قصدت المكتبة وقرأت كل كتاب على الرف

نشر في 22-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 22-08-2014 | 00:01
لاقى كتاب فيليس روز عن تجربة القراءة المكثفة، التي طالعت خلالها محتوى رف كامل في إحدى مكتبات نيويورك، الكثير من الثناء. ولكن هل تشكل كتب مماثلة عن تجارب القراءة إشارة إلى ثقافة أدبية تزداد سطحية أم أنها مرشد بالغ الأهمية بالنسبة إلى أناس يعانون وفرة المطبوعات؟ رايتشل كوك كتبت التحقيق التالي في The Guardian.

في صيف عام 2011، خلال الأيام الهادئة التي تلت إعصار أيرين، توجهت الكاتبة فيليس روز إلى مكتبة جمعية نيويورك في الجهة الشرقية العلوية من المدينة لتبحث عن رواية لتشارلز نوردوف وجيمس نورمان هول تعود إلى عام 1936. فقد نصحها صديق يعرف شغفها تجاه رواية هذين الكاتبين الباكرة المليئة بالمغامرات Mutiny on the Bounty بقراءة روايتهما Hurricane (الإعصار). وبما أن الصحف كانت لا تزال تحفل بتقارير عن دمار خلفه إعصار أيرين، فأي وقت أفضل من هذا لقراءتها؟ ولكن عندما حملت روز الرواية بيدها، لم تشعر بحماسة كبيرة لمطالعتها. فقد سئمت من العواصف. لذلك أعادتها إلى مكانها على الرف.

راحت تتساءل: ما عليها أن تقرأ بدلاً منها؟ لا داعي لأن نذكر أن الخيارات كانت كثيرة، ما صعّب عليها الاختيار. فمكتبة جمعية نيويورك، التي أسستها عام 1754 مجموعة من الشبان اعتقدت أن إنشاءها سيسهم في ازدهار المدينة، مليئة بكمية مهولة من الكتب (صالاتها مفتوحة أمام الجميع، إلا أنك لا تستطيع استعارة كتاب ما لم تكن عضواً). اعتاد جورج واشنطن استعارة الكتب منها وكذلك ترومان كابوت وويلا كاثر في وقت لاحق. شُيّد مبناها الحالي عام 1917، وهو يمتاز بتصميم رائع. وتعتبر روز هذا المكان برخامه، لوحاته الجدارية، وخشبه مصدر المتعة الأقل كلفة في نيويورك.

إلى جانبها في المكتبة، لاحظت رفاً يحمل كتباً أخرى لنوردوف وهول، كان رفاً طويلاً. وعندما تلفتت حولها رأت أيضاً الكثير من الخطوة الطويلة المماثلة التي تضم كتباً كثيرة لمؤلف واحد. كان هؤلاء أحياناً كتاباً سمعت باسمهم بفضل كتاب واحد قرأته لهم. أما الكتاب الآخرون، فلم تسمع بهم سابقاً. فشعرت بالاستياء وقلقت بعض الشيء لأنها أدركت فجأة مدى كثرة الكتاب الذين لم يسبق لها أن تعرفت إليهم. وبغية التخفيف من انزعاجها، بدأت تضع خطة. ففكرت في اختيار عشوائياً رف من الكتب الخيالية وقراءة محتواه كله. فماذا ستكتسب من معارف جديدة؟

فيما راحت تفكر في هذه الخطة، شعرت بالإثارة. قد تكون هذه الكتب الغامضة مملة، سيئة، أو حتى لا تُقرأ. قد تكون مضيعة للوقت. لكنها بدت واثقة أيضاً من أنها إذا مضت قدماً في هذه الخطة، ستجد نفسها في ما يشبه الثلج الخام. فمن غيرها قد يقرأ هذه المجموعة المحددة من الروايات؟ بدت الفكرة مثيرة للاهتمام. حتى إن هذه المغامرة قد تتحوّل إلى موضوع كتاب شيق (لم تنشر روز، مؤلفة الكتاب المميز Parallel Lives الذي يروي قصة خمس زيجات تعود إلى العصر الفيكتوري، كتاباً منذ أكثر من عقد).

الرف الملائم

لكن اختيار الرف الملائم بدا صعباً. فما السبيل إلى تفادي رف كتب لمؤلف واحد غزير الإنتاج؟ لذلك لا يمكن أن تكون هذه العملية عشوائية بالكامل. فقد قررت أن من الضروري أن يشمل الرف كتاباً عدة لكل منهم خمسة كتب كحد أقصى (وقد قررت قراءة ثلاثة منها فقط). كذلك يجب أن يحتوي خليطاً من الأعمال المعاصرة والقديمة، فضلاً عن كتاب كلاسيكي لطالما رغبت في مطالعته إلا أنها لم تحظَ بالفرصة الملائمة. وبعدما بحثت في مئتي رف محتمل، عثرت على واحد استوفى جميع الشروط. حمل الرف علامة {لوك-ليس} وضم أعمالاً عدة من كتب كاتب الروايات الغامضة من العصر الإدواردي وليام لو كو إلى مؤلف روايات التشويق الأميركي الذي حققت أعمالها أفضل المبيعات جون ليسكوارت، مروراً برودا ليرمان (الخيال الأدبي المعاصر)، ميخائيل ليرمونتوف (مؤلف العمل الروسي الكلاسيكي A Hero of Our Time)، ليزا ليرنر (نُشرت روايتها النسائية القاتمة Just Like Beauty عام 2002)، الكسندر ليرنت-هولينيا (روائي نمساوي توفي عام 1986)، غاستون لورو (كاتب الروايات البوليسية الفرنسي الذي يشتهر بعملهThe Phantom of the Opera)، جيمس لوروسينيول (عالم اقتصاد كندي ومؤلف روايات قصيرة)، مارغريت ليروي (كاتبة بريطانية اختيرت روايتها Yes, My Darling Daughter في نادي أوبرا وينفري الصيفي للكتاب)، وألان-رينيه ليساج (مؤلف غيل بلاس، تحفة فنية بيكارسكية تعود إلى القرن السابع عشر).

شملت مغامرتها هذه حيناً عملاً شاقاً وأحياناً الكثير من المتعة والمرح. كانت تجربة مضنية ومحفّزة في آن. فشعرت تارةً بملل كبير وطوراً بإثارة كبيرة. اكتشفت روز عدداً من الكتّاب عشقت أعمالهم (راوية رودا ليرمان التي ما عادت تُطبع God’s Ear وكتاب ليساج Gil Blas). لكنها وقعت أيضاً على عدد من أعمال لم ترق لها البتة، ولعل أبرزها مؤلفات إتيان لورو المبهمة. نتيجة لذلك، كانت تقرأ باستمتاع كتاباً، متسائلة كيف غفلت عنه طوال هذه الفترة. ومن بين هذه الكتب Just Like Beauty، رواية أولى مؤثرة جداً ما عادت تُطبع تروي قصة نساء يُدرّبن لتقديم المتعة للرجال. في المقابل، عانت أيضاً خيبات أمل عدة (A Hero of Our Time)، إما لأن القصة لم ترقها أو لأسباب أدبية أخرى (كرهت الترجمة أو أن طريقة طباعة الكتاب لم تكن جيدة). وهكذا دواليك.

حوّلت روز في النهاية كل كتاب إلى مقال، مستندةً إلى خبرتها في التأمل في الروايات بحد ذاتها (روز قارئة دقيقة وبالغة الذكاء)، فضلاً عن تفاصيل مثل الخلفية، السمعة، المسيرة المهنية، طريقة التعامل مع الكاتبات في ثقافتنا الأدبية، حسنات وسيئات مراجعات موقع Amazon، ومستقبل مكتباتنا والمطالعة نفسها. دعت النتيجة النهائية The Shelf: Adventures in Extreme Reading (الرف: مغامرات من القراءة المكثفة). وقد نُشر هذا العلم في شهر يونيو في الولايات المتحدة حيث لاقى أصداء جيدة.

راحت روز تضحك عبر الهاتف من منزل ابنها في بولدر في كولورادو. سألتها عما إذا كانت مطالعتها ظلت مكثفة بعد انتهائه من The Shelf، أم أنها تقرأ بهدوء رواية دونا لارت The Goldfinch، على غرارنا كلنا. فأجابت بمرح: {يا لك من محتالة!}. وأضافت: {أحب The Goldfinch. لكني اقرأ اليوم أعمال كاتبات ثلاث يُدعون إليزابيث: تايلور، بوين، وجلين هاورد. أطالع راهناً Angel لإليزابيث تايلور. كتاب مميز. فقد ذكرني بكثير من أصدقائي الكتاب العابثين. بخلاف الجميع، أقرأه بواقعية مفرطة. في الواقع، لطالما كنت قارئة نهمة}. لكن هذا لا يعني أن The Shelf لم يؤثر فيها. فقد أصبحت هي ورودا ليرمان، {امرأة جميلة ومميزة}، صديقتين حميمتين (خلال تأليفها The Shelf، اتصلت روز بها عبر الإنترنت لتسألها عن السبب الذي دفعها إلى ترك الكتابة والعمل في تربية الكلاب وتزويجها). علاوة على ذلك، بفضل جهود روز، ستُطبع مجدداً رواية ليرمان المتوقفة عن الصدور. تخبر روز: {قال بيتر ماير (المدير التنفيذي السابق لدار Penguin) أنه يريد أن يجعلها نجمة، وهذا أمر عظيم. يسعدني أنني أطلقت سلسلة الحوادث هذه}. كذلك عادت ليزا ليرنر، كاتبة أخرى مدحتها روز، إلى تأليف الأعمال الخيالية (بعدما حُطمت روايتها الأولى بسبب مراجعة غبية متعمدة نُشرت في صحيفة {نيويورك تايمز}، التفت إلى العمل في التلفزيون). تقول روز: {أعتقد أنني أستطيع مدح نفسي قليلاً على هذا الإنجاز أيضاً}.

نظام مهدد

لا تُعتبر روز قارئة قديمة الطراز، فهي تحب جهاز Kindle الذي تملكه. كذلك ليست متشائمة. تقول إن من المستحيل أن تكون مكتئباً مع تعرفك باستمرار إلى كل هؤلاء الكتّاب الجدد الجيدين. في الوقت عينه، يشكّل The Shelf صيحة تحذيرية. تذكر روز: {أريد أن يدرك الناس أن المكتبات نظام بيئي مهدد تماماً مثل أحياد المرجان. يملأ جو مميز من السكينة المكتبات، جو تفتقر إليه عبر الإنترنت. فضلاً عن ذلك، يشكل البحث بين مجموعة من الكتب تجربة فريدة: شعور الانجذاب ذاك نحو كتاب بسبب غلافة أو تنسيق خطه. لكن ما يجعلني كئيبة فكرة أن الكتب قد تختفي من المكتبات ذات يوم}. ولا شك في أنها بانتقائها الكتب التي تناولتها من مكتبة، أسهمت في بقائها هناك. فالكتب التي لا تُستعار بانتظام غالباً ما تُنقل إلى رفوف عالية جداً.

تريد روز أيضاً تكريم الكتاب بمختلف انتماءاتهم. تذكر روز: {أحب الكتّاب. أكن لهم احتراماً كبيراً، سواء كانوا عباقرة أو فاشلين. أكن الاحترام حتى لجون ليسكروات (في كتابها، تشبه ديسماس هاردي وآبي غليتسكاي، بطلَي قصته البوليسية، بقطع كرتون). من الواضح أن مَن لا يحترمون عالم الكتاب لا يدركون مدى صعوبته. ففي الليلة الماضية، حضرت مهرجان كولورادو للموسيقى للاستماع إلى عازف بيانو يؤدي معزوفات موزار. صحيح أن هذا الموسيقي يجيد العزف، إلا أنه ليس بارعاً. رغم ذلك، أعجب به الحضور. فوقفوا يهللون ويصيحون. أود لو أن الناس يعبرون عن حماسة مماثلة للكتّاب، لو أنهم يقفون ويصفقون عندما يبلغون نهاية كتاب ما}.

يبدو هذا الكلام للوهلة الأولى في تناقض تام مع الثقافة الأدبية للقرن الحادي والعشرين مع عشقنا العام للمهرجانات الأدبية، تصميمنا اللامتناهي لمناقشة ما نختار قراءته ونصح الآخرين به على موقع تويتر أو فيسبوك أو المدونات الكثيرة. علاوة على ذلك، يشكّل كتاب روز واحداً من كتب كثيرة تتناول عدداً من الأعمال الأدبية نُشرت هذه السنة، علماً أن وجود هذه الكتب بحد ذاته يشير إلى جوع ما للكتب وعشق لها. لكن الوضع ليس بهذه البساطة. تقر روز بأن الحديث عن الكتب يختلف كل الاختلاف عن قراءتها. ففي كل مهرجان، نلاحظ أن الكثير من الحضور، إن لم نقل معظمه، لا يكون قد قرأ الكتاب الذي تجري مناقشته ولا ينوي فعل ذلك في وقت لاحق (اختبرنا كلانا هذا الأمر). يسعى الناس عادةَ وراء تجربة {المباشر} وشعور أنهم يشكلون جزءاً من مجموعة. إذاً، يشكل بعض هذه الأعمال، حتى تلك التي تكرّم كتباً يحبها مؤلفوها، أعراضاً لحقيقة أقل إشراقاً. توضح روز: {ألاحظ حركة تميل إلى تكريم ما نملكه قبل أن يضيع. أظن أن كثيرين يشعرون أن المطالعة باتت على وشك أن تنقرض. تبدو الأزمات صعبة ومحزنة. ما عادت المطالعة تشكل أمراً مفروغاً منه. لذلك نحاول التمسك بشيء قبل أن يختفي}.

عندما أعدت مجلة {نيويوركر} مراجعة عن The Shelf، أصابت ناقدتها كريستين سمولوود بالإشارة إلى أنه مع تراجع عدد مَن يقرأون، صار مَن يتمسكون بتقديرهم للكتاب فخورين بأنفسهم، {حتى إنهم باتوا يعتبرون أنفسهم جزءاً من هذا العالم}. لكن سمولوود لم تذكر كم هذا غريب! يثير هؤلاء القراء ضجة كبيرة، مع أن القراءة نشاط منفرد وهادئ. إنها حالة داخلية. علاوة على ذلك، إن كنت تقدر حقاً الكتاب، قد تكون مناقشته مؤلمة. فعندما يسيء أحد تفسير رواية تحبها أو ينتقدها بإجحاف، تشعر بالغضب والحزن. لهذا السبب، أنظر إلى القراء الذين يحدثون ضجة كبيرة نظرة شك وريبة. فلو كانوا يحبون الكتاب إلى هذا الحد، فلمَ يشعرون أن عليهم دوماً الحديث عن هذا الحب؟ من أين يتسنى لهم الوقت لذلك؟ لمَ لا نراهم منهمكين في مطالعة الكتاب التالي؟

عناوين معروفة

في عالم الكتب التي تتناول الأعمال الأدبية، يُعتبر كتاب روز، الذي يستكشف عموماً روايات مغمورة وغير معروفة، فريداً من نوعه. تستعرض الكتب المماثلة التي صدرت هذه السنة عناوين معروفة، محبوبة، وغالباً ما تحوَّل إلى أعمال تلفزيونية وإذاعية (في هذا البلد على الأقل). تخصص ريبيكا ميد كتابهاMy Life in Middlemarch لتحفة جورج إليوت، في حين تقدّم سامانتا إليس في How to Be a Heroine مراجعة مميزة لقصص أحبتها عندما كانت صغيرة، من بينها Wuthering Heights، The Bell Jar، Pride and Prejudice، وGone With the Wind. كذلك تشمل لائحة آندي ميلر، التي تتألف من خمسين كتاباً مميزاً والتي أوردها في عمله The Year of Reading Dangerously، كتباً مثل Catch-22، Lord of the Flies، Crime and Punishment، وThe Code of Woosters. ولكن لمن نوّجّه هذه الكتب التي تتناول أعمالاً أدبية؟ إن كنت تحب المطالعة، ألا تفضل قراءة كتاب Moby-Dick بدل مطالعة كتاب عن غريب يقرأ هذه الرواية؟ وإذا ما كنت تحبها، فما قد يدفعك في المقام الأول إلى اختيار كتاب عن القراءة؟ صحيح أن هذه الكتب قد تكون متقنة، مرحة، ومبتكرة، غير أنها تبدو لي شكلاً آخر من أشكال التكلم عن الكتب بدل قراءتها. أريد أن أصيح بقوة: {طالعوا روايات لا كتباً عنها}.

هل هذا إجحاف؟ هذا ما يظنه آندي ميلر. يبدو أنه يخالفني الرأي. يذكر: {لا أود أن يكون كتابي بديلاً لمطالعة Middlemarch. أفضل أن يتعاطى الناس مع الكتب مباشرة. وإذا قرأت كتابي لأنك تود أن تعرف ما يحدث في Middlemarch، فلن تنجح. لكننا نعيش اليوم مرحلة تُعتبر فيها المطالعة ملهِمة. فلم يسبق أن تمتعت بهذا القدر من الشعبية: على تويتر، في المهرجانات، وغيرهما. في المقابل، صار الجلوس ومطالعة كتاب بمفردك ومن ثم التأمل فيه قليلاً يبدو مهمة أكثر صعوبة راهناً}.

يعتقد ميلر أن كتابه يعكس طموحاته. علاوة على ذلك، يُعتبر تأليف عمل تعدٍّ بسيطاً بالنسبة إلى شخص طالع الروايات الإنكليزية في جامعة ساسكس في ثمانينيات القرن الماضي، حين كانت النظرية الأدبية واسعة الانتشار وكان يُمنع عن المشاعر التي يولدها كتاب ما في نفس قارئه. يقول ميلر: {أردت أن أضع الكتب في العالم الواقعي بدل المطبوعات الأدبية. أردت أن أقيم رابطاً بينها وبين الطريقة التي يقرأ بها الناس والتي تجمع بين الأفلام والموسيقى وتجارب الحياة}.

10 خطوات

يبدو ميلر منهمكاً بالترويج لكتابه في المهرجانات الأدبية في مختلف أرجاء الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، صمم Read Y'Self Fitter، برنامجاً من عشر خطوات هدفه شفاء الناس من عادات القراءة السيئة. فكيف يعمل هذا البرنامج؟ يجيب: {أطلب من الناس أولاً ملء نموذج. فيدونون اسمهم وعنوان كتاب لطالما أرادوا قراءته إلا أنهم لم يحظوا بفرصة القيام بذلك. ثم أطلب منهم توقيع النموذج كي يصبح ملزماً قانونياً. أجمع كل النماذج في قبعة. ثم أطلع المشاركين على الخطوات العشر، موضحاً لهم كيفية مطالعة الكتب في عالمنا العصري الحافل بالنشاطات. في النهاية، أختار عدداً من النماذج من القبعة ومن ثم أخبر الحضور ماذا أعرف عن الكتب التي ذكروها. أخيراً، أحاول تحفيز الجميع. فأسعى لأشعل الحماسة في نفوسهم كي يقرأوا الكتاب. وتنجح هذه المناورة في معظم الحالات. يحتاج الناس إلى هذا التشجيع. ويُعتبر التفاعل معه مذهلاً حقاً}.

هل يمكنه تقديم مثل عن إحدى الخطوات العشر؟ يجيب ميلر: {تؤكد الخطوة أن لا ضرورة للتحدث عن We Need to Talk About Kevin. أقصد بهذه الخطوة أن على الإنسان أن يختار ما يود قراءته هو بنفسه، متفادياً مجاراة التيار. خلال فترة طويلة، بدت رواية Kevin الكتاب الوحيد الذي يطالعه الناس. ولعل الكتاب الأكثر قراءة اليوم Stoner [رواية جون وليامز لعام 1965 التي حققت أعلى المبيعات عام 2013]. لكنك لست مرغماً على مطالعة Stoner. لا شك في أنه كتاب مذهل، إلا أنه كان كذلك طوال خمسين سنة. ويمكنك أن تقرأ أي كتاب آخر}. من هذا المنطلق، يعتقد ميلر أن برنامج Read Y’Self Fitter، فضلاً عن كتابه المستمد من هذه التجربة، يقدم المطالعة كبديل لمجرد الكلام عن المطالعة. بكلمات أخرى، علي الاستمتاع بالمطالعة فحسب.

يبدو أن آخرين يشاطرونه الرأي. أخبرتني سامانتا إليس خلال مناقشتنا How to Be a Heroine: {يعزز الحديث عن الكتب متعتي خلال قراءتها. تشمل أوجه كتابي المختلفة كيفية فتح حوار مع المزيد من الناس}. لكن إليس طالما شجعت قراءة الروايات والكتب أكثر من مرة، علماً أن هذا غير مستحب وسط جنون حملات تسويق الناشرين والدردشة المستمرة في مواقع مثل تويتر. فمن الضروري في هذه الدردشات أن يبدو الإنسان وكأنه يطالع دوماً عملاً جديداً. فتهوى إليس إعادة اكتشاف سحر الطريقة التي طالعت بها تلك الروايات وهي فتاة صغيرة. تخبر: {أردت حقاً الغوص في تلك الكتب، وتفاعل الناس مع هذه الرغبة. لدي الكثير من الرسائل الإلكترونية التي أخبرني فيها الناس: كان هذا الكتب مهماً جداً بالنسبة إلي في الخامسة أو العاشرة من عمري، وإليك السبب}. إذاً، هل يرفض العالم العصري الانغماس كاملاً في الروايات أم أن ذلك نتيجة لا مفر منها للنضوج والتقدم في السن؟ لا تعرف إليس الجواب. تقول ضاحكةً: {لا أجد أنا شخصياً المطالعة صعبة. يكفي أن أطفئ هاتفي، إنما لساعات قليلة فحسب}.

تعتبر إليس تأثير مغارة علاء الدين للإنرنت، الذي قدم لنا Amazon، Abe، وProject Gutenberg، أمراً إيجابياً: يستطيع الناس بسهولة تتبع هوسهم الأدبي، مهما كان غريباً أو غامضاً، وكل ذلك بكلفة زهيدة أيضاً (Project Gutenberg مكتبة رقمية مجانية). لكن هذا على الأرجح سبب آخر لتزايد شعبية الكتب التي تتناول أعمالاً أدبية. فهل تقدّم دليلاً وسط كل هذه المعمعة؟ هذا ما يعتقده جون سازرلاند، بروفسور فخري في قسم لورد نورثكليف في كلية لندن الجامعية. لا يُعتبر كتابه الأخير How to Be Well Read مذكرات، إلا أنه يمتاز بطابع شخصي واضح. فالروايات الخمسمئة التي يلخصها في صفحاته هي تلك التي التصقت بذاكرته {مثل القواقع التي تلتصق ببدن السفينة} طوال 70 سنة من المطالعة. يذكر: {يريد الناس دليلاً يرشدهم أو لوائح على الأقل. إذا أردت أن تطالع كتاباً عام 1951، كان عليك أن تضع اسمك على لائحة الانتظار في المكتبة. أما اليوم، كل الكتب متوافرة، وهذا جيد بالتأكيد. طوال سنوات، لم أستطع تعليم مقرر عن رواية {المرأة الجديدة} لأن طلابي لم يستطيعوا الحصول على النصوص الضرورية. إلا أنهم يستطيعون اليوم تنزيلها بسهولة من Project Gutenberg. ولكن عندما تدخل متجراً كبيراً، تواجه مشكلة: ماذا علي أن أختار؟ يشكل الكثير من هذه الكتب طريقة لفرض الجغرافيا على قدرتنا على مطالعة عدد كبير من الأعمال الأدبية}.

يعتقد سازرلاند أيضاً (إذا كنت كاتباً آخر، قد يثير هذا استهجانك) أن قراء الحادي والعشرين يريدون أو يتوقعون المزيد من كتبهم. فهم يودون، من بين أمور كثيرة، أن تكون الكتب دليلاً أو مرجعاً. يذكر: {يقول القارئ: ملكية النص لي بقدر ما هي لك}. هذا ما تعكسه الروايات الخيالية وربما الكتب التي تتناول الأعمال الأدبية أيضاً.

المطالعة لتمضية الوقت

لا شك في أن القاسم المشترك بين هذه الكتب كافة يبقى الأهمية التي تعلقها على المطالعة وقناعتها التي تعبر عنها ضمناً لا صراحة عن أنها طريقة جيدة لا بل حيوية لتمضية الوقت. ولكن لمَ هي كذلك؟ بالإضافة إلى مسائل التعليم والثقافة، لمَ من المهم أن يطالع الإنسان الكتب؟ لطالما حاولت شخصياً الإجابة عن هذا السؤال. يمكنني بكل سهولة تقسيم مَن أعرفهم إلى مَن يقرأون الكتب وخصوصاً الروايات، ومَن لا يحبون المطالعة (أرى أن القراء أكثر إثارة للاهتمام، أكثر تعاطفاً، وأقل تعصباً في مجالات الحياة كافة). سألت عدداً من مؤلفي الكتب التي تتناول الأعمال الأدبية عن هذه المسألة. يقدّم ميلر جواباً مثيراً للاهتمام، قائلاً إن القراءة باتت اليوم بديلاً لما كان سائداً، إنها ثقافة مضادة، وإن هذا ما يثير اهتمامه: {يذكر الناس أن المطالعة تمنحك خارطة العالم وتساعدك على الاستفادة من تجاربك. لكنها بالنسبة إلي مخرج لا مدخل. ولهذا السبب أقدرها جداً}.

أحببت شخصياً ردّ فيليس روز لأنه على الأرجح يعكس أفكاري الخاصة. أخبرتني وصوتها يعكس مدى قناعتها: {جوابي أناني. تساعدني المطالعة على التمتع بحياتي إلى أقصى حد ممكن. تفتح أمامي كل مجالات الحياة، وأراهن أنها تحقق الأمر عينه للآخرين أيضاً. لدي أشقاء أكبر مني سناً لا يحبون المطالعة، وهم أشخاص مميزون. لكنهم يعيشون حياة أقل حرية وانطلاقاً مقارنة بحياتي. فقد اختبرت الحياة بشغف أكبر. فيمكني التعاطي مع أفكار أكثر تطرفاً لأني أتمتع بمرونة أكبر}.

إذا صح ذلك (وهذا ما أعتقده)، نتمنى ألا تكون الكتب التي تتناول الأعمال الأدبية بشكلها الراهن مجرد تعبير آخر عن ميل متنامٍ للاكتفاء بالظاهر والمرور مرور الكرام في حين أن علينا التوقف والتأمل. نرجو أن تذكر هذه الكتب الناس بمتعة المطالعة العميقة والمؤثرة، فتعيدهم إلى الروايات التي أحبوها وتدفعهم إلى قراءة الجديد منها. لنأمل أن تساعد بعض الناس على الإجابة عن أسئلة راودت فيليس روز حين وقفت أمام أكوام الكتب في مكتبة جمعية نيويورك: ماذا علي أن أقرأ تالياً؟ إلى أين سيقودني؟ وماذا أخسر إن تركت هذا الكتاب على الرف ليعلوه الغبار؟ فيما تكثر الأسئلة، تبقى هذه الأفضل في رأيي.

back to top