المخرج التلفزيوني والسينمائي عامر الزهير: الظروف تغيرت لكن العقول لم يطرأ عليها جديد

نشر في 24-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 24-08-2014 | 00:01
يشغل موضوع الإنتاج السينمائي والتلفزيوني الكويتي بال الكثيرين، ورغم التقدم التكنولوجي في المجالين، فإن تطوير الإنتاج يحتاج إلى ما هو أهم من التكنولوجيا، هذا ما يقوله المخرج وكاتب السيناريو والمنتج عامر الزهير في حوار مع {الجريدة} تحدث فيه عن تجربته الفنية في السينما والتلفزيون وبعض قضايا الإنتاج الفني.

كيف ترى الإنتاج السينمائي في الكويت راهناً؟

أراه وضعاً طبيعياً في ظروف غير طبيعية، تماماً كما كان في السابق. ربما تقول لكن الظروف تغّيرت، وسأقول نعم تغّيرت الظروف لكن أكثر العقول لم يتغيّر، ولذلك فالوضع الآن لا يزال طبيعياً.

هل يمكنك التوضيح أكثر؟

ما أقصده بالطبيعي هو أن ثمة سينمائيين شباباً يعتمدون على أنفسهم ويبادرون فينجح بعضهم ويحُبط بعضهم ويفشل آخرون. معظم أعمال الشباب من إنتاجهم الخاص عدا حالات قليلة يحصل فيها أحدهم على مساهمة من مصدر خاص آخر، إذن سنشاهد فيلماً كويتياً طويلاً كل سبع سنوات، وبعض الأفلام القصيرة والوثائقية التي تنتج بين فترة وأخرى. ستستمر الحال على هذا المنوال طويلاً، إلى أن نجد أنفسنا يوماً ونحن في آخر الركب.

هل أنت متشائم؟

 

لا، لست متشائماً، بل على العكس. أما ما قلته فأقصد به التنبيه من التفريط بمواهب تلك القلة من السينمائيين التي تحدثت عنها سابقاً، سواء الناجحين أو المُحبطين، والمواهب نادرة، فإن استمر تجاهلها فسنخسر الكثير وإن رعيناها كسبنا الكثير. والتحذير أيضاً من المبالغة في وضع قيود حول حرية التعبير، فقد تغيّرت الظروف وأصبح الممنوع أكثر انتشاراً من المتوافر. والتنبيه الأخير للسينمائيين الشباب بأن يبقوا متفائلين، خصوصاً بعد تأكيد صاحب السمو على أهمية الأخذ بيد الشباب. والسينمائيون فئة مهمة من مجموع الشباب. وثقتنا بالطبع كبيرة في وزير إعلامنا الهُمام الذي ننتظر منه لفتة تحرّك مياه السينما الكويتية الراكدة.

رعاية

اهتمامك واضح بالسينمائيين الشباب، لماذا هذا التركيز؟

 عندما أعود بذاكرتي إلى أيام الشباب، أدرك تماماً وأتفهم ضرورة دعم هؤلاء الشباب. العمل السينمائي ليس كالفن التشكيلي، ولا هو ككتابة القصة بل هو عمل جماعي. وكي يتفرّغ مُبدع فكرة الفيلم ومخرجه للتنفيذ، ثمة مئات المهام الواجب تحضيرها من آخرين، وهو أمر لا صعوبة فيه ولكنه أيضاً ليس سهلاً. هنا يلعب الدعم دوراً رئيساً في توفير كل ما من شأنه مساعدة المخرج على التركيز أكثر على عمله الإبداعي. صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله، عندما أصرّ على أهمية الأخذ بيد الشباب لم يقصد فئة شبابية دون أخرى، فتخيل أنك في موقع مسؤولية، وتلاحظ مجموعة صغيرة متميزة من الرياضيين الناشئين يثبتون مواهبهم ويتفانون في سبيل تطوير قدراتهم، فما الذي ستفعله في تلك الحالة؟ حتما ستنشئ لهم نوادي وتزودهم بمدربين وخبراء علاج ومعسكرات تدريب، وغيرها من خدمات. كذلك هي المواهب السينمائية، تحتاج إلى الرعاية لتنمو.

الدعم ضروري

ما الذي ينقص الحركة السينمائية الكويتية كي تنتقل إلى مرحلة الإنتاج السينمائي الروائي الطويل؟ وهل الدعم الحكومي ضروري؟

لا ينقصها شيء. العناصر متوافرة لكنها مشتتة. لننظر إلى نصف الكأس الملآن، أهم العناصر لإنتاج سينمائي روائي طويل موجودة، لا سيما المواهب والمال، ويبقى النص، الموجود أيضاً ولكن ليس بوفرة، وهذا ليس بالوضع السيئ.

ثمة أكثر من مشروع لأفلام روائية طويلة، وبنصوص جيدة، تنتظر الفرصة. وثمة أعمال أدبية محلية تملأ الأرفف وكثير منها يصلح لتحويله إلى أفلام روائية طويلة. إذاً، متى ما اجتمعت العناصر الثلاث فستنطلق الحركة ولن تتوقف، لأن المؤشرات تقول إن الجمهور الخليجي يتوق إلى مشاهدة أفلام روائية خليجية طويلة، والدليل أن عوائد معظم الأفلام الخليجية عُرضت أخيراً تحقق وحققت هامشاً ولو بسيطاً من الربح. وهذه بداية جيدة. ولن تتوقفـ لأننا لدينا على الأقل 10 أضعاف عدد السينمائيين الذين كانوا في الساحة في أواخر القرن الماضي، وهم في ازدياد مضطرد، ومن الجنسين. يرفض البعض فكرة الدعم الحكومي للسينما ضماناً لاستقلالية المخرجين. وأنا ضد هذا التوجّه، فمن يرغب من الشباب بالحفاظ على استقلاليته تماماً فهذا شأنه، لأنه حتى لو حصل على دعم خارجي فلا بد من بعض التنازلات. أما الدعم الحكومي فمطلوب من ناحية نشر الثقافة السينمائية والتعليم والتدريب وإجازة النصوص واستصدار الرخص اللازمة للتصوير وما شابه، أمور لا يمكن لأي جهة غير رسمية القيام بها. في الدول العادية، وليس فقط في الدول المتقدمة، تجد إما مؤسسات خاصة بالسينما أو ما يسمى بـ{الفيلم كوميشن} تقوم برعاية كل ما يخص الإنتاج السينمائي بل وتؤسس صناديق مالية لهذا الغرض. في الكويت، حتى هذه اللحظة، لا توجد هيئة أو مؤسسة تهتم بالحركة السينمائية.

أحلام وعوائق

ما السر في قلة أعمالك؟

لم يكن الأمر في يدي، إسأل اليوم أي سينمائي طموح يعمل في هذا الحقل عن العوائق وستجد أن إجابته تطابق ما قلته أعلاه مع ملاحظة فارق توافر التكنولوجيا، فالإنتاج السينمائي والتلفزيوني مكلف رغم تقدم التكنولوجيا. كذلك ثمة عوائق تتعلق بالرقابة، وأخيراً وليس آخراً، ثمة قضايا العروض والتوزيع. تلك أمور تعوق الشاب اليوم كما كانت تفعل سابقاً.

أما تجربتي مع تلفزيون الكويت (وهو مكان انطلاق شهرة الممثلين والمخرجين) فكانت غير صحيّة، لم يتوافر الإنتاج الخاص حينها، معظم الإنتاج الدرامي يقوم به التلفزيون نفسه، لذلك كانت الإدارات المتعاقبة على شؤون التلفزيون تكلّف مخرجين تختارهم بنفسها، فإن لم تكن محسوباً على مسؤول ما فأبشر بالتجميد. بفضل محمد السنعوسي الذي كان مسؤولا عن التلفزيون، أتيحت لي فرصة كتابة أول أفلامي من إنتاج التلفزيون وإخراجه، ورغم النجاح الذي حققه الفيلم بعد عرضه تلفزيونياً وفوزه في قرطاج، فإنني لم أكن أعلم أن ذلك سيتسبب بتجميدي لسنوات طويلة. كان أمراً شخصيا استغل به أحد المسؤولين سلطته الإدارية ضدي.

عبث بالكفاءات

 ذكرت التجميد أكثر من مرّة، أخبرنا عنه؟

يعوق المسؤول أحياناً أي مشروع تتقدم به، أو يتجاهلك ويكلف آخرين حتى لو كانوا أقل كفاءة منك. عبث ما بعده عبث، بطاقات الشباب ومستقبلهم. لكن مع ذلك حصلت على أكثر من فرصة أخرى، حسبما ذكرت، وأخرجت {قصة شهيد} و{صحوة}  و{بيت بوخالد} و{وسمية تخرج من البحر}. لو قسمت عدد أعمالي لتلفزيون الكويت على عدد السنين التي عملت بها كمخرج في التلفزيون، وهي بالمناسبة 22 سنة، لوجدت أنني أخذت فرصة واحدة كل خمس أو ست سنوات. أما {بيت بوخالد}، وهو مسلسل اجتماعي من 13 حلقة ومن تمثيل خالد النفيسي وحياة الفهد وسعاد عبد الله، فكان من إعدادي وإنتاج مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج ولا علاقة له بالتلفزيون. وكان من المفترض أن أخرج العمل لأنني كاتبه، لكن ضغوطاً مورست وأوكلت المهمة لمخرجين اثنين ليتوليا الإخراج معاً، وأنا أحد مساعديهما. كانت كارثة بالنسبة إلى مخرج شاب تعلم الإخراج في الخارج، ومارسه لاحقاً، أن يكتشف حجم التسيّب وغياب المهنية والانضباط. أما مسألة مخرجين اثنين للمسلسل نفسه، فهذه لوحدها كانت مأساة، وطُلب مني التنحي بعد تصوير ما يعادل أربع حلقات لتكرار اعتراضي على أخطاء كبيرة فتنحيت.

بالنسبة إلى {وسمية}، لم أخرج النسخة التلفزيونية التي أنتجها التلفزيون لاحقاً. كان سيناريو كتبته عن رواية ليلى العثمان وتقدمت به إلى التلفزيون لإنتاجه كفيلم روائي منذ العام 1988. ماطلت إدارات بعد إدارات ومسؤول بعد آخر في الموافقة على إنتاجه رغم إجازتهم للنص، وبقي الأخير لدى التلفزيون، اختارت الفنانة سعاد عبد الله سيناريو {وسمية تخرج من البحر} لينتجهاالتلفزيون كسهرة درامية يشارك فيها في مهرجان القاهرة للتلفزيون، وتلقيت اتصالاً أن التلفزيون وافق أخيراً على إنتاج سيناريو وسمية ففرحت للخبر، ولكن ليس لوقت طويل إذ سرعان ما أكمل المتصل: ولكن كالعادة، سيخرج العمل مخرج آخر.

ورغم كل شيء إلا أنك لم تتجه إلى مهنة أو عمل آخر، بل أنتجت ثلاثيتك عندما تكلم الشعب بعد التقاعد، لماذا؟

لأنني أعشق عملي وحرّيتي، ولا أريد أن أكون رجل أعمال ولا صاحب أملاك. وما دمت صحيح العقل والجسد فلن أتوقف. للعلم، ليست الثلاثية فقط ما أنتجته منذ تقاعدي، بل أنجزت فيلماً وثائقياً طويلاً على غرار {عندما تكلم الشعب}، لكنه لم ير النور لأسباب خارجة عن إرادتي، كذلك أنجزت أكثر من سيناريو سينمائي وسيناريو تلفزيوني. وأشير هنا إلى أن الكتابة تأخذ وقتاً أكثر مقارنة بما يحتاج إليه الإنتاج. كذلك أقمت ورشة سينمائية درّبت فيها شباباً جدداً على الإنتاج وأنتجوا فيها فيلماً درامياً قصيراً عن الشاعر فهد العسكر، وهم مستمرون في إنتاج أفلام قصيرة. وانتهيت أخيراً، من إعداد ورشة جديدة سيتدرب فيها الشباب على كتابة النص السينمائي وإنتاجه.

هل لاحظت تغيّراً على الإنتاج التلفزيوني الكويتي الدرامي مقارنة بما أنتجه التلفزيون قديماً وأيام معاصرتك له؟

معدّل مشاهدتي للإنتاج الدرامي المحلي قليل مقارنة بما يشدني من إنتاج عربي أو أجنبي آخر، لكن يكفي لإعطائي فكرة عن الإنتاج التلفزيوني الكويتي. بالمقارنة بين الإنتاج الحديث وبين القديم نجد أن إحدى سلبيات الأول الافتقار إلى النص الجيّد، عدا بعض حالات نادرة، إضافة إلى فقر الإنتاج، والأخير لا يعالجه التصوير بفلل فخمة وسيارات فارهة بل بالإنفاق على العمل، وهنا معضلة ميزانيات معظم الأعمال المتواضعة. أما إيجابيات الإنتاج الحديث فهي تحرير الكاميرا والانطلاق بها إلى الخارج، ثم وفرة العنصر النسائي، والانفتاح والمشاركة مع شركات الإنتاج في القطاع الخاص.

ماذا عن آخر مشاريعك؟

مشاريعي كثيرة لا تنتهي. كلما تعثّر إنتاج عمل لي لجأت إلى القراءة والكتابة. الكتابة لا تكلفني سوى الوقت، وهذا لدّي منه الكثير (يضحك) وكما ذكرت، على مر السنين تجمّعت لدي أعمال مكتوبة كنصوص، من بينها أفلام روائية طويلة أو قصيرة، ومن بينها مسلسلات درامية تلفزيونية. حتى إن بعض تلك الأعمال تمت إجازته رقابياً من الإعلام.

أقوم بالتنسيق لإنتاج مشترك لمسلسل تلفزيوني كتبته منذ زمن طويل. وتكمن أهمية العمل في جودة النص وثقتي في أنه سيكون في مصاف الإنتاج التلفزيوني عالي الجودة. وكنت عرضت النص على أكثر من قناة خارج الكويت. وأخيراً، أظهر بعضهم بوادر اهتمام. أتمنى أن يكون تلفزيون الكويت (الذي أجاز النص) أول المشاركين، إذ سيجني مسلسلاً لرمضان بمواصفات عالمية وبأقل تكلفة ممكنة.

لمحة ذاتية

عامر الزهير اسم لامع في مجال الإنتاج السينمائي والتلفزيوني الكويتي، تخرّج في جامعة أريزونا -  الولايات المتحدة وحصل على بكالوريوس الفنون المسرحية ثم على ماجستير في الإخراج والإنتاج السينمائي من جامعة لويولا ماريماونت في كاليفورنيا عام ١٩٨٨ بعد حصول فيلمه الدرامي القصير {جرعة حب»، وهو مشروع تخرجّه، على درجة الامتياز.

عمل في تلفزيون الكويت من 1978 الى 2000 حيث انتقل الى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وأسس مراقبة السينما في المجلس، أقامت مراقبة السينما أثناء توليّه مسؤوليتها مهرجان {السينما العربية المميزة} احتفالا بالكويت عاصمة للثقافة في عام 2001، وحرَصَ الزهير على عرض مجموعة كبيرة من الأفلام الكويتية أمام ضيوف المهرجان من كبار مخرجي العالم العربي ونجومه الذين حضروا من أكثر من تسع دول عربية. كذلك كتب الزهير وأخرج أثناء عمله في المجلس {زيت على قماش} وهو فيلم وثائقي/ درامي طويل عن الفنان الراحل صفوان الأيوبي.  

وخلال عمله في التلفزيون كتب وأخرج مجموعة من الأعمال أهمها: {قصة شهيد} في عام 1993 وهو فيلم وثائقي/ درامي عن الشهيد أحمد قبازرد، وأخرج السهرة الدرامية التلفزيونية {صحوة} من تمثيل عايشة ابراهيم وأحمد الصالح وباسمة حمادة، كذلك كتب وأخرج أول أفلامه الدرامية {القرار} بطولة استقلال أحمد وعبد العزيز الحداد، وفاز الفيلم بالتانيت البرونزي من مهرجان قرطاج السينمائي عام 1984. اشتهرت ثلاثيته السينمائية الوثائقية {عندما تكلم الشعب} عندما عُرضت على جماهير خاصة في بعض الجامعات والدواوين والسفارات ومؤسسات المجتمع المدني، لكن وزارة الإعلام لم تجز الجزء الأول (عن حقوق المرأة السياسية) ومنعت عروضه العامة بحجة تعارضه مع المصلحة العامة، وقد حصد الجزء الثاني من ثلاثية {عندما تكلم الشعب} جائزة افضل فيلم وثائقي طويل من مهرجان الخليج السينمائي في أبو ظبي عام 2008.

back to top