الشره وفقدان الشهية... تجاوزي خطورتهما

نشر في 22-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 22-08-2014 | 00:01
تزداد أمراض الجوع المفاجئ والشره المرضي وفقدان الشهية خطورة لأنها تمس بشكل أساسي فئة الشابات وتؤثر على حاجة حيوية: الغذاء. إنه {جحيم يومي} ويشعر المصابون بهذه الحالات بالعار والخجل والانزعاج والاكتئاب ولا يتكلمون في الموضوع. لا يجيد هذا النوع من الأشخاص السيطرة على الحاجة الجارفة إلى الأكل أو الإحباط الدائم بسبب اكتساب الوزن. هكذا يصبح موضوع الغذاء طاغياً على حياتهم إلى أن يتحول إلى هوس فعلي. تحمل هذه الاضطرابات رواسب من مشاكل سابقة مثل الشعور بالفراغ أو حتى العنف النفسي والجسدي منذ الطفولة. لكن تشير التجارب إلى وجود طرق محتملة للشفاء.

رغم المعايير الاجتماعية والثقافية السائدة، يكشف الإفراط في الأكل أو فقدان الشهية عن مشاكل عاطفية تكون حادة بدرجات متفاوتة.

يؤثر بعض المشاكل النفسية على الغذاء لأنه يشكل وظيفة حيوية ويعكس جزءاً من الهوية ويعزز التواصل مع العالم. هل تُعتبر الاضطرابات الغذائية من فئة الأمراض العاطفية وجزءاً من المشاكل التي تمس العلاقات؟

وفق الخبراء، يُعتبر الأكل بهدف استعادة الشعور بالراحة أمراً طبيعياً وشائعاً. يميل كل من يواجه مشكلة عاطفية إلى تناول طبق غني بالسعرات الحرارية لتجنب تلك المشاعر المؤلمة وتهدئة الانفعالات. يتحول الوضع إلى اضطراب فعلي حين يترافق الانزعاج مع الشعور بالذنب والاشمئزاز.

لا علاقة لقوة نوبة الشره المرضي بتناول لوح شوكولا بين وجبات الطعام مثلاً. بل تدوم هذه النوبة لفترة قصيرة وبشكل خفي وتولّد ضيقاً جسدياً ونفسياً هائلاً. تترافق أوجاع البطن وأعراض النفخة والغثيان مع فقدان تقدير الذات بدرجة هائلة. يتحدث الاختصاصيون عن مشكلة الشره المرضي حين تتكرر النوبات مرة في الأسبوع على الأقل، على مر أشهر عدة.

أما الاضطراب الشائع الثاني، فهو فقدان الشهية، ويتمثل بالامتناع عن الأكل ونحافة غير طبيعية، لدرجة أن مؤشر كتلة الجسم يصبح أقل من 18، وتترافق الحالة عند الفتيات مع غياب الدورة الشهرية عموماً. ترتبط الحالة أيضاً بمؤشرات مثل فرط النشاط الجسدي، الضغوط المدرسية أو المهنية، الهوس الغذائي، الحاجة الدائمة إلى احتساب السعرات الحرارية المستهلكة، والشعور المُلِحّ بوجود مشكلة السمنة مع أن الوزن الحقيقي يكون منخفضاً جداً.

المرض ليس خياراً!

كانت هذه الاضطرابات الغذائية موجودة في مختلف العصور، لكن يصعب رصدها في الأحداث التاريخية الغابرة بسبب تغير المصطلحات اللغوية بين الأمس واليوم. برزت مناورات عدة كانت تستعملها المرأة لتحقيق النحافة منذ القرن السادس عشر، مثل استهلاك الأحماض أو الطبشور أو التراب. لم تذكر المراجع أن هذه الفئة من النساء كانت تواجه مشكلة {فقدان الشهية}، بل تحدثت عن نساء {هزيلات جداً}. يُشار إلى أن الاضطرابات السلوكية ليست خياراً، بل إنها رد فعل تلقائي على احتقان العواطف المشحونة.

        نصيحة للخروج من الدوامة

نعم، الشفاء ممكن! لكنّ الصراع طويل وصعب. يشرح الأطباء في ما يلي السبل الفاعلة للخروج من هذه الدوامة الصعبة.

قد تبدو هذه الفكرة مفاجئة، لكنّ الاضطرابات الغذائية لها ناحية إيجابية. في مرحلة معينة، هي تفرّغ مصادر القلق والحزن والكآبة، كذلك تُطَمئِن المريض في شأن قدرته على التحكم بالأمور والغذاء والوزن والشكل الخارجي. هكذا يشعر بقوة أكبر. لكن لا تدوم هذه المشاعر لفترة طويلة وسرعان ما تحلّ المرحلة التي تعجز فيها الأعراض الغذائية عن تفريغ الضيق والانزعاج. هكذا تصبح الحياة جحيماً ويتحول الاضطراب الغذائي إلى مشكلة لا تُحتمَل، ولا يتشجع المريض بعد ذلك على فعل أي شيء. لذا يقرر كثيرون أخيراً معالجة حالتهم. لكن ما هو مسار العلاج ومن هي الجهات التي يجب اللجوء إليها؟

تسمح المتابعة الطبية وإعادة التأهيل الغذائي بمعالجة سوء التغذية الذي ينجم في آن عن فقدان الشهية والشره المرضي الذي يترافق مع تقيؤ. بموازاة هذه المقاربة، يبرز العلاج النفسي الذي يكون خليطاً من العلاج الفردي المبني على الإلهام التحليلي والعلاج العائلي والعلاج الجماعي أو العلاجات السلوكية والمعرفية. لا بد من مراجعة تاريخ المريض الذي يمكن أن يكون مؤلماً ويسبب له مشاكل الرهاب وكبت المشاعر.

يجب مساعدة المريض على فهم ما حصل معه والعوامل التي أوصلته إلى سلوك مماثل. على مر الجلسات، يركز الاختصاصيون على مفاهيم مغلوطة ترتبط بالتوازن الغذائي والوزن وطريقة توزيع الغذاء في الجسم. تختلف كل حالة عن غيرها، لكن توصّل الخبراء إلى نصائح قيّمة تفيد الجميع.

1. إعادة التوازن إلى الإيقاعات

وفق الخبراء، يسمح إيقاع الساعة البيولوجية بتصحيح الفوضى التي تطبع أولى الأعراض المرتبطة بالشره المرضي وفقدان الشهية معاً. يتفاجأ المرضى أحياناً حين يستنتج الاختصاصي أنهم يواجهون أيضاً مشاكل في النوم. لذا ينصح الخبراء بتناول الطعام والنوم في ساعات منتظمة، مع تقديم ساعة النوم بشكل تدريجي. تسمح هذه المقاربة بالاسترخاء في مسائل معينة واستعادة السيطرة على مسائل أخرى.

2. التحلي بالصبر

تكون الانتصارات الصغيرة بطيئة جداً، لا سيما في المرحلة الأولى. يجب ألا يسعى أحد إلى الكمال أو أن يحاول تحقيق نتائج جذرية، بل يجب خوض التجربة للاقتناع بأن التقدم التدريجي يغير كل شيء. في حال الإصابة بالشره المرضي، يمكن اكتساب كيلوغرام أو اثنين من دون الشعور بالضيق. فضلاً عن أن اكتساب الوزن تدريجياً يسمح بتراجع أفكار فقدان الشهية. بداية التغير هي اختبار الفشل. يسمح هذا الدرس بتحسين الوضع. أهم ما في الأمر هو المواظبة على بذل جهود واقعية. يمكن التشجّع على المضي قدماً من خلال تحديد إيجابيات الشفاء من المرض.

3. التحدث عن المصاعب

ينجم القلق عن عدم إدراك إمكان مراجعة الأخطاء والتجارب الفاشلة والتفكير فيها. يوصي الخبراء بأن يتحدث المريض عن تجاربه الفاشلة مع صديق أو قريب أو معالج نفسي بهدف استخلاص الدروس من تلك التجارب. يبدأ علاج الاضطرابات الغذائية بالتحدث عن المشكلة وكأنها حلم مشترك واستعمال صور رمزية للتعبير عن العواطف والأحاسيس لأن الصور تشفي والاستعارات تغذي!

4. التخطيط للمشاريع

يجب أن يتخيل المريض ما ينتظره في حياته وأين كانت رغباته الشخصية لتوصله لو لم يكن مريضاً، حتى لو كانت تلك الطموحات غير واقعية. ماذا تتمنى خلال السنوات الخمس المقبلة؟ لا يمكن الشفاء من أي اضطراب إلا بعد التوصل إلى التصرف على سجيتنا وتوسيع هامش حريتنا. يجب التمسك بالرغبات الشخصية حتى لو عنى ذلك تغيير وجهة الحياة أو المهنة أو الشريك. يلاحظ الخبراء أن الأشخاص الذين تعافوا من حالتهم تجرأوا على التمسك بقناعاتهم وحقيقتهم حتى لو بدوا بصورة سيئة بنظر البعض. هكذا لا يعود المرض جزءاً من هوية الفرد.

5. مقابلة الأشخاص الذين تعافوا

من الإيجابي طبعاً أن يقابل المريض أشخاصاً تعافوا نهائياً من حالتهم، فهو قد يجد صعوبة في الاقتناع بقدرته على الشفاء ما لم يشاهدهم شخصياً.

الشره المرضي: إفراط في الأكل طوال الوقت

6. تغيير طريقة الأكل لتخفيف الشره

يوصي الخبراء بإضافة النشويات والبروتينات إلى كل وجبة طعام لتخفيف حدة النوبات. لذا ينصحون بتناول فطور مؤلف من الخبز والبروتينات (جبنة بيضاء، بيض...). لا داعي لتحديد الكمية لأن النوعية هي الأهم. يرمز اللحم مثلاً إلى عملية المضغ و}التهام الحياة}.

7. إعادة اكتشاف شعور الشبع

تنتهي وجبة الطعام في العادة حين تمتلئ المعدة. لكن يختلف الوضع إذا كانت المعدة موسّعة لأن الفرد لن يستطيع ردع نفسه. أول ما يجب فعله هو تقليص محيط المعدة: الامتناع عن شرب السوائل تزامناً مع الأكل وعدم توسيع المعدة بمأكولات تقلّ فيها السعرات الحرارية (ألبان، تفاح، خضراوات نيئة، سلطات). في المرحلة اللاحقة، يجب التركيز على تناول مأكولات مغذية وتوفر الطاقة مثل النشويات والبروتينات.

8. تقاسم وجبات الطعام

بالنسبة إلى معظم المصابين بالشره المرضي، من الأسهل تناول الطعام وسط الجماعة. إذا لم يكن الأكل الجماعي ممكناً، ينصح الخبراء بأخذ استراحة وسماع الموسيقى مثلاً. يجب أن تكون وجبة الطعام لحظة سعيدة ومهدئة.

9. استباق المواقف الحساسة

عند رصد العواطف القوية أو الحزينة أو السعيدة التي يمكن أن تطلق النوبات، يمكن استباق المواقف الحساسة ووضع استراتيجيات فاعلة لتجنبها. يمكن التخلص من مختلف المواقف، بغض النظر عن صعوبتها، لكن من الأفضل البدء بالمواقف الأكثر سهولة.

10. تجديد التواصل مع الجسم

عند الإصابة بهذا النوع من الأمراض، لا يختبر الجسم انزعاجاً قوياً فحسب بل تجاهلاً تاماً. يمكن تحقيق الشفاء عبر إدراك هذا الواقع وتقبّل وجوده. يقضي الحل إذاً باختيار تقنية لإراحة الجسم وترخيته وتهدئته مثل التدليك، السفرولوجيا، العلاج بتقويم العظام، اليوغا، التاي تشي، مركز تجميل... تسمح هذه النشاطات بإعادة التركيز على الجسم الحيوي الذي يتبع إيقاعه الخاص. {تُجبِر} الفرد على تخصيص الوقت الكافي للإصغاء إلى جسمه.

11. التخلص من مشكلة التقيؤ

في أفضل الأحوال، تكون الحوافز والمشاريع والرغبة في التشبه بالآخرين كافية للتخلص من نوبات التقيؤ. إذا لم يكن الوضع كذلك، يجب العمل على تخفيف النوبات اليومية أو الأسبوعية بوتيرة تدريجية. حين تغيب نوبة التقيؤ طوال ثلاثة أسابيع، يعني ذلك أن المشكلة انتهت. يمكن استعادة الطاقة والتوازن العاطفي في المرحلة اللاحقة.

فقدان الشهية: حين نرفض الأكل...

12. تجاوز مشاعر الخيبة

يجد المصابون بمشكلة فقدان الشهية صعوبة في ابتلاع الطعام. يمكن أن يُترجَم أي واقع صعب بمشكلة في الأكل. إنه نوع من الاضطرابات المحتملة، أو شكل بسيط من أزمة المراهقة، أو تعبير عن الاعتراض، أو رد فعل على خيبة الأمل بالراشدين. لكن تشكّل الخيبة والظلم جزءاً من حياة الراشدين. يكفي أن يستوعب المريض أن كبت هذه المشاعر يزيدها سوءاً. في المقابل، يجب الاقتناع بالقدرة على ابتكار خيار آخر دوماً.

13. تناول القليل ولكن بنوعية جيدة

لا بد من إعادة إدراج البروتينات والنشويات في الحمية الغذائية، ولو بكميات قليلة في المرحلة الأولى، وذلك خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع: نصف شريحة لحم، ثلاث ملاعق صغيرة من حساء الأرز المطبوخ، معكرونة أو هريسة، أو يمكن استبدال اللبن بقطعة من جبنة الماعز أو الغرويير لأن هذه الأنواع مغذية أكثر من غيرها. يجب أن يعلم الجميع أن البروتينات لا تعزز البدانة بل توفر الطاقة. في ما يخص النشويات، يعني الاعتياد عليها مجدداً العودة إلى أول غذاء يتناوله الطفل، لذا يسهل أن يعتاد عليها جهاز الهضم حتى لو لم يتلقاها منذ فترة. لا يستطيع المصابون بفقدان الشهية أن يعاودوا الأكل مثل الآخرين بسبب تغير بيئة الأمعاء. على صعيد آخر، يمكن استعادة الثقة في النفس من خلال وضع أهداف واقعية، وسرعان ما تسمح الحمية الصحية المتجددة بالخروج من دوامة الاضطراب الغذائي. بعد تجاوز هذه المرحلة، يجب زيادة كمية المأكولات وتنويع الأطباق والخلطات والنكهات.

14. فهم معنى اكتساب الوزن

في البداية، كما في سن البلوغ، لا يكون اكتساب الوزن متناغماً. يفقد الجسم جانبه العظمي ويتخذ شكلاً دائرياً. يُعتبر هذا التحول مخيفاً بدل أن يكون جميلاً. لكن تبقى هذه المرحلة عابرة وسرعان ما تصبح خطوط الجسم ومنحنياته أكثر تناغماً. هكذا يتقبل المريض أن ينظر إلى نفسه ويرفض الاستسلام ووقف الجهود، كذلك يتقبّل زيادة حجم بطنه ويعتبره جزءاً من الشكل المنشود.

15. انفتاح على الخارج

لا بد من فتح آفاق جديدة في الحياة وعدم حصر الذات بالدراسة أو المهنة أو العائلة. يمكن التوجه إلى مجال الموسيقى أو الغناء أو الرسم أو المسرح أو المناسبات الاجتماعية، لأجل اختبار العلاقة مع الآخر وتقليص مشاعر الخوف واكتشاف الذات من جديد.

هل نحذف السكر من الحمية؟

تبرز في هذا المجال استراتيجيتان فاعلتان، وتتوقف الاستراتيجية المختارة على وجود أو غياب عامل البدانة إلى جانب الشره المرضي.

حذف السكر: غالباً ما يعني الشره المرضي الإدمان على السكر: كلما استهلكناه، تزداد حاجتنا إليه. لذا يجب التخلي عن السكريات المؤلفة من الغلوكوز وسكر القصب والنشويات الموجودة في الطحين الصناعي كونها ترفع مؤشر سكر الدم بسرعة فائقة قبل أن تسبب انخفاضاً حاداً في هذا المعدل خلال ساعة ونصف. لكن يجب أن يفهم المرضى أن سكريات الفاكهة لا تعطي هذا الأثر السلبي. للاستمتاع بنكهة حلوة المذاق، يمكن أكل الفاكهة المجففة ومكسرات اللوز أو الجوز أو البندق. ينصح الخبراء بخوض هذه التجربة خلال أربعة أو خمسة أيام لأن الفاكهة توفر شعوراً كافياً بالشبع.

عدم حذف السكر من الحمية: لا تمنع هذه الاستراتيجية أي نوع من المأكولات. يجب أن يتعلم كل فرد أن يأكل من دون ضوابط. لا يعني ذلك متابعة الأكل عشوائياً بل الإصغاء إلى الحاجات الغذائية والاطمئنان إلى توافر المأكولات الغنية بالسكر. سرعان ما يهدأ الأشخاص الذين كانوا يميلون إلى استهلاك كمية فائضة من السكر.

مؤشرات تحذيرية عند المراهقين

في حال الإصابة بفقدان الشهية:

• تراجع الكميات المستهلكة وانتقاء المأكولات في الطبق، أي وضع ضوابط غذائية مفرطة.

•فقدان الوزن بوتيرة ثابتة وملاحظة توقف النمو واكتساب الوزن.

• توقف الدورة الشهرية عند الفتيات.

في حال الإصابة بالشره المرضي:

• تفريغ خزائن المطبخ من محتوياتها وإيجاد أغلفة فارغة فيها.

• البقاء في الحمّام لفترة طويلة وانتشار رائحة القيء عند المرور بالقرب من الآخرين.

مؤشرات أخرى: طفل حزين بشكل غير اعتيادي يبالغ في التركيز على دروسه، ويعزل نفسه عن الآخرين، ويمارس الرياضة بشكل مفرط مع أن الرياضة لم تكن تهمّه في السابق.

ما هو رد الفعل المناسب؟

التحدث مع الطفل وطرح الأسئلة عليه لمعرفة سبب قلقه والحرص على اختيار لحظة استرخاء للتكلم معه، لكن ليس على مائدة الطعام طبعاً!

الاستعانة بطرف ثالث (طبيب عام، طبيب أطفال) لعدم المبالغة في التركيز على هذا الاضطراب الغذائي والحفاظ على علاقة بين الأبناء والأهل وكي لا تتحول الحياة اليومية إلى صراع متواصل.

شبكات التواصل الاجتماعي... ظاهرة ضارة؟

تم حظر خطابات استفزازية وصور صادمة على شبكة الإنترنت. يشرح علماء الاجتماع في ما يلي سبب ذلك القرار.

أصبح هذا الموضوع الأكثر تداولاً بين المجلات. بدءاً من نيكول ريتشي وصولاً إلى أليساندرا أمبروزيو، تعقبت مختلف المقالات مشكلة فقدان الشهية لديهما وسرعان ما تمددت هذه الظاهرة إلى شبكة الإنترنت وقد أسهمت شبكات التواصل الاجتماعي في تضخيمها. في الولايات المتحدة أولاً ثم في أوروبا، نشأت شبكات تؤيد فقدان الشهية وأخرى تدعم الشره المرضي. في هذه المواقع، تصف الفتيات حياتهن اليومية ويتبادلن النصائح حول طرق فقدان كيلوغرامات إضافية أو كيفية التقيؤ، كذلك ينشرن صوراً لأجسامهن بعد تحقيق النحافة. كتبت مجلة {تايم} في عنوانها الرئيس: {فقدان الشهية اتخذ بُعداً تكنولوجياً متطوراً}. وقد تم رصد أكثر من 400 موقع متخصص بفقدان الشهية حتى عام 2001. اتُّهمت المواقع بالمشاركة في انتشار المرض وقد واجهت انتقادات لاذعة من خبراء الصحة. بحسب رأي الخبراء، لا شك في أن مقابلة أشخاص يعيشون المعاناة نفسها ويتحدثون عن عوامل مألوفة هي مقاربة مفيدة للمريض. إنها طريقة للتغلب على الشعور بالوحدة. لكن في الوقت نفسه، يمكن أن يقابل المريض أشخاصاً يسيئون إليه بشدة. قد يحصل ذلك أيضاً خلال جلسات العلاج الجماعي لكن يتولى المعالج النفسي في هذه الحالة معالجة الوضع حين يلحظ أي شوائب.

مساحات للتعبير عن الذات أم ظاهرة جديدة تبحث عن مناصرين؟

تأثرت الجهات التي توفر خدمات الإنترنت بوقع هذه الظاهرة المستجدة، لذا قررت حظرها. فرضت مواقع {فيسبوك} و}تمبلر} و}بينتيريست} الرقابة على المواقع التي تروّج لتلك النزعة في عام 2012 وتقوم محركات البحث بغربلة هذه الكلمات المفاتيح. في فرنسا كما في إنكلترا، تسعى القوانين إلى منع جميع المواقع التي تشجّع على النحافة المفرطة. لكن يشكك بعض علماء الاجتماع بهذا القرار، فقد حللوا في أبحاثهم المحتويات المنشورة والروابط التي تجمع بين هؤلاء الأشخاص. توقع العلماء أن يشاهدوا أشخاصاً معزولين جداً في حياتهم اليومية لذا يسعون إلى التعويض عن وحدتهم. لكنهم واجهوا مفاجأة سارة حين اكتشفوا أن الواقع مغاير. أثبت الأشخاص الذين أجروا مقابلات مع علماء الاجتماع أنهم يتمتعون بقدرات قوية في مجال التواصل الاجتماعي، سواء على شبكة الإنترنت أو في الحياة اليومية. لم تكن المواقع، مثل {فيسبوك} و}تمبلر}، هي التي توفر الدعم لهم بل الأفراد بحد ذاتهم! كانت المواقف المتطرفة نادرة وتبين أن الأشخاص الذين يتصفحون المواقع المرتبطة بفقدان الشهية أو الشره المرضي يطالعون أيضاً مواقع المجلات العلمية أو صفحة وزارة الصحة في بلدانهم. يبدو أن شبكات التواصل الاجتماعي توفر مساحات للتعبير عن الذات ولا تبشّر بنزعة جديدة، كما أنها تقدم مصادر معلومات ووسائل دعم، فهل يمكن اعتبارها مفيدة أكثر مما يظن كثيرون؟ تسمح هذه المواقع للأفراد بتفريغ مشاعرهم تزامناً مع الاحتماء من المخاطر. بعد تجاوز الانزعاج الأولي، يتخذ هذا التواصل بين المستخدمين بُعداً يمهد للعلاج الفعلي.

لا تكمن خطورة هذه المواقع في معلوماتها المتطرفة بل في قرار إقصائها. أدت الرقابة إلى قطع الحوار مع خبراء الصحة والمنظمات وأفراد العائلة. في المنتديات العامة، قد يزيد الاهتمام بفتح مراكز طبية أو أداء دور الوساطة عن بُعد.

back to top