استهداف تركيا... ألمانيا أيضاً تتجسّس على أصدقائها!

نشر في 21-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 21-08-2014 | 00:01
No Image Caption
طوال أكثر من سنة، ينتقد المسؤولون الألمان الولايات المتحدة بسبب عملية تجسس وكالة الأمن القومي الواسعة التي استهدفت الأوروبيين حتى المستشارة أنجيلا ميركل. لكن معلومات محرجة تكشف اليوم أن ألمانيا تجسست مصادفة على هيلاري كلينتون وجون كيري، وتعمدت استهداف تركيا أيضاً.

التفاصيل من {شبيغل}.

في منتصف يوليو، كانت الحكومة الألمانية تملك ما تفتخر به. فللمرة الأولى في مسألة التجسس التي لا تنتهي، اتخذت الخطوات اللازمة بسرعة، حزم، وصوت واحد. فقد فُضح أمر جاسوس داخل جهاز الاستخبارات الخارجية في ألمانيا (BND). فأمرت الحكومة في برلين كبير مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في ألمانيا بمغادرة البلد، مبرهنةً لواشنطن أنها ترفض تحمل مطلق الأمور. وهكذا انتقلت برلين، على ما يبدو، إلى الهجوم.

لم يدم هذا الوضع طويلاً. فبعد أربعة أسابيع، بدأ فريق المستشارة أنجيلا ميركل بالتراجع. أفادت الصحيفة اليومية Süddeutsche Zeitung في عددها الصادر يوم الجمعة، أن جهاز الاستخبارات الألماني (ولو سهواً في الظاهر) تنصت على محادثة هاتفية لوزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون. فأفرغت هذه المعلومات عبارة ميركل الشهيرة {التجسس بين الأصدقاء؟ هذا غير مقبول} من معناها.

تشير المعلومات التي حصلت عليها شبيغل إلى أن هذه المسألة لا تتوقف عند كلينتون. فقد شملت، السنة الماضية، خلف كلينتون، جون كيري، حين كان يعمل على وساطة في الشرق الأوسط بين الإسرائيليين، الفلسطينيين، والدول العربية. في تلك الفترة، يبدو أن جهاز الاستخبارات الألماني محا تسجيلاً لمحادثة واحدة على الأقل لكيري بناء على الأوامر.

يُعتبر واقع أن محادثة كلينتون لم تمحَ في الظاهر إحدى الهفوات التي تحفل فضيحة وكالة الأمن القومي بها. وهذا نتاج صدفة مؤسفة داخل جهاز الاستخبارات الألماني.

صيد جانبي

طوال سنوات، اعترض جهاز الاستخبارات الألماني محادثات هاتفية عبر الأقمار الاصطناعية من محطة التنصت التابعة له في باد أيبلينغ في بافاريا بغية الحصول على معلومات عن عالم الإرهاب الإسلامي. لكن المصادر الاستخباراتية تشير، اليوم، إلى أن المسؤولين الأميركيين وقعوا في شباك جهاز الاستخبارات الألماني أيضاً، خلال قيامهم باتصالات هاتفية عبر الأقمار الاصطناعية من الطائرات.  تصف المصادر هذه الاتصالات بأنها {صيد جانبي} غير متعمد.

بهذه الطريقة وقعت كلينتون في شبكة جهاز الاستخبارات الألماني عام 2012. فقد اتصلت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة بالأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان. آنذاك، كان يتولى منصب المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في المفاوضات حول إيجاد حل للأزمة السورية. كان عنان أنهى آخر المفاوضات في سورية وأراد إعلام كلينتون بالمستجدات.

وفق البروتوكول المتبع، أعد فريق العمل في مقر جهاز الاستخبارات الألماني تقريراً من صفحات عدة عن المحادثة، ونقله إلى مسؤولين أعلى شأناً في الوكالة. فأمر هؤلاء فريق العمل بإتلاف التقرير. تذكر المصادر أن الملف لم يُرسل إلى المستشارة ميركل.

لكن المسؤول عن إتلاف هذا التقرير كان ماركوس ر./ موظف في قسم العلاقات الخارجية/مجالات العمليات في الوكالة. وتبين أنه الرجل ذاته الذي اتُّهم أخيراً بتواطئه مع الأميركيين.

ما كان ماركوس ينوي، على ما يبدو، إتلاف التقرير في الحال. بدلاً من ذلك، ضمه على ما يُفترض إلى 217 مستنداً آخر تابعة لجهاز الاستخبارات الألماني، يُشتبه أنه سلمها للأميركيين، علماً أن بعض هذه المستندات عالي الحساسية. اكتشف المحققون الألمان المستندات على جهاز USB خلال تفتيشهم منزل ماركوس في مطلع يوليو.

ضربة قوية للعلاقات

قلب الأميركيون أخيراً الطاولة. وهم يتهمون الألمان في محادثات داخلية بالخبث والرياء. يردد المسؤولون رسمياً في الأوساط الأمنية الألمانية أن {الدول الحليفة لم تكن ولن تصبح أحد أهدافنا الاستخباراتية}. كذلك تشير المصادر إلى أن جهاز الاستخبارات الألمانية تلقى منذ منتصف السنة الماضية أوامر من المستشارة الألمانية بإتلاف  أي نوع من هذا الصيد الجانبي، فلا يُفترض حتى تحويله إلى مسؤولين أعلى شأناً في جهاز الاستخبارات. رغم ذلك، تشكل هذه القضية ضربة قوية أخرى للعلاقات الألمانية-الأميركية التي باتت هشة أخيراً.

يوم الجمعة الماضي، عبّر أعضاء بارزون في الحكومة الألمانية عن استيائهم من هذه المسألة. وذكرت مصادر في برلين أن مسؤولي الحكومة أمروا بإعداد تقرير تقييم شامل عن صيد التنصت الجانبي الذي حصل عليه جهاز الاستخبارات الألماني. ومن المتوقع أن يتخطى التقرير الصيد الجانبي غير المتعمد ليعالج ما يتوقع أن يكون مسألة أكثر تفجراً.

من بين المستندات التي سرقها ماركوس ر. ملف يتناول مسألة ثانية عالية الحساسية: ما يُدعى {نموذج الأوامر} الذي تحدد بموجبه الحكومة الفدرالية محاور عمل جهاز الاستخبارات الألماني كل أربع سنوات. أُعد النموذج المعمول به راهناً عام 2009 ولم يُجدد بعد بسبب فضيحة وكالة الأمن القومي. ومن المتوقع صدور نسخة جديدة خلال الأشهر المقبلة.

علمت شبيغل من بعض المصادر أن تركيا تشكل أحد محاور اهتمام جهاز الاستخبارات الألماني الواردة في النموذج السابق، ما يجعل هذا البلد هدفاً مباشراً لجهود التجسس التي تقوم بها وكالة الاستخبارات الخارجية. فمن الممكن لواقع أن جهاز الاستخبارات الألماني استهدف بطلب من الحكومة حليفاً في حلف شمال الأطلسي أن يقوّض جهود الحكومة الألمانية الأخيرة للحد من التوتر بين برلين وأنقرة.

غير مقبول

كبحت تركيا ردة فعلها حتى الآن، بما أن أنقرة تسعى، على ما يبدو، لتفادي مواجهة قد تكون مؤذية. فقد طلب أخيراً وزير الخارجية في أنقرة من السفير الألماني إلى تركيا عقد اجتماع، إلا أن كلا الطرفين أصرا على أن جو المحادثات كان {ودياً}. وفي وقت لاحق من يوم الاثنين، أصدر وزير الخارجية التركي بياناً ورد فيه أن هذا التجسس سيكون {غير مقبول البتة}، إن كانت التقارير صحيحة.

دفاع

في نهاية الأسبوع، دافع مصدر حكومي في ألمانيا عن أعمال برلين في صحيفة Frankfurter Allgemeine Sonntagszeitung التي تصدر يوم الأحد. فقد صرحت المستشارة ميركل، مراراً، منذ فضيحة وكالة الأمن القومي، أن على الأصدقاء ألا يتجسسوا على أصدقائهم، غير أن هذا المصدر ذكر: {لم ندّعِ طوال السنوات الماضية أن هذا الموقف ينطبق على كل دول حلف شمال الأطلسي}. كذلك اقتبست هذه الصحيفة عن المصدر قوله إن تركيا لا يمكن أن تشبّه بالولايات المتحدة أو شركاء أوروبيين مثل فرنسا وبريطانيا العظمى}.

أخبر هذا المصدر الصحيفة أن ما يحدث في تركيا له أهمية كبرى بالنسبة إلى الأمن القومي الألماني. فألمانيا تضم المجتمع التركي الأكبر خارج تركيا، مع ثلاثة ملايين شخص متحدرين من أصول تركية يعيشون في هذا البلد. وتشمل هذه المخاوف الأمنية نشاطات حزب العمال الكردستاني اليساري والمجموعات التركية اليمينية المتطرفة في ألمانيا، وصولاً إلى تهريب الممنوعات والاتجار بالبشر. كذلك صرح هذا المصدر أن من المعروف، منذ بعض الوقت، أن الحكومة التركية تحاول تأكيد أهدافها السياسية من خلال الجمعيات والمنظمات التركية في ألمانيا.

بالإضافة إلى ذلك، دافع مزيد من السياسيين الألمان أخيراً عن التجسس على تركيا.

رغم ذلك، يتأمل المسؤولون في برلين في ما يمكنهم فعله لاسترضاء شريك ألمانيا المهان، الذي يتمتع بدور بالغ الأهمية في الأزمة العراقية الراهنة. تذكر مصادر في الحكومة في برلين أن الجهود ستُبذل في الحال للتقرب من الحكومة في أنقرة.

ولكن في هذا المجال أيضاً قد يمر بعض الوقت قبل أن يعاود الائتلاف الهجوم مجدداً.

back to top