مَن يضمن ألا يكون العبادي مالكياً آخر؟!

نشر في 23-08-2014 | 00:07
آخر تحديث 23-08-2014 | 00:07
No Image Caption
الأكراد يضعون الشروط المانعة... والشيعة لا يخفون قلقهم
تتداول الصالونات السياسية في العراق تصورين حول المرحلة المقبلة وفرص الإصلاح الذي تحتاج إليه البلاد، بعد تنحي نوري المالكي لمصلحة رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي.

 ويؤكد ساسة معظمهم شيعة، أن الحكومة المقبلة تمثل "جناح التغيير والإصلاح" المدعوم من 130 نائباً شيعياً، ورغبة ملحّة لدى مرجعية النجف، وضغوطاً داخلية ودولية تعتقد أن مواجهة مخاطر تفكك العراق وكبح جماح تنظيم داعش، أمر مرهون بحزمة إجراءات تعيد المسار إلى وضعه المناسب، وأن صفحة المالكي "طويت إلى الأبد" بعد أن أدرك الجميع الكلفة الباهظة لسياساته التي قسمت البلاد طائفياً.

ويفترض هؤلاء أن حيدر العبادي سيكون ممثلاً للحظة مراجعة عميقة داخل حزب الدعوة، الذي انتكس على وقع أخطاء عمرها 8 أعوام، وتكرست خصوصاً منذ انسحاب أميركا من البلاد نهاية 2011. ويعتقدون أنه سيحصل على شرعيته مجدداً من خلال تعامله المنفتح على مطالب الإصلاح واللوبي الداخلي والخارجي الذي يدفع نحوه.

إلا أن هناك تصوراً آخر يشكك في إمكان أن تسير الأمور بهذه السلاسة. فحزب الدعوة الذي تخلّص من المالكي لإرضاء مرجعية النجف وطمأنة واشنطن التي رفضته، سرعان ما سيشعر بالطمأنينة حين ينجح العبادي في تشكيل الحكومة، وسيجد عندها أن في وسعه أن يناور ويتخلى تدريجياً عن معظم الالتزامات الإصلاحية، ويعيد الإمساك بالدولة، بحيث لا يترك لمنافسيه الشيعة وغيرهم، أن يزاحموه على النفوذ ويتقاسموا معه الحصة الكبرى من المغانم.

ويعرب هؤلاء عن اعتقادهم بأن إصرار "النجف" على الإصلاح وضغط المجتمع الدولي، يمكن أن يواجه بمماطلة من قبل العبادي وحزبه، إذ ليس من السهل إجراء تغييرات جذرية تشريعياً وتنفيذياً وأمنياً، وستكون المماطلة مبررة أمام النجف وواشنطن على حد سواء، مقابل تمرير بعض "الهدايا السطحية" للأكراد والسنّة، في المدة الأولى للحكومة الجديدة على الأقل.

ويقلل المتحمسون للتغيير من هذا السيناريو، قائلين إن الأطراف العراقية صارت أكثر خبرة بآليات تطويق رئيس الحكومة، والتخفيف من غلوائه، وأن حزب الدعوة يعلم جيداً أنه سيخسر الحكومة إذا حاول أن يناور ويتنكر للالتزامات.

ويضيفون أن إنهاء خطر "داعش" وإنقاذ بغداد من الانفجار، صارا رهنا بتغيير نهج الحكم والسياسات، للتصالح مع السنّة وتوفير أكبر قدر من التأييد للجيش والنظام السياسي، كي يكون بمقدور العراقيين مواجهة الإرهاب، والحصول على دعم إقليمي وتعاون دولي في هذا الإطار، وهذه بحدّ ذاتها ضمانة لعدم تكرار سياسات التخبط والاستعداء السابقة.

لكن هؤلاء يعترفون بأن ضغط التوقيتات الدستورية، وحجم الخلاف حول حقائب الحكومة وتوزيعها، أمران لم يتركا وقتاً كافياً للتفاوض حول النهج السياسي، وربما لن يحصل العراقيون على منهاج وزاري عميق بما يكفي، لمنع تكرار الأخطاء، ولصوغ الضمانات الكبيرة التي تضبط إيقاع حزب الدعوة، وتكبح جماح أي رغبة في التفرد بالقرارات.

ويبدو الأكراد أكثر الأطراف حذراً من حصول ذلك، ويشترطون بعض القيود الإضافية للموافقة على صفقة الحكومة، منها أن يجري التوقيع على بند مفاده أن الحكومة تعتبر مستقيلة إذا انسحب منها التحالف الكردستاني (نحو 60 نائباً)، بينما يخشى البعض من احتمال تصدّع الموقف السني وذهاب الكثير من أحزاب اتحاد القوى الوطنية الذي يمثل السنّة، نحو مغانم السلطة التنفيذية، واستعدادهم للوقوف إلى جانب رئيس الحكومة مهما ارتكب من أخطاء، طالما أنه يغريهم بالصفقات الكبيرة والعمولات الوفيرة، وهو ما تدرّب عليه حزب الدعوة في عهد المالكي، وبرع في استخدامه حتى اللحظة الأخيرة.

ويبقى الرأي الأرجح اليوم، عند بعض النافذين، أن التعويل على العبادي كشخص، في مهمة الإصلاح وانتظار أن يلتزم حزب الدعوة بمتطلبات ذلك، لن يكون مطمئناً. ويعتقد هؤلاء أن المسار المضمون هو أن ينجح الشيعة، عبر كتلتهم النيابية ونفوذ مراكز القوى، في تعزيز دور البرلمان التشريعي والرقابي، ودعم استقلال القضاء، ودفع المواقف المعتدلة إلى الأمام، إذ إن ذلك سيولّد موقفاً داخلياً متماسكاً، ومدعوماً من المجتمع الدولي، ولن يترك فرصة أمام حزب الدعوة للتصرف بما يفسد صفقة المراجعة والتصحيح. وهذا أقسى اختبار لما يُعرف بـ"جناح التغيير" في الكتلة الشيعية.

back to top