كان على أوباما الإصغاء إلى هيلاري كلينتون

نشر في 19-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 19-08-2014 | 00:01
 تشارليس كروثامر لنترك لوزيرة خارجية باراك أوباما السابقة مهمة الإقرار بالعيب المميت في سياسته الخارجية: غياب تام للتفكير الاستراتيجي.

لا شك أن أوباما يستخدم كلمات طنانة متحدثاً عن أفكار كبيرة، مثل "البداية الجديدة" مع الإسلام التي أعلنها في القاهرة، وإعادة ضبط العلاقات مع روسيا التي أعلنها في جنيف، ونزع السلاح النووي العالمي الذي أعلنه في براغ "وكرره في قمة واشنطن"، وبما أنها كلها لا تمتّ للواقع بصلة، اختفت من دون أن تخلّف أي أثر.

ولكن إذا أردنا تطبيق السياسات في العالم الحقيقي فعلينا الاعتماد على المناورات والخطط التفاعلية المبتكرة. لكن العامل الثابت الوحيد في سياسة أوباما الخارجية يبقى عدم قدرة (استعداد؟) الرئيس على رؤية الصورة الكبيرة. لنتأمل في ما يلي:

1- روسيا

حشد فلاديمير بوتين 45 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا، كذلك يتوجه إلى أوكرانيا موكبٌ من 262 شاحنة روسية محملة بالمساعدات الإنسانية بهدف دعم الانفصاليين الموالين لروسيا الذين تراجعوا اليوم إلى مدينتَي دونيتسك ولوهانسك المحاصرتين، علماً أن هذه المساعدات لم تُطلب أو تخضع للتفتيش ولا ترغب فيها أوكرانيا، لذلك هددت هذه الأخيرة بوقف الموكب.

ماذا يشغل بال أوباما؟ أخبر الرئيس الأميركي بهدوء صحيفة "نيويورك تايمز" أن بوتين "قد يغزو" أوكرانيا في أي لحظة، وأضاف أنه إذا فعل ذلك "فستصعب علينا العودة إلى علاقات التعاون الفاعلة مع روسيا خلال ما تبقى من عهدي".

هل هذا ما يقلق أوباما؟ لا شك أن الغزو الروسي سيشكل انتهاكاً واضحاً لنظام ما بعد الحرب الباردة، وبرهاناً مذلاً على ضعف الولايات المتحدة، وصدمةً لدول البلطيق وبولندا وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة الضعفاء. رغم ذلك، كل ما يهم أوباما علاقاته مع بوتين بعد الغزو.

2- سورية:

حتى اليوم، لا يدرك أوباما، على ما يبدو، الضرر الذي ألحقه بالمصداقية الأميركية في كل مكان، حين تهرّب من خطه الأحمر الذي أعلنه بشأن استخدام سورية أسلحة كيماوية.

كذلك يبدو غافلاً عن الرسالة التي بعث بها برفضه تسليح المعارضة العلمانية (رغم معارضة وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، وزير دفاعه ليون بانيلا، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية ديفيد بتريوس)، عندما كان ذلك ممكناً، فقد استخف بهذه الفكرة معتبراً إياها "خيالية" لأننا بذلك نسلح هواة لمواجهة حكومة مسلحة "تدعمها روسيا، إيران، وحزب الله المتمرس في فنون الحرب".

وهكذا أقر أوباما بأن الدعم الروسي وغيره من أنواع الدعم الخارجي بالغة الأهمية في تغيير نتيجة الحرب الأهلية بما يخدم مصالح بشار الأسد، إلا أنه يرفض رغم ذلك موازنة هذا الدعم بالاستعانة بالدعم الأميركي لأنه في نظره عديم الجدوى، وبذلك يكون أوباما قد أخبر العالم عن احتقاره الدور الأميركي التقليدي: حماية الأصدقاء بردع القوى الخارجية المعادية وموازنتها.

3- غزة:

رحّب كل حليف معتدل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعرض وقف إطلاق النار المصري الأول (الأسبوع الأول)، لكنهم ذُهلوا بعد ذلك عندما التقت الولايات المتحدة قطر وتركيا، محاميي حماس، للترويج لمطالبها، ألم يفهم أوباما أنه يعرقل تحالفاً سرياً ومذهلاً بين العرب وإسرائيل بغية إسقاط حركة حماس (فرع من الإخوان المسلمين)، التي تشكل هي بدورها هدفاً استراتيجياً أميركياً مهماً؟

لكن الدليل الأكبر على غياب رؤية أوباما يبقى تقلبات سياسته الحالية، التي تمثل إقراراً واضحاً بفشله، فقد دعم وقف إطلاق النار المصري التالي، وبدأ أخيراً يسلّح الثوار السوريين، كما يعيد اليوم القوة العسكرية الأميركية إلى العراق "ولكن في الشأن الروسي، يرفض رفضاً قاطعاً التحرك".

من المؤسف أن رزمته المقترحة المؤلفة من 500 مليون دولار التي خصصها للثوار السوريين جاءت متأخرة، فقد نجح الأسد في محاصرة حلب، معقلهم الأكبر الأخير، بشكل كامل تقريباً، وعندما تسقط هذه المنطقة، تكون الثورة قد انتهت على الأرجح.

إلامَ أدى كل ذلك؟ إلى النتيجة الأكثر سوءاً: بلد منقسم بين الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والأسد، الذي بات اليوم موالياً تماماً لإيران وروسيا.

ينطبق الأمر عينه على العراق، الذي جاء التدخل فيه متأخراً أيضاً، فلمَ انتظر أوباما سبعة أشهر بعد استيلاء "داعش" على الفلوجة وتسعة أسابيع بعد سيطرتها على الموصل قبل أن يبدأ بمد الأكراد بالأسلحة التي هم بأمس الحاجة إليها؟

ولمَ اكتفى بأسلحة صغيرة تهرَّب سراً عبر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، حسبما تذكر بعض التقارير؟ من الواضح أن الأكراد يواجهون خصماً يفوقهم تسلحاً، فرصاصاتهم ترتد عندما تصطدم بسيارات الهامفي المصفحة التي استولى عليها مقاتلو "داعش" ويستخدمونها في حربهم ضدهم، لذلك على وزارة الدفاع الأميركية أن تنفذ عملية نقل جوية بغية مد البيشمركة بآليات مصفحة، صواريخ مضادة للدبابات، وغيرها من الأسلحة الثقيلة.

وماذا عن الضربات الجوية القليلة غير المجدية؟ يبلغ طول الجبهة بين "داعش" والأكراد نحو 600 ميل، علماً أن هذه المسافة تفوق المسافة الفاصلة بين بوسطن وواشنطن، وتقر وزارة الدفاع الأميركية راهناً بأن المناورات الحالية (استهداف مدفع هنا وشاحنة هناك) لن تؤثر في زخم "داعش" أو حتى مسار الحرب، لكن تغيير مسار الحرب يشكل هدفاً استراتيجياً، ويبدو أن أمراً مماثلاً لا يرد في أجندة أوباما.

 * ناشيونال بوست

back to top