بهرجة السياحة!

نشر في 20-08-2014
آخر تحديث 20-08-2014 | 00:01
 طالب الرفاعي إلى جانب القضايا السياسية والاقتصادية الساخنة واليومية، تكاد "إجازة الصيف" تكون محوراً لأحاديث المجتمع الكويتي. وفي ضوء عدم وجود دراسة ميدانية جادة وعلمية موثقة للأعداد الحقيقية لمجمل أفراد المجتمع الكويتي التي يتيح لها ظرفها الاقتصادي والاجتماعي التمتع بإجازة سنوية في أشهر الصيف، وأعمار هذه الفئات المسافرة، واهتماماتها، والأماكن التي ترتادها، والفترات الزمنية التي تقضيها خارج الكويت، والأماكن التي تفضل الذهاب إليها، وأخيراً المبالغ التي تصرفها. فإن الملاحظة الواضحة تؤكد أن العدد الأكبر من السياح الكويتيين، وبسبب من تدهور ومأساوية الأوضاع في أكثر من عاصمة عربية، اتخذوا بالإضافة إلى دبي وتركيا، من لندن وربما باريس وجهة مفضلة لهم. لكن مروري العابر في لندن، لمرتين خلال أقل من شهر، أكّد لي المعلومة المتداولة في أن همّ العدد الأكبر من النساء الكويتيات وبناتهن في السفر هو التسوّق! حتى أن مروراً سريعاً على شارعي "أوكسفور"، و"ريجنت ستريت" يكاد يوحي للكويتي العابر، بسبب من كثرة الكويتيين، وكأنه في الكويت!

التقيت أصدقاء إنكليز بينهم كتّاب وناشرون وصحافيون وفنانون تشكيليون، بعضهم من أصول عربية، على مائدة حوار ثقافي وفني، تناول الوضع الثقافي العربي عامة، والحالة الكويتية بوجه خاص، ومدى حضور وفعالية الإبداع الكويتي الشبابي، وحركة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية والعكس. بعدها، وبسبب عشقي للكتاب واللوحة التشكيلية، صحبني صديقان في جولة على أكثر من مكتبة، و"جاليري" للوحات التشكيلية والأعمال الفنية، وفي مسارات تجوالنا المتعرجة، واجهت أكثر من سؤال استنكاري، يحمل شيئاً من الاستغراب والتندر في كلماته: "هل يوجد في الكويت مولات وأسواق حديثة؟"، ولأن محدّثي سبق له أن زار الكويت، نظر إليّ مستغرباً: "كل الماركات العالمية موجودة في أسواق الكويت، فلماذا التكالب على التسوق بهذا الشكل؟ مع اعتبار الفرق في السعر، فهناك إشكالية نقل المشتريات".

وتوقف محدّثي لبرهة قبل أن يرمي عليَّ بسؤاله: "لماذا بعض السلوكيات الخارجة عن اللياقة؟".

رحت أنظر إليه وكأنني انتظر التوضيح، فاستفاض وقد ظهر شيء من التأثر على صوته: "البعض يسير مرتدياً البيجاما في السوق العام! والبعض يستخدم الأغاني العربية ذات الرتم السريع المزعج، بشكل يؤذي مشاعر الآخرين!"،

وبالهدوء الإنكليزي المعهود، سألني الصديق الآخر: "البعض يسيء لبلدكم الكويت بسلوكه دون قصد!".

ودعت صديقيّ وقد مسَّ الحزن قلبي، وبدافع التأكد من ملاحظاتهما، قصدت شارع "أكسفورد" واستغربت كثيراً لما رأيت، فمجموعة ليست بالقليلة ممن رأيت من النساء والفتيات، الكويتيات والخليجيات، كن يسرن في الشارع وهن بكامل زينتهن، وكأنهن في مباراة للأزياء أو أنهن في طريقهن إلى سهرة أو حفلة زواج!

دار ببالي، السبب وراء إصرار البعض على التظاهر بالغنى والتسربل بالماركات الأشهر من الحقائب والساعات والأحذية، في بلد ومجتمع لا يعيراها انتباهاً.

أفهم الإجازة بوصفها فترة للراحة، وكسر روتين التعب والعمل، والتمتع بالهدوء والطبيعة، ومتابعة الجديد في الأدب والمسرح والفن، وليس من مانع لشيء من التسلية والتسوق، لكنني، وأنا العربي، أنظر إلى أوضاع الوطن العربي المتدهورة والمؤلمة، وصعوبة عيش المواطن العربي وتشرده في أكثر من بلد، ولذا على المواطن الخليجي الميسور أن يحسب سلوكه، وألا يكون مثار كره وتندر وربما كراهية البعض! كما أن ثورة المعلومات والعولمة، وماكينة الأخبار العالمية التي تسيء بقصد ودون قصد لكل ما هو عربي ومسلم، تلزم الجميع بسلوك معتدل يأخذ بحسبانه حرية الآخر وقناعاته، ولا يسيء لنفسه وبلده، فالتبرهج ممجوج، وكذا الإصرار على الغلو في المسلك بحجة الإسلام.

 فليس أجمل من حسن الخلق!

back to top