متى يصبح التمرن مفرطاً؟

نشر في 24-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 24-08-2014 | 00:01
{الرياضة دواء}. شعار مبادرة جديدة تنظمها الجمعية الطبية الأميركية والجمعية الكندية لفيزيولوجيا التمرن. تعكس المبادرة واقعاً جديداً في المجتمع الطبي، مفاده أن الأداة الأقل كلفة والأكثر فاعلية لمحاربة آلاف الحالات من الداء السكري إلى الكآبة قد تكون الركض قليلاً في المنتزه.

ولكن على غرار الأدوية كافة، يكمن الأساس في الجرعة. نعرف جميعنا مخاطر عدم التمرن، إلا أن الباحثين بدأوا يواجهون اليوم وضعاً معاكساً: متى تصبح الرياضة مفرطة؟ أو بالأحرى، متى تكون كافية؟

قبل سنتين، أدت النتائج الأولية لدراسة قُدمت في الاجتماع السنوي للكلية الأميركية للطب الرياضي إلى عناوين جعلت محبي الركض يرتعدون وعشاق الجلوس أمام شاشة التلفزيون يبتسمون. فقد حذر موقع The Globe على الإنترنت: {يمكن للركض أن يقصّر حياتك}، مضيفاً أن ثلاث ساعات إلى أربع ساعات أسبوعياً من الركض قد تلحق ضرراً بالقلب وتحدّ من فوائد مقدار أقل من التمرن.

أرغمت المناظرة التي نشأت محبي الركض وكارهيه، على حد سواء، على إعادة النظر في افتراضات قديمة عن التمرن والصحة ومحاولة التمييز بين ما تُظهره الأدلة وما يتمنون أن تبرهنه. ثمة مشكلة واحدة: عانى التحليل الأصلي شوائب عدة، كما كشف نشر الدراسة الكاملة الشهر الماضي. فبدل التحذير من مخاطر الإفراط، تشدد الدراسة راهناً على الفوائد المهمة للركض، فترات قصيرة، تتراوح بين خمس وعشر دقائق يومياً وخفضها مخاطر الموت جراء الإصابة بمرض القلب إلى النصف.

تشكيك في الإحصاءات

تتبع الباحثون من جامعة ولاية أيوا وعدد آخر من الجامعات حالة 53 ألف مريض في عيادة كوبر في تكساس طوال 15 سنة بعد فحصهم الطبي الأول. فتبين في التحليل الأولي أن مَن يمارسون رياضة الركض كانوا أقل عرضة للموت خلال الدراسة بنسبة 19%، مقارنة بمن لا يمارسونها. لكن هذه الأفضلية اختفت في حالة مَن أفادوا أنهم يركضون أكثر من 32 كيلومتراً أسبوعياً أو بسرعة تفوق الكيلومتر في خمس دقائق.

حتى في تلك الفترة، أثارت اكتشافاتهم رد فعل قوياً. فقد أشار الدكتور لاري كريسويل، رياضي وجراح قلب من كلية الطب في جامعة ميسيسيبي له مدونة Athlete’s Heart التي تناقش صحة قلب الرياضيين، إلى أن المعلومات الطبية التي تُكشف خلال المؤتمرات لا تكون قد خضعت لمراجعات أهل الاختصاص، بخلاف مقالات المجلات الطبية. وكتب حين عُرضت هذه الاكتشافات للمرة الأولى: {عندما تُدعى للمشاركة في اجتماع، يمكنك أن تقول ما يحلو لك، سواء كان دقيقاً علمياً أو لا}. كذلك شكك آخرون في الأساليب الإحصائية المتبعة لتحليل بيانات هذه الدراسة.

الدكتور روبرت غازال، أحد محبي رياضة الركض وعالم اقتصاد في جامعة تورنتو شدد على أهمية تقييم الناس عواقب قراراتهم الفورية والطويلة الأمد: {من اللافت للنظر أن من الصعب، حقاً، تبديل ما يؤمن به الناس في ما يتعلق بالعوامل التي تؤثر في صحتهم على الأمد الطويل. لمست ذلك لمس اليد. فعندما اطلعت على النتائج الأولية، شككت فيها... أردت أن أصدق أن الركض بكثرة مفيد لصحتي}.

إذاً، كيف تبدلت رسالة دراسة عيادة كوبر إلى هذا الحد؟

لا نستطيع أن ننكر اليتة احتمال {الإفراط} في القيام بأمر ما، سواء كنا نتحدث عن الركض أو التمرن عموماً أو أي مسألة أخرى مرتبطة بالصحة. يشير كريسويل: {في العالم الفيزيائي والبيولوجي، يبدو أن ثمة حداً أقصى لكل أمر. ولا بد من أن هذا ينطبق، أيضاً، على ممارسة الرياضة}.

تكمن المشكلة الوحيدة في رسم هذا الحد. ففي الحالات المتطرفة، لاحظت دراسة نُشرت عام 2011 أدلة على تليّف القلب (ندوب خصوصاً) في حالة ستة من 12 رياضياً يمارسون رياضات تتطلب قوة تحمّل كبيرة، وشاركوا في نحو 178 ماراتوناً كمعدل، فضلاً عن 65 ماراتوناً طويلاً تتعدى مسافة كل منها 80 كيلومتراً وأربعة ماراتونات ثلاثية صعبة. لم يتضح ما إذا كان لهذا التليف تأثير سلبي، إلا أن هذه الدراسة أكدت أن تلف القلب قد يتراكم.

تُعتبر دراسة عيادة كوبر مثيرة للاهتمام لأنها أشارت إلى ظهور تأثيرات سلبية مع معدلات تمرن أكثر انخفاضاً، لا في حالات محبي الماراتونات الطويلة. لكن التحليل الأصلي عانى شائبة كبيرة، حسبما يوضح توماس ويبر، باحث متخصص في القلب في كلية إيكان للطب في ماونت سايناي في نيويورك، في رسالة وجهها إلى محرر مجلة Heart.

تقنيات إحصائية

{عُدلت} النتائج وفق مؤشر كتلة الجسم، ضغط الدم، والكولسترول، ما يعني أن الباحثين استخدموا تقنيات إحصائية كي يجعلوا المعايير التي استندوا إليها متعادلة اصطناعياً بين مجموعات مَن يمارسون رياضة الركض ومن لا يمارسونها. تُعتبر هذه ممارسة شائعة في دراسات علم الأوبئة، هدفها التخلص من المتغيرات المربكة. على سبيل المثال، إذا كانت إحدى المجموعات أكبر أو أصغر سناً كمعدل من المجموعة الأخرى، يمكن لتعديل إحصائي أن يصحح السن.

ولكن في دراسة تتناول تأثيرات الركض الصحية، لا يشكل مؤشر كتلة الجسم، ضغط الدم، أو الكولسترول متغيرات {مربكة}، وفق ويبر. فالركض يخفض مباشرة كل هذه. لذلك من الطبيعي أن يتمتع مَن يمارسون هذه الرياضة بقيم أدنى من المعدل. لذلك تؤدي معادلتها اصطناعياً إلى إخفاء (أو حتى عكس) التأثيرات التي تتوقعها من الركض.

لا شك في أن الباحثين الذين راجعوا هذه الدراسة أشاروا إلى هذا العيب عندما نُشرت نتائجها في المجلة. لذلك ما عاد يظهر في التحليل الأخير. لكن هذه الخطوة بدّلت الخلاصات، إلى حد كبير، بما أن فوائد الركض ما عادت تتراجع، على ما يبدو، مع ازدياد المسافات التي يجتازها الرياضي.

نتيجة لذلك، تصبح رسالة هذه الدراسة مختلفة كل الاختلاف، وتشير إلى أنك لست مضطراً إلى التدرب كرياضي محترف لتتمتع بصحة جيدة. فما عادت هذه الدراسة تعتبر التمرن بإفراط أمراً مضراً بالصحة.

هذه الخلاصة استنتجتها كاثرين جونز، عداءة تشارك في ماراتونات طويلة وتمارس رياضة الركض على دروب غير معبدة. فلم تطفئ المناظرة الدائرة حول صحة القلب والركض حماستها (أو تحد من المسافات الطويلة التي تقطعها). لكن صراعاً طويلاً مع إصابة في الورك وكسراً محتملاً ناتجاً عن الإجهاد خلال فصل الشتاء الماضي ذكراها بأن الإفراط لا يكون دوماً جيداً.

تقر جونز: {ما زلت أحاول تحديد مقدار التمرين الجيد بالنسبة إلي. ولكن بتقييم ما أشعر به جسدياً وعقلياً، أعدّل مقدار الوقت الذي أخصصه للتمرن على أساس يومي}.

لم يتخلَّ كريسويل، أيضاً، عن رياضات السباحة، ركوب الدراجة، والركض بحماسة. لكنه يخشى أن تبقى الرسالة الأصلية الخاطئة أوسع انتشاراً من الرسالة الصحيحة. يقول: {ينتابني شعور مزعج لأنني أظن أن العاملين في مجال الرعاية الصحية، أي أصحاب الاختصاص الذين يلجأ إليهم أناس يكونون أصحاء عموماً، يتأثرون بعناوين الأخبار}.

رغم ذلك، ما زال كريسويل يود أن يعرف ما إذا كان التمرن بإفراط يسبب الأذى. لذلك يأمل أن تتناول الأبحاث هذا السؤال.

يسأل كريسويل: {هل تستحق هذه المناقشة العناء؟ نعم بالتأكيد، شرط أن تكون ضمن إطارها الصحيح. لكننا نواجه عموماً مشكلة مع قلة التمرن لا فرطه}.

back to top