الأحياء والجثث والدمى الاصطناعية، واستنتجت أن إحدى الإشارات الغامضة التي قيل إنها تصدر من الدماغ كانت في الواقع تشير إلى وجود مشكلة في تقنية المسح، وذلك بغض النظر عن طبيعة الاختبار. اختبرت دراسة أخرى برنامج تصحيح الحركات من خلال مسح الأدمغة الجامدة لدى الأموات لضمان قراءة فاعلة للنتائج قبل تحفيز وتصحيح الحركات المدروسة بطريقة اصطناعية وبث الإشارات.

في الفترة الأخيرة، اتكلت عالمة الأعصاب أندريا أنتال وزملاؤها على الدراسة التي اختبرت حديثاً نوعاً من التحفيز الدماغي الكهربائي الرائج تجارياً لمعرفة ما إذا كان ينتج تحليلات إيجابية خاطئة خلال التجارب التي تستعمل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. فلاحظوا أنها ترصد نشاطاً دماغياً رغم عدم وجوده عند إنتاج الحوافز في الجثث، ما يوفر تحذيراً مهماً لكل من يجري أبحاثاً عن استعمال هذه التقنية على الأحياء.

مع توسع ظاهرة شيخوخة السكان، ليس مفاجئاً أن يصبح خلل الدماغ موضوعاً شائعاً في الأبحاث العلمية. لكن على عكس معتقداتنا التي تعتبر أن الجثث جزء من علوم بالية، بدأ الأموات يؤدون دوراً ناشطاً على نحو مفاجئ لتحسين هذه التكنولوجيا الجديدة وجعلها مثالية.

back to top