ثورة البيانات الضرورية في إفريقيا

نشر في 22-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 22-08-2014 | 00:01
 أماندا غلاسمان منذ بدء استخدام مصطلح "ثورة البيانات"، شهد العالم فورة من النشاط لتحديد وتطوير وتنفيذ أجندة ترمي إلى تحويل عمليات جمع واستخدام وتوزيع الإحصاءات الخاصة بالتنمية بالكامل، وهو أمر منطقي، ذلك أن تقييم أجندة المجتمع الدولي التالية في مجال التنمية، بعيداً عن تفاصيلها، أمر يكاد يكون مستحيلاً في غياب البيانات الدقيقة.

ومع هذا فإن منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا- المنطقة التي تحمل أكثر إمكانات التقدم في أطار أهداف التنمية المستدامة المقبلة- تفتقر بشدة إلى البيانات الدقيقة، فمنذ عام 1990 حتى عام 2009، كانت دولة واحدة فقط في منطقة جنوب الصحراء الكبرى تحتفظ ببيانات جميع المؤشرات الاثني عشر التي أنشأها برنامج الأهداف الإنمائية للألفية في عام 2000، والواقع أن الدول الستين التي تحتفظ ببيانات إحصائية حيوية كاملة لا تقع أي منها في إفريقيا، ورغم أن أغلب بلدان إفريقيا شهدت في الأرجح نمواً اقتصادياً ملموساً خلال العقد الماضي، فإن دقة البيانات التي تستند إليها تقديرات النمو- ناهيك عن البيانات الخاصة بالتضخم، والإنتاج الغذائي، والتعليم، ومعدلات التطعيم- تظل بعيدة عن الكفاية.

إن البيانات غير الدقيقة قد تخلف عواقب خطيرة، ولنتأمل هنا تجربة نيجيريا في وقت سابق من هذا العام، حيث أظهرت عملية إعادة تسكين عناصر الناتج المحلي الإجمالي أن الاقتصاد كان أكبر بنحو 90% عما كان يُـعتَقَد من قبل، والأرجح أن الصورة المشوهة للاقتصاد النيجيري التي وفرتها الإحصاءات السابقة أدت إلى اتخاذ قرارات مضللة في ما يتعلق بالاستثمار الخاص، والتصنيف الائتماني، والضرائب، وعلاوة على ذلك، فإن هذا يعني أن مخصصات نيجيريا من المساعدات الدولية كانت أكثر مما تستحق، المساعدات التي كانت ستذهب إلى بلدان أكثر احتياجاً لولا ذلك.

وخلافاً للاعتقاد الشائع فإن القيود المفروضة على إنتاج واستخدام البيانات الأساسية لا تنبع من نقص القدرات الفنية والمعرفية، بل إنها ترجع إلى تحديات سياسية ونظامية أساسية، فبادئ ذي بدء، تفتقر هيئات الإحصاء الوطنية غالباً إلى الاستقلال المؤسسي اللازم لحماية سلامة البيانات، وبالتالي فإن إنتاجها يميل إلى التأثر بقوى سياسية وجماعات مصالح خاصة.

كما تعمل السياسات السيئة التصميم على تقويض دقة البيانات، على سبيل المثال، في بعض الأحيان تربط الحكومات والجهات المانحة التمويل بتدابير مبلغ عنها ذاتيا، وهو ما يخلق الحوافز لدى المتلقين للمبالغة في تقرير البيانات الرئيسية مثل معدلات التطعيم أو الالتحاق بالمدارس، وفي غياب الإشراف الفعّال فقد تذهب الجهود الحسنة النية لمكافأة التقدم أدراج الرياح.

وعلى الرغم من هذه الإخفاقات، تستمر الحكومات الوطنية والجهات المانحة الدولية في تكريس موارد أقل كثيراً من أن تكون كافية لضمان جمع البيانات الكافية، ولا يتجاوز القسم المخصص من مساعدات التنمية الرسمية لتحسين جودة الإحصاءات 2% من مجموعها، وهي كمية غير كافية على الإطلاق لتقييم تأثير بقية المساعدات بدقة، ومن الواضح أن اعتماد الحكومات على المانحين لتمويل وجمع إحصاءاتها الأساسية أمر غير قابل للاستدامة.

الواقع أن الأنظمة الإحصائية الأقوى تُعَد الخطوة الأولى نحو تحسين دقة وتوقيت وتوافر البيانات التي تشكل ضرورة أساسية لحساب كل المؤشرات الاقتصادية أو الاجتماعية المهمة تقريبا، وهذا يتضمن الإحصاءات الخاصة بالمواليد والوفيات؛ والنمو والفقر؛ والضرائب والتجارة؛ والصحة والتعليم والسلامة؛ والأراضي والبيئة.

إن تطوير مثل هذه الأنظمة هدف طموح ولكن تحقيقه ممكن، وكل المطلوب هو الرغبة في تجربة أساليب جديدة في جمع واستخدام وتبادل البيانات.

وهنا يأتي دور الجماهير، فإذا قامت الشركات الخاصة ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني بتحديد مشاكل بعينها ودعت علناً إلى التغيير، فسوف تستشعر الحكومات الضغوط الكفيلة بدفعها إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لإنتاج بيانات دقيقة وغير منحازة، على سبيل المثال، من خلال تعزيز استقلالية هيئات الإحصاء الوطنية أو توفير الأموال الكافية لتوظيف عاملين أكثر تأهيلا، وفي حين قد يكون من المغري تجاوز الحكومات والبحث عن حلول سهلة قائمة على التكنولوجيا، فإن تحقيق التقدم المستدام الذي يتمتع بالمصداقية سوف يكون أمراً بالغ الصعوبة في غياب مشاركة القطاع العام.

الواقع أن إدراك الحكومات والجهات المانحة الخارجية للحاجة إلى المزيد من التمويل- الأكثر كفاءة- وخاصة لتحسين أنظمة الإحصاء الوطنية، سوف يشكل جزءاً لا يتجزأ من هذا التحول، والتأسيس لحوافز أكثر قوة لحمل الهيئات المختلفة على إنتاج بيانات جيدة- بيانات دقيقة وموقوتة ومتصلة ومتاحة بسهولة- من شأنه أن يساعد أيضا، مع الاستعانة بمقاييس محددة بوضوح لتعريف ما يمكن وصفه بأنه "جيد". والواقع أن ربط التقدم في تحديد هذه المقاييس بالتمويل عن طريق اتفاقات الدفع في مقابل الأداء من الممكن أن يحسن نتائج جهود التنمية إلى حد كبير.

وتتلخص إحدى الاستراتيجيات الواقعية لتحقيق هذه الأهداف في إنشاء ميثاق بين البلدان المتلقية والجهات المانحة لتحسين البيانات، وهذا الميثاق من شأنه أن يمكن الحكومات والجهات المانحة من التعبير عن نيتها المشتركة لبناء نظام إحصاء وطني على مدى عدة سنوات، مع تحديد أهداف واضحة وقابلة للتحقق منها. وهو كفيل أيضاً بتوفير إطار مستقل لكل دولة على حِدة للإبداع في ابتكار آليات التمويل وإشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص، والعمل في الوقت نفسه على حشد تكنولوجيات جمع البيانات ونشرها، باختصار، سوف يساعد ميثاق البيانات في حشد وتركيز التمويل المحلي والذي تقدمه الجهات المانحة لتحقيق الأولويات الإحصائية الوطنية.

إن البيانات تُعَد عُملة الأداء والمساءلة والمصداقية في الاقتصاد العالمي، وكان تحسن البيانات مرتبطاً بتحسن الحوكمة والإدارة وارتفاع مستويات الاستثمار الخاص، وهذا هو ما تحتاج إليه إفريقيا على وجه التحديد لدعم عقد جديد من النمو والتنمية.

* كبيرة زملاء ومديرة السياسة الصحية العالمية في مركز التنمية العالمية.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top